هي التي كانت حاضرة على طريقتها، شعرياً وفنياً، ومن خلال صالونها الأدبي الذي كان يلتقي فيه شعراء ونقاد وصحافيون، في جلسات حوار ومؤانسة.


وعلى غرار الشاعرين نزار قباني وأدونيس، والروائية غادة السمان، كانت الأديبة والشاعرة والرسامة السورية هدى النعماني، سورية ولبنانية في آن واحد، دمشقية الهوى، بيروتية الشغف، لم تتخل يوماً عن جذورها الضاربة في عمق الوجدان السوري ولا عن انتمائها اللبناني الذي زادته الحرب اللبنانية رسوخاً.
منذ قصيدتها الأولى قالت وحاولت أن تقول. قالت وترجمت ما رأته بأحاسيسها وأفكارها الكثيرة.


بداياتها ومسيرتها الأدبية والشعرية
ولدت هدى النعماني يوم 2 حزيران/يونيو عام 1930 في دمشق، وتابعت دراستها الإبتدائية والثانوية في مدرسة الفرنسيسكان واللاييك، ثم درست الحقوق في جامعة دمشق، ومارست المحاماة عدة سنين، وإستكملتها في القاهرة وبيروت دارسةً الفن الإسلامي والأدب. وقد إنتقلت الى القاهرة مع زوجها عبد القادر النعماني "عميد الجامعة الأميركية" سابقاً.
وفي عام 1968 إستقرت هدى النعماني في بيروت، قادمة من القاهرة التي عاشت فيها فترة. وكانت تجيد منذ مطلع شبابها، الفرنسية والإنجليزية، وكتبت فيهما قصائد عدة، عطفاً على قراءاتها فيهما أيضاً، ما منحها ثقافة عالية. لكنّ غايتها كانت اللغة العربية، التي تبحرت فيها وفي أصولها التراثية، لا سيما عبر النصوص الصوفية والعرفانية، التي كان لها فيها أثر كبير جعلها تنتمي إلى تيار الشعر الصوفي في صيغه الحديثة.

وأدركت معنى أن تكون سليلة قريبها الشاعر والعلامة الصوفي الكبير عبد الغني النابلسي، الذي كان لها بمثابة وأصل تعود إليه، تقرأه وتستضيء به لتقرأ شعراء الصوفية الكبار من أمثال الحلاج، والبسطامي، وابن عربي، والنفري وسواهم، وبعض الفلاسفة المسلمين.
سعت إلى تطوير اللغة الصوفية الشعرية، مستعينة بقراءاتها الشعرية الحديثة، الأجنبية والعربية. لكنها في دواوين راحت تعتمد الترميز الشعري المتكئ على مفاهيم صوفية عرفانية، عميقة المعاني، وكان على هذا الترميز أن يشمل اللغة نفسها، التي أضحت لغة العرفان والتأمل والوجد.
في ديوانها "قصيدة حب" الصادر عام 1973، كتبت قصائد وجدانية تجمع بين الحب المثالي والحب الصوفي، متغنية بحبيب نصف حاضر ونصف غائب. وبدت قصائد هذا الديوان غريبة عن شعر الغزل، الذي عرفه الشعراء العرب، القدامى والجدد.

كما حققت هدى النعماني في إصدار ديوانها "اذكر كنت نقطة كنت دائرة" في مطلع الثمانينيات خطوة مهمة، في ترسيخ تجربتها الصوفية الجديدة، فحظي هذا الديوان بترحاب لدى الشعراء والنقاد، وتم التوقف عند لغته الرمزية المشبعة بالإشارات والدلالات.
لها أيضاً العديد من المؤلفات النثرية والشعرية والصوفية، منها "أصابعي... لا"، "هدى أنا الحق" و"كتاب الوجد والتواجد".
ألقت شعرها في مؤتمر للشعر العربي بجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الاميركية، وفي العديد من الجامعات الأميركية، منها هارفرد، تكساس، وديوك، وتُرجمت قصائد عديدة لها إلى الفرنسية والإنجليزية وسواهما، ويُحفظ لها تسجيل شعري بصوتها في مكتبة الكونغرس الصوتية، التي تضم تسجيلات لشعراء من العالم، وهي العربية الوحيدة الحاضرة في هذه المكتبة.
وعطفاً على كتابتها الشعر، كانت هدى النعماني رسامة، تخاطب القماشة البيضاء بحرية، وتحاور الألوان مانحة إياها أبعاداً غنائية شعرية صرفة.

رحيلها
هي شاعرة متمكنة عبرت حدود القصيدة، ربطتها بالنص الأدبي وأدخلتها بحقائب السفر. هدى النعماني شاعرة المواقف النبيلة، توحدت بقصيدتها مع الأرض ومع الله، وعمدت الى التجول عبر كل الصور والفصول، متجلية بنورانية تسلقت من ثقوب دوائرها وقفات تأمل.
هي التي قال فيها الشاعر نزار قباني: "بكلمتين فقط بكلمتي النقطة والدائرة تحكي وتختصر هدى الأنوثة برمتها".
هدى النعماني وردة الشام الجورية وعاشقة أرز لبنان.. رحلت يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر عام 2020، عن عمر ناهز الـ90 عاماً.