زخر رصيده في الإعلام المسموع أكثر من 10 آلاف ساعة إذاعية، ووصلت حلقاته التلفزيونيّة إلى أكثر من 1000، تنقل خلالها بين «صيف ونغم» عام 1970 وحاور نجوم الإعلام والأدب والفن في "نجوم ولقاء".

"تقبريني هاتي بوسة" و"سامحونا"، كلمات تعود حقوق ملكيتها معنوياً إليه، طبعها في أذهان من عاصروه، هو المثقف الخفيف الظل الذي ينقل المعلومة مع الضحكة والبسمة، هو مقدم النجوم في الحفلات الفنية ورائد في تقديم برامج المنوعات والألعاب وصحافي وممثل وشاعر
كان الإعلامي الكبير الراجل رياض شرارة مولعاً بالقراءة، فكان يبدأ نهاره بالقراءة من الثامنة صباحاً حتى الثانية من بعد الظهر، كما كان يتمتع بصوت جميل، وغنى كهاوٍ مرات عديدة خلال برامجه على التلفزيون، وكذلك في مسرحية "هالو بيروت" لمروان وغدي الرحباني، كوّن حالة خاصة لم يستطع غيره تقليدها، دخل قلوبنا من دون إستئذان، وخانه قلبه في منتصف عمره وعز عطائه، ليغيّبه بالجسد ويبقى في البال والوجدان.

نشأته
ولدرياض شرارةببلدة مشغرة في البقاع الغربي، وعاش فيها أول ثماني سنوات من عمره، وتلقى علومه في مدارس داخلية بين دير بلدية مشموشة الجنوبية وزحلة وبكفيا، ولطالما إعتبر رياض شرارة أن أهله أخطأوا في حقه عندما وضعوه في مدرسة داخلية أورثته الكثير من العقد.
أحبرياض شرارةالتمثيل منذ صغره، ولكنه لم يحترفه، وشارك في الكثير من النشاطات الفنية سواء من خلال الاعمال المدرسية او من خلال نادي البلدة، وعرف بالادوار الكوميدية وأدوار الشر.
ثم ما لبث أن ترك منزل والده نقولا شرارة، الذي كان يعمل في التجارة، وقرر المجيء الى بيروت ليصنع مستقبله بنفسه، حينها كان مراهقاً، فعمل في حقل الكهرباء أولاً ثم خطاط لوحات إعلانية ويافطات، ثم في تصليح ماكينات سينجر للخياطة، وفي الوقت نفسه تابع تدريس مادتي الأدب والفلسفة للصفوف الثانوية في مدارس عديدة، بين رأس النبع وعاليه وقب الياس، في عام 1962.

إنطلاقته من الإذاعة وقصة زواجه
في الثامنة عشرة من عمره، وبينما كان يعمل في مطعم "لاروندا" في ساحة البرج، نصحه زميل له بطرق باب إذاعة لبنان الرسمية التي رسمت الخط الأول في حياته، فأعدرياض شرارةأول برامج المسابقات الإذاعية في العالم العربي «صفر أو عشرين» و«فكر وإربح» الذي إستمر 12 عاماً ونصف، وتم تصنيفه في خانة البرامج الاكثر شعبية، ولعل أهم مكافأة نالها على هذا البرنامج كانت مشتركة إسمها رينيه الدبس، إذ غش رياض في سحب القرعة وأعلن أنها الرابحة، وكانت حسب قوله المرة الوحيدة التي يغش فيها، وكانت النتيجة أن تزوجها وأنجب منها أربعة أولاد، هنادي مساعدة مخرج، هادي شرارة المؤلف والموزع الموسيقي المعروف، نادين ممثلة وغدي متخصص في علم الموسيقى وآلة السكسفون، ثم عمل رياض مراسلاً لراديو BBC، وهو الذي أطلق البث المباشر في إذاعة لبنان، وشارك في تقديمه الى جانب كبار نجوم الإعلام المسموع منهم إيلي صليبي، سعاد قاروط العشي، الدكتور فاروق الجمّال، محمد المشنوق كان يناقش زميليه إيلي صليبي وفيكتور سحاب في ما سيطرحه من مواضيع، فما من شيء كان يمر من دون تحضير مسبق، على الرغم من أنه يبدو وكأنه مرتجل، وكان رياض منبعاً من الأفكار، إذ لقبه أصدقاؤه بـ"بنك الأفكار".

على الشاشة الصغيرة
من الاذاعة إنتقلرياض شرارةالى التلفزيون، وقدم الأخبار بعدما وافق على عرض جان خوري، وتحول إلى مقدم للأخبار السياسيّة في "تلفزيون لبنان"، لكن سرعان ما ترك ملك النكتة الحاضرة النشرة المسائية لأن المجال الاخباري لم يلق به وبوجهه البشوش الذي لم يتلاءم مع طبيعة النشرات الاخبارية الجادة، والحزينة أحياناً، فإنتقل بعدها الى تقديم البرامج الترفيهية.
قدم رياض شرارة برنامج "مين الأول عل LBCI"، الذي تميز فيه كل يوم أحد، إذ كان يتنقل البرنامج أسبوعياً من منطقة إلى أخرى، مستعرضاً تراث وثقافة كل منطقة، وأبرز وجوهها، في جو من الترفيه والمسابقات، وذلك في بث مباشر لحوالى الثماني ساعات، وكذلك برنامج "ليالي لبنان" الذي أعده المخرج مكرم حنوش، وإنطلق منه العديد من فناني الصف الأول الحاليين نذكر منهم نجوى كرم، وتنقل رياض بين برنامجي المنوعات "صيف ونغم" الذي أطل به للمرة الأولى عام 1970، إلى محاورته أهم نجوم الفن من بينهم عبد الحليم حافظ ونصري شمس الدين والشحرورة صباح وفيلمون وهبي ووديع الصافي وأنطوان كرباج في برنامج "نجوم ولقاء". شارك في تقديم برنامج "ساعة وغنية" لـ الأخوين رحباني أيضاً على تلفزيون لبنان مع الفنانة اللبنانية هدى، شقيقة السيدة فيروز.
هو رائد تقديم برامج المسابقات في الوطن العربي، كما عمل في دبلجة البرامج والمسلسلات الاجنبية .وكان أشهرها برنامج المسابقات الياباني المدبلج "الحصن"، الذي أذيع في الثمانينيات والتسعينيات على القنوات المصرية والعربية.
حرصرياض شرارةعلى نقل كل ما كان يتلقفه من ثقافة ومعلومات عبر مطالعته اليومية للكتب المختلفة الى الجمهور بطريقة مبسطة وسهلة، وهذا كان زاد جمهوره مع كل إطلالة له.. بسمة وضحكة ومعلومة، حتى أطلق عليه لقب "الموسوعة الحيّة"، نظراً لقدرته على تقاسم ما في جعبته مع المشاهد في قالب من الظرف لا مثيل له. واللافت أنه لم يضع يوماً السماعة في أذنه ليردد ما يلقّنه إياه المعدّ أو المخرج، خلافاً لكثيرين من نجوم الإعلام اليوم.
سجل الكثير من الإعلانات التلفزيونية بصوته، وظهر بالصورة والصوت في إعلان ماركة مسحوق غسيل معروفة، وفي إعلان ماركة مشروبات غازية معروفة أيضاً.

علاقة عمل وصداقة مع الأخوين رحباني
علاقة رياض شرارة بالأخوين عاصي ومنصور رحباني بدأت فنياً من خلال مشاركته معهما أولاً في برنامجين: "سهرية" و"ساعة وغنية" الى جانب الفنانة هدى وكوكبة من الفنانين اللبنانيين، وقد لاقى شهرة كبيرة لبنانياً وعربياً، وتحولت العلاقة الى صداقة متينة ترجمت عبر جلسات يومية كان محورها الثقافة والفن، وأيضا الأكل والطبخ، ومعروف عن الفنان الراحل الكبير منصور رحباني شغفه بالطعام، وهو شغف شاركه فيه رياض شرارة بإمتياز، ولكم تذكره منصور رحباني رفيقاً في السهرات والصيد وأيام الحرب أيضاً.
وتولى مهمة المستشار الإعلامي، ليصبح رفيقاً لأسفار الأخوين رحباني مع الفرقة، لتقديم حفلاتهم الفنية في مختلف أنحاء العالم.

رياض شرارة الممثل
في العام 1975 رأيناه لأول مرة ممثلا في مسلسل "ناطور الحارة" مع إحسان صادق، وليعرض عليه لاحقا الوقوف الى جانب أيقونة السينما المصرية فاتن حمامة في دور مذيع يغرم بها، كما عرض عليه تأدية دور عن سيرة حياة سيد درويش، لكنه تمنع مفضلاً ان يلمع في مجاله.. وفعلها فعلا وحلَّق، ومن خلال علاقته المتينة بآل رحباني تمكن مروان وغدي الرحباني من إقناعه بخوض تجربة التمثيل والغناء عبر المشاركة في مسرحيتهما "هالو بيروت"، وقد أدى خلالها أغنيته المفضلة "مين عذبك" لمحمد عبد الوهاب، وشارك عصام رجي وميريام غناء "هلق خلصنا".

تجربته في الصحافة المكتوبة
تولى منصب سكرتير تحرير، ثم مدير تحرير مجلة «الحوادث»، لينشئ بعدها أول مجلة عربية بالألوان أطلق عليها إسم "الجوال" التي كانت تعنى بأمور السياح والسفر والطرقات، ثم أتبعها بمجلة "تيليسينما" مع مدير عام تلفزيون لبنان السابق جان كلود بولس، والتي توقف إصدارها مع إندلاع الحرب اللبنانية.

أطلق قصائد شعرية مسموعة
أطلق رياض شرارة قصائد شعرية ونثراً وخواطر على كاسيتات، إذ كان يلقيها بصوته وترافقه موسيقى عربية وعالمية بأسلوب مميز، منها "السيدة حبيبتي" و"عاشق بالولادة" و"عاشق حتى الشهادة".

وفاته بخطأ طبي
كان أبرز ما يخطط له قبل أن يداهمه الموت، إنشاء أكاديمية لتعليم أصول التقديم والظهور الإعلامي، إذاعيا وتلفزيونياً، لكن للأسف غادرنا رياض شرارة مبكراً بعد أن خانه قلبه، ففي 24 أيلول/سبتمبر عام 1994، فجع اللبنانيون بالرحيل المفاجئ لوجه الشاشة المحبب إلى قلوبهم، صاحب النكتة الحاضرة دائماً، والضحكة التي ما فارقت وجهه وبرامجه التي إنفرد في طريقة تقديمها بأسلوبه المميز والراقي. "عندما تمطر السماء أشعر أنها تبكي عليّ"، كلمات أخيرة قالها لكأنه كان عالماً بقرب رحيله.
توفي بخطأ طبي، فلقد خلط الأطباء بين تعرض قلبه لأزمات متتالية وأوجاع الديسك، وأجبروه على وضع طوق طبي حول رقبته، ولم يتوقف عن تقديم برنامجه "باب الحظ" على قناة LBCI، الذي شاركته تقديمه الإعلامية اللبناني ميراي مزرعاني حصري، حتى لحظة رحيله.
وظل يردد "اجعل كل يوم إنساناً سعيداً، حتى لو كان هذا الإنسان هو أنت بالذات". هذه المقولة نقشها على باب منزله، وعاد إلى تراب "مشغرة" في البقاع الغربي، بعد أن أُقيمت له جنازة كبيرة، إذ جال موكب خاص بجثمانه مناطق لبنانية عديدة، إنطلاقاً من بيروت وصولاً إلى البقاع، وكانت هناك عدة نقاط توقف عندها الموكب ليلقي الناس التحية الأخيرة على الإعلامي الأحب على قلوبهم، وخصوصاً النساء اللواتي أطلقن الزغاريد ونثرن الورود، فبدا وداعه وكأنه عرس حقيقي.
بعد سنة على رحيله، كرّمته LBCI كأفضل إعلامي وقدمت لأسرته مبلغ 25 ألف دولار أميركي، وتابعت العمل مع إبنه الملحن والموزع الموسيقي هادي شرارة، في تأليف وتلحين جينيريكات البرامج.