11/10/ 2013، لم يكن يوماً عادياً، بل كان يوماً حزيناً في تاريخ لبنان والكون، وذلك حين رحل الفنان اللبناني وديع الصافي عن عمر 92 عاماً في مستشفى بيلفيو في المنصورية بجبل لبنان، تاركاً الأرض التي تتضمن بلده لبنان الذي وصفه غناءً بـ"قطعة سما عالأرض تاني ما إلا"، ولم يكن يدرك أن هذه القطعة خسرت الكثير من جمالها وسحرها برحيله عنها.


إسمه الحقيقي وديع فرنسيس، لكنه حصل في الثلاثينيات من القرن الماضي على الإسم الذي يعتبر إسماً على مسمى وهو وديع "الصافي" ، إذ إن صفاء صوته جعل الموسيقار محي الدين سلام عازف العود الشهير ووالد المطربة نجاح سلام، يسمّيه بهذا الإسم.
وتحديداً قال له الموسيقار سلام :"أنت يا وديع تملك صوتا رائعا، وصافيا، وحنجرة ذهبية.. لا مثيل لها، لذلك أطلقت عليك الصافي".
في طفولته الصافي وصفه جده، وقال له :"صوتك ما في متله بالأرض، ورح يخليك مشهور".
وصفته مصر بأنّه مبتكر "المدرسة الصافية" في الأغنية الشرقية.

إنطلق فنياً سنة 1938 حين فاز بالمرتبة الأولى لحنا وغناء وعزفا من بين أربعين متباريا في مباراة للإذاعة لبنان الرسمية بأغنية "يا مرسل النغم الحنون" للشاعر الأب نعمة الله حبيقة.
في وصف صوته نستعين بكلمات الأب يوسف مونّس الذي قال فيه :"تسمع وديع الصافي فتصفو فيك الروح، ويفوح حولك بخور الأرز والسنديان والصنوبر والشربين والثلج والربيع ومواسم الحصاد والغلال وهدير أصوات الرجال الأبطال ورقة صلوات الأمهات والنساك".
كيف لا نستعين بهذا الوصف الرائع للصافي، وهو الذي حين سمع صوته موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قال له "أنت أبو كلثوم العرب"، وحين سمع صوته العندليب الراحل عبد الحليم قال "لازم نروح نبيع ترمس".
دُفن الفنان العظيم في مسقط رأسه في بلدة نيحا في الشوف بناءً على وصيته، يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2013، لتغفو عيناه إلى الأبد في تراب البلدة التي تغزل بها طوال حياته، وكان يزورها بشكل دائم.

نيحا البلدة التي وُلد فيها وديع في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921، وعاش فيها حتى عمر الـ10 سنوات، لينتقل بعدها إلى بيروت.
في مشواره الفني الذي دام حوالى 75 عاماً، غنى الصافي في العديد من المهرجانات، من بينها بيت الدين وبعلبك وجبيل، وتلقى العديد من التكريمات والأوسمة من العديد من البلدان العربية والغربية، وفي رصيده الغنائي أكثر من 5000 أغنية.
ورغم غنائه للعديد من الملحنين، ومنهم الأخوين رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش وياض البندك، إلا أنه كان يفضل التلحين بنفسه.
كوّن من خلال فنّه مدرسة يُحتذى بها، إذ كان له الدور الرائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني، وعرف بأدائه المميز للمواويل والميجانا والعتابا، وكان يُدخل المواويل في أغانيه.

وأيضاً شارك في العديد من الأفلام السينمائية، منها "موّال" و"نار الشوق" مع الشحرورة صباح.
ولم ينسَ الصافي يوماً علاقته بالله، فهو رنم في الكثير من المناسبات الدينية، وأصدر العديد من الترانيم والابتهالات الخاصة، منها "أبانا" و"يا مريم يا أم الله" و"يا نعمة الله علينا" التي أصدرها بعد إعلان قداسة الحرديني.
حمل بصوته راية الدفاع عن الفن والحضارة وثقافة اللبنانيين في العديد من البلدان، حين غادر لبنان مع بدايةالحرب اللبنانية إعتراضاً عليها، إلى مصر عام 1976، ومن ثم إلى بريطانيا، ليستقر عام 1978 في باريس، قبل أن يعود الى وطنه لبنان الذي رافقه في وجدانه طوال فترات تنقله بين البدان، وحمل الصافي ثلاث هويات: اللبنانية، وهي المصرية والفرنسية والبرازيلية.
وكانت غادرت الحياة ايضا السيدة ملفينا طانيوس فرنسيس، زوجة المطرب الكبير الراحل وديع الصافي، عن عمر ناهز الـ 87 عاماً، وذلك بعد صراع مع المرض.
ملفينا تزوجها الصافي عام 1952، وهي إحدى قريباته، فرزق منها بدنيا ومارلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نعترف بأننا لو مهما كتبنا، فكل الحروف والسطور لا تعطي وديع الصافي حقه في الوصف، فالصافي يفوق وصفه قدرة كل الكتّاب ومساحة كل المجلدات.