من هناك، من بلد الثقافة والانفتاح والحضارة والتاريخ، من شوارع باريس، ومن قلب المسرح الأسطوري الأولمبيا، تمازجت الألحان والموسيقى والأصوات، علّها تنير ظلام بيروت الدامس الغارق في البؤس والتشرد وغياب المسؤوليات.


في واحدة من أضخم الحفلات التي نظمت على صعيد عالمي في العاصمة الفرنسية باريس Unis pour le Liban، بمبادرة من الموسيقي العالمي إبراهيم معلوف وتنظيم تلفزيون France 2، تمازجت الأصوات في أمسية من أجل لبنان الذي يمر في أسوأ ظروف على الاطلاق.
ليس مستغرباً على الدولة الفرنسية المبادرات المحببة إلى قلوب اللبنانيين، فرنسا التي لطالما وُصفت بالام الحنون للبنان، ترجمتها مرة جديدة من خلال هذا الحفل المبهر.
وقبل هذا الحفل، وتحديداً في التاسع عشر من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، قدم النجم العالمي من أصل لبناني ميكا، حفلاً غنائياً جمع منه حتى اليوم مبلغ مليون دولار أميركي، سيتبرع بنصفه للصليب الأحمر اللبناني، وبالنصف الآخر لجمعية Save the children. وهنا لا بد من الاشارة الى ان ميكا كان من المفترض ان يشارك بأغنية في حفل الأمس، لكته إكتفى من خلال تقرير بُث خلال الحفل، بالدعوة الى التبرع للصليب الاحمر اللبناني، كما ظهر متحدثاً عن حبه لييروت، وما حصل لها بعد الانفجار، وعن العائلات التي دمرت منازلها بالكامل، والشهداء من رجال الاطفاء الابطال. كما تطرق الى حبه للبنان وللسيدة فيروز التي يعتبرها أيقونة لبنان والعالم في الغناء.

بالعودة إلى حفل الأمس، ليس مستغرباً على إبراهيم معلوف الموسيقي العالمي من أصل لبناني، والذي يحتفظ للبنان بمكانة خاصة في قلبه، وهو الذي يبدع في اللعب على مختلف أنواع الآلات الموسيقية، أن يقدم هذه المبادرة للبنان وشعبه. وهنا لا بد من الاشادة بكل النجوم الذين شاركوا في الحفل، والذي جمع على المسرح الواحد اكثر من فنان عالمي من مختلف دول العالم، وهذا ما نعجز عن تنظيمه في لبنان بسبب خفة عقل بعض النجوم، ودخولهم في متاهة لعبة الاسماء وإسم "من قبل ومن بعد".

ومن أبرز النجوم اللبنانيين الذين شاركوا في الحفل لين خوري أصغر مشتركة في The Voice فرنسا الذي شاركت فيه منذ أربع سنوات، ونجحت حيث إلتف لها اعضاء لجنة التحكيم الثلاثة، فتألقت بالأمس صوتاً وحضوراً وأسرت قلوب الفرنسيين واللبنانيين.
بالانتقال الى مشاركة النجمة اللبنانية هبة طوجي، العروس الجميلة التي إرتبطت منذ ايام بالموسيقي العالمي إبراهيم معلوف، فهي قدمت على المسرح les moulins de mon coeur الى جانب النجم فياني، بالإضافة إلى أغنيتين مع المؤلف الموسيقي الكبير أسامة الرحباني الذي ترجمها عزفاً على البيانو.

وكعادتها، تبدع هبة صوتاً وحضوراً على المسرح، فهي ساحرة وملهمة ومؤثرة، وتنقل لبنان قوة وجبروتاً بصوتها أينما حلت. والملفت أن معلوف هو من قدم الثنائي الرحباني وطوجي، مستطردا في الحديث عن عائلة الرحابنة التي صنعت هوية الفن اللبناني. كما كانت لافتة مشاركة الفنان والموسيقي الكبير عبد الرحمن باشا الذي قدم معزوفة موسيقية مميزة للغاية.
وتكريماً للسيدة فيروز، تم تقديم أغنية "حبيتك بالصيف" مترجمة حرفياً الى اللغة للفرنسية.
ناهيك عن مشاركة العديد من النجوم، منهم Ycare الذي قدم أغنية لإبراهيم معلوف عن أرز لبنان تحمل إسم Les Cedres، وهنا يُشكر معلوف على تكريمه أرز الرب الشاهد على بقاء لبنان صامداً في وجه كل من يحاول إزالة معالم هذا الرمز العريق، وما يمثله بالنسبة للبنان وشعبه.
ومن بين النجوم الذين شاركوا في الحفل فلوران باني، كلارا لوشياني، باسكال أوبيسبو، ماثيو شديد، أستريج سيرانوسيان، سالفاتور أدامو، سيريل موكاييش، باتريك برويل، ميلودي غاردو وستينغ.

أما الحفل فكان من تقديم الاعلامي الشهير ناغي الذي قدم الحفل بسلاسة وعفوية محببة بعيدة كل البعد عن المبالغة والتضخيم. ومن بيروت قدمت الحفل الى جانب ناغي، الاعلامية الناجحة والراقية ليا سلامة، ابنة الديبلوماسي والسياسي المخضرم غسان سلامة، التي وصفت واقع الحال في بيروت مع ضيوفها، وأبرزهم المخرجة نادين لبكي.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان ريع الحفل سيعود الى الصليب الاحمر اللبناني الذي يُعول عليه كمؤسسة إنسانية ودولية في توزيع المبلغ بشكل عادل.
وأخيراً، وأمام هذه المبادرات الفرنسية المتتالية من أجل لبنان، كنا نتمنى لو بادرنا نحن الى مبادرة واحدة على الاقل تجاه الشعب الفرنسي، خصوصاً حين إحترقت كنيسة "نوتردام دو باري"، لكننا وللأسف إعتدنا على تلقف المبادرات وليس على القيام بمبادرة تجاه شعب شقيق كالشعب الفرنسي.