هو إرث مهم لنا وللأجيال القادمة، جمعت فيه الكاتبة الثقافة وأجمل الذكريات، ويا لها من فكرة رائعة أن تجمع في كتاب واحد مادة دسمة، وتمزجها مع خبرتك في الحياة وأجمل لحظات عمرك.


"إيام كنا زغار" هو عنوان الكتاب الموسوعة الذي وضعته الكاتبة سعاد فريجي ديراني منذ عشر سنوات، وهي التي ولدت في بعلبك، ودرست فيها الصفوف الإبتدائية، قبل أن تنتقل إلى المدرسة الأميركية في صيدا.
حازت على شهادة بكالوريوس في الآداب من جامعة بيروت الأميركية B.U.C، التي أصبحت الجامعة اللبنانية الأميركية L.A.U.
الحفيدة يارا هي التي كانت المحفز لجدتها سعاد لتكتب هذا الكتاب، فيارا أرادت أن تسمع من جدتها قصصاً حقيقية وليس قصصاً خيالية، وأرادت أن تعرف كيف كانت حياة جدتها حين كانت صغيرة وكيف كانت تعيش وماذا كانت تفعل وكيف كانت تلعب، أما رندا، إبنة سعاد، فهي التي ساعدتها في جمع الصور وتنفيذ الكتاب وطبعه.
لماذا أتحدث عن هذا الكتاب الآن على الرغم من مرور عقد على إصداره؟ الجواب هو، وبكل بساطة، أن "إيام كنا زغار" هو من التراث، ومرجع مهم جداً لكل من أراد أن يطلع على الحياة الهانئة في ظل طبيعة نظيفة وجو أسري ملتحم، وأن يرى، وربما لأول مرة، مواد وأدوات إنقرض معظمها، وأن يتعرف على طريقة إستعمالها، وهي التي حل مكانها بدائل العصر، أو ربما لم يحل مكانها أي شيء، فغابت وتركت مكانها الذكرى.
تقول الكاتبة عن "إيام كنا زغار" :"إذا ما جاءت الشيخوخة تلاشت الأحلام ونام الطموح وعادت الذكريات، ذكريات الماضي البعيد، وإستيقظ الحنين إلى أيام الطفولة والصبا، فتمر في خاطرنا وعلى وجوهنا إبتسامة حالمة، ونظرات شاردة تطير بنا إلى الأفق البعيد، نذكرها بفرح أو مرارة، لكن إحياءها له نكهة حلوة وصدى جميل. وسرحت أفكاري، وعدت إلى الوراء سنين كثيرة أتلمس الأحداث، وأشعر بقربها وكأنها بالأمس. فهذه المسافة الزمنية الطويلة لم تمحُ ذكريات الصغر والولدنة، فبدأت أستعيد بوضوح شريط أيام مضت فيها كنا ولاد زغار".
موقع "الفن" إلتقى الكاتبة سعاد فريجي ديراني، وكان لنا معها هذا الحوار الشيّق.


كتابك "إيام كنا زغار" هو من الكتب النادرة التي تتوجه إلى الصغار والكبار في نفس الوقت، هو موسوعة رائعة فيه ثقافة ومعلومات غنية وذكريات جميلة، كم فرحتِ بردود الفعل عليه؟
كانت أصداء الكتاب جميلة جداً، وعلى الرغم من أني توقعت أن يستهوي الأولاد فقط، ولكن الكبار أحبوه أكثر، فالأولاد لا يعرفون كل الأشياء التي تحدثت عنها، ولكن الكبار أصبح لديهم حنين، وكثيرون منهم كانوا يقرأون ويبكون في الوقت نفسه. إتصلت بي سيدة قالت لي إنها ليست من الذين يقرأون كثيراً، ولكنها بدأت بقراءة الكتاب ولم تستطع أن تنام قبل أن تنتهي من قراءته، كما إتصلت بي طالبة كانت تحضر أطروحة للدكتوراه، قالت لي إنها كانت تبحث عن معلومات وجدتها في كتابي.

إسترجعتِ في كتابك الكثير من الذكريات، هل نسيتِ أمراً معيناً كنتِ تتمنين لو أضفته إلى الكتاب؟
كانت هناك أمور أخرى عن أبي كان عليّ ذكرها في الكتاب، فوالدي كان طبيباً جراحاً، وهو تخرّج في العام 1910 من جامعة AUB، وحينها لم يكن هناك سيارات، وكانوا يتنقلون على الخيول، وكان والدي يمتطي الخيل ويأخذ معه المعدات الطبية، وكان يصعد إلى الجرد أحياناً، ويجري عمليات جراحية كبيرة في البيوت، ومنها عمليات في الرأس وفي الرئة، وذلك على ضوء القنديل، من دون وجود ممرضة إلى جانبه أو مساعدين.

كم إستغرق الكتاب من الوقت لتحضيره؟
حوالى الثلاثة أو الأربعة أشهر للكتابة، ولكن مع تحضير الصور والمراجع، إستغرق حوالى السنتين، ولولا وقوف إبنتي رندا إلى جانبي، لما كنت فكرت بطباعة الكتاب. حين كتبت الكتاب كنت خضغت لعملية جراحية، وكان مطلوباً مني أن أبقى ثلاثة أشهر في الفراش، وأنا لا تستهويني الأشغال اليدوية، بل يستهويني الأدب والشعر، وهكذا بدأت أكتب.

لو عدتِ بالزمن، ما الأمر الذي ترغبين بالقيام به؟
كنت أرغب في أكون مهندسة زراعية، فأنا تربيت في بيت ضمن بستان كبير مساحته 18 ألف متراً، فيه كل أنواع الأشجار والخضار، وكان هناك نهر يجري فيه، كنا نلعب طوال الوقت في البستان، فأحببت الطبيعة كثيراً، وكنت أتمنى لو كانت لدي حديقة ودجاج وأرانب.

هل درّستِ اللغة العربية؟ وكيف ترين إهتمام الجيل الجديد بهذه اللغة؟
أنا لم أدرّس اللغة العربية، درّست اللغة الإنكليزية ومادة الرياضيات، وأحفادي من الجيل الجديد ويقولون لي إنهم لم يستعملوا اللغة العربية، ربما المحامون فقط يستعملون لغتنا، عدا عن الإختصاصات التي تتطلب دراسة اللغة العربية، ولكن حتى إذا تشاهد الإعلانات على التلفزيون أغلبها أصبحت باللغات الأجنبية.

إلى أي مدى الجيل الجديد مهتم بالقراءة ويحمل كتاباً ويقرأ؟
أولاد إبني يقرأون كثيراً باللغة الفرنسية أو باللغة الإنكليزية، ولكنهم يجدون صعوبة في قراءة اللغة العربية، ومنهم حفيدي الذي يتخصص في نيويورك، وحفيدتي التي أنهت علومها وهي تعمل في باريس، حتى أحفادي الذين يعيشون في لبنان لا يستعملون اللغة العربية. نحن في لبنان مجبورون على أن نتقن اللغات الأجنبية، لأنه في التخصصات العالية، إن كانت طب أو هندسة أو غيرهما، لا يستعملون اللغة العربية في التدريس، فكتب التدريس باللغة العربية غير مرغوب فيها كثيراً.

كيف ترين مستقبل الجيل الجديد الذي ينشأ على التكنولوجيا ومواقع التواصل الإجتماعي؟
هذا الأمر يزعجني، فكل الوقت يجلسون وكل واحد منهم يحمل بيده هاتفاً خلوياً، لم يعد أحد يتكلم مع الآخر، وإن سألتهم سؤالاً، يرسمون بيدهم إشارة بمعنى "إنتظري قليلاً"، أظن أن هناك ضغطاً كبيراً على الجيل الجديد، نحن أيامنا كانت أسهل، فهم عليهم ضغط لناحية الدروس، إذ إن العلم يتقدم، وهناك إختبارات جديدة وأمور جديدة، ويجب عليهم أن يعرفوها كلها، والظروف غير مستقرة في لبنان والأوضاع سيئة.

كم تشجعتِ على تحضير كتاب ثانٍ بعد هذا الكتاب؟
كثيرون شجعوني، ولكني لم أفكر بوضع كتاب ثانٍ، فهذا الكتاب كان "رمية من غير رامٍ"، وأنا سعيدة به لأن الناس الذين قرأوه فرحوا به، الحمد لله.

في الصفحة 100 من كتابك تقولين "أرى الحياة مزيجاً من الفرح والحزن والألم... غير أننا لا نفقد الرجاء، ونتطلع إلى المستقبل بتفاؤل وإيمان، وهذا يعطينا الأمل"، من أين سيأتي الأمل في ظل كل الأوضاع السيئة التي نعاني منها في لبنان؟
لبنان يمر بفترة صعبة جداً، ولكن إيماننا بالله يعطينا الأمل، إذا لم يكن لدينا إيمان بالله لا يكون لدينا أمل، نحن أولاد الرجاء، فلدينا رجاء وإيمان، وهو قال لنا :"فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ"، وقال لنا إنه لن يتركنا يتامى، لذلك علينا أن نؤمن، صحيح أننا نضعف أحياناً، ولكنه يقبلنا مثلما نحن.

أخيراً، كيف نحصل على الكتاب؟
الكتاب متوفر في مكتبة أنطوان، وفي المكتبة الشرقية في الأشرفية، ويمكن للقراء طلبه عبر التواصل مع إبنتي رندا على رقم الخلوي 009613758901.