ينتمي الفنان اللبنانيسمير حناإلى رعيل الفنانين، الذين ساهموا في إيصال الأغنية اللبنانية إلى مختلف الدول، ومن بينهم هدى، إيلي شويري، جوزيف ناصيف، جوزيف عازار، طوني حنا، عصام رجي، سمير يزبك، مروان محفوظ، رجا بدر ورونزا.


لمع منذ الثمانينيات باللون الجبلي، وفي رصيده أكثر من مئة أغنية تميّزت بين الرومانسية والجبلية، فتارة هي أغاني العشاق التي ترافقهم في ليالي العشق والإشتياق، وتارة أخرى هي أغاني العنفوان الوطني، التي تتشابك الأيادي على ألحانها في حلقات الدبكة.

من المحاسبة الى الغناء
ولدسمير حناعام 1946، في قرية كرخا قضاء جزين في جنوب لبنان، ومنذ طفولته كان متعلقاً بقريته والأرض والتراث، وهذا ما كان واضحاً في أغنياته، مع أنه حاز إجازة في الدراسة المصرفية، وعمل لفترة معيّنة في أحد البنوك.
بدأ مشواره الفني مغنياً في الرحلات ومرنماً، ضمن جوقة الكنيسة في عين الرمانة، وتأثر بالراحل الكبير وديع الصافي، وعمل في المحاسبة قبل إحترافه الغناء، لكن الصدفة حملته للقاء الصحافي الراحل، مؤسس دار الصياد سعيد فريحة، الذي سمعه يغني في أحد المطاعم، فطلب منه الإستمرار في الغناء، ودعاه إلى المشاركة في إحياء الحفل السنوي للدار، وهناك إلتقى بالراحلة الشحرورة صباح، التي قررت دعمه، ليشاركها مجموعة من الحفلات بين لبنان ودول الإغتراب.

إنتماؤه الى مدرسة وديع الصافي
ينتمي سمير حنا الى المدرسة الرائدة في الغناء اللبناني الأصيل، أي مدرسة الفنان الكبير الراحل وديع الصافي.
وقال في مقابلة صحفية: "قطعاً، أنتمي الى الأغنية اللبنانية الأصيلة، والذين يحاولون تشويه هوية الأغنية اللبنانية هم أساؤوا للوطن قبل النغم والكلمات، وبالمناسبة قد آن لنا جميعاً أن نعود الى الأصالة والتراث لهذا الوطن بعد غربة طويلة سببها الدخلاء على محراب الفن الأصيل. لذلك أستشهد بالموسيقار الكبير ملحم بركات، الذي تعجبني مواقفه في الدفاع عن مستوى الأغنية اللبنانية".

مسيرته الفنية
في أرشيفسمير حناالفني أكثر من مئة أغنية، ومنها: "يا منديلا الطاير"، "الليلة الليلة يا ويلي"، "يا إمي خلصت دروسي"، "يا قمر لو رحت بعيد"، "يللي مش عارف إسمك"، "قالولي عنك دلوعة"، "قالولي كتبوا كتابا"، "لبسنا شراويل جدودنا"، إضافة إلى "معليش الله يسامحك" من أعمال الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، و"خصرك لما مال" من أعمال الفنان اللبناني إيلي شويري.
وقد حقق نجاحاً بعد إتجاهه للأغنية اللبنانية الخفيفة، المعروفة بالطرب الشعبي، وشهد عزّ نجاحه وتألقه الفني في فترة الثمانينيات، وخصوصاً في أغنية "الليلة الليلة يا ويلي"، التي تحولت إلى أغنية خاصة بمناسبات الزواج والأفراح، وذلك قبيل إرتباطه بالممثلة اللبنانية هلا عون، وإنجابه منها إبنتهما الوحيدة "ماريا".
إعتبر سمير حنا أغنية "معليش الله يسامحك" للموسيقار إلياس الرحباني من الأغنيات الأقرب إليه، لأنّه غناها إثر تجربة مرّ بها، وأثّرت به كثيراً، وكان يظهر عليه التأثر في مقابلاته التلفزيونية في كل مرّة يؤدي فيها الأغنية. لطالما عبّر عن فخره بالتعاون الطويل مع الرحباني، الذي قدّم له أكثر من 17 لحناً، منها "يلي مش عارف إسمك"، "كنت حبك"، "ما زال بحب ربينا"..
وقال في مقابلة مع موقع "الفن" :"بعد النجاح الذي حققته بفضل جهودي وإيماني وما أملكه من مواهب فنية، تعرفت الى الموسيقي إلياس الرحباني الذي راح بدوره يشجعني إيماناً منه بأنني أملك خامة صوتية، فقدم لي مجمومة من ألحانه التي بلغت 17 لحناً. ويوم تعرفت على الموسيقار عاصي الرحباني أهداني قصيدة (معليش الله يسامحك)".

طلاقه من هلا عون وغربته
عاش سمير حنا قصة حب مع الممثلة اللبنانية هلا عون تكللت بالزواج، لكن وقعت بينهما خلافات فإنفصلا، وأنجبت منه ماريا، التي حُرم من رؤيتها ولم يسمع صوتها أو يشاهدها، بعد طلاقه من هلا.
يتكلم دائماً بتأثر عن إبنته، لاسيّما أنه كان يعلم عنها كل شيء، ويقول: "طبيبة رائعة الجمال".
بعد طلاقه من هلا، غادر بيروت متجهاً إلى القارة الأميركية، وعمل لوقت طويل في كندا، ودول أميركا اللاتينية، ثم في أستراليا مقر إقامة طليقته، وهذا ما أبعده عن لبنان. وكان دائماً يجري التمارين لصوته، ويحيي المهرجانات الغنائية للجالية اللبنانية والمغتربين.
ومن أصعب القرارات التي إتّخذها في حياته كان سفره إلى البرازيل. وقد أكّد في جميع لقاءاته الصحفية والتلفزيونية أن الحروب التي توالت على لبنان، دفعته إلى إتخاذ هذا القرار القسري، غير أنه لم يستطع أن يجعل إبتعاده عن جذوره طويلاً، فعاد بعد غياب طويل إلى مرجعه الأول والأخير لبنان.
وقالسمير حنافي مقابلة صحفية: "دفعتُ ثمناً كبيراً في الغربة، خصوصاً أن الناس نسوا شكلي، رغم أن معظمهم لا يزال يردّد أغنياتي. إلاّ أن الجيل الحالي لا يعرفني، وهذا ما يؤلمني، لأن الفن الذي قدّمته والذي عدت من أجله، ليس على مسمع الجميع".

قلبه كان على لبنان قبل رحيله
قلبه كان على لبنان وعلى اللبنانيين، وهو ما عبّر عنه في المنشور الأخير الذي كتبه في 26 حزيران/يونيو عام 2020، قائلاً: "مساء المحبة للجميع. انشالله تكونوا بخير بهالأوضاع من كورونا لاوضاع مؤسفة بهالدنيا. بحب اتطمن عنكم من وقت للتاني انتو حبايبي ومحبيني، وان شاء الله الخير والسلام والاوضاع ترجع احسن من ما كانت".
توفيسمير حنايوم 5 أيلول/سبتمبر عام 2020، عن عمر ناهز الـ74 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وشيّعت جنازته بمنطقته كرخا في جزين، بحضور أهل المنطقة والمقربين وبغياب أهل الفن، بإستثناء الشاعر اللبناني ميشال جحا والملحن اللبناني جورج نصورة، الذي قّدم للفنان الراحل أولى أغنياته.
وستبقى أغنياته مصدراً للحنين، إلى أجمل الذكريات وإلى كل ما هو جميل عن لبنان.