في الجزء الثاني من قصة حياة تشي غيفارا، نسلّط الضوء على الرسالة التي كشفها فيديل كاسترو، والتي كتبها غيفارا قبل إختفائه، ومرحلة تحضيره للثورة في بوليفيا، ولاحقاً إلقاء القبض عليه وإعدامه هناك، بالإضافة الى حياته الخاصة وعلاقته بالنساء، وقصة صورته التي أصبحت أيقونة الثورة حول العالم.


رسالة تشي غيفارا الى فيديل كاسترو
قل ظهور تشي غيفارا في الحياة العامة عام 1965، ومن ثم إختفى تماما. ونسب إختفاؤه إلى فشل خطة التصنيع حين كان وزيراً للصناعة، وإلى الضغوط التي كانت تمارس على كاسترو من قبل المسؤولين السوفييت الرافضين لسياسة غيفارا الموالية للصين بزعامة ماو تسي تونغ، وإيمانه بأن الثورة يجب أن تنطلق من الجبال والأرياف، ثم بعد ذلك إلى المدن، وربما بدأ كاسترو يأخذ حذره من تزايد شعبية تشي غيفارا، وإعتبره تهديداً محتملاً.
وبعد تعرض فيديل كاسترو لضغوط دولية بشأن مصير تشي غيفارا، كشف كاسترو عن رسالة غير مؤرخة منسوبة إلى تشي مرسلة من عدة أشهر، أشار فيها إلى تضامنه الدائم مع الثورة الكوبية، ولكنه أعلن عن نيته في مغادرة كوبا للقتال من أجل القضايا الثورية في الخارج، إضافة إلى ذلك فإنه إستقال من جميع مناصبه في الحكومة والحزب، وتخلى عن الجنسية الكوبية الفخرية، وظلت تحركاته محاطة بالسرية لسنتين كاملتين.
قرر تشي غيفارا المغادرة إلى أفريقيا عام 1965، ليقدم علمه وخبرته بوصفه خبيراً في حرب العصابات إلى الصراع الجاري في الكونغو.
وفي "يوميات الكونغو" التي كتبها تشي غيفارا، يذكر عدم الكفاءة والتعنت والصراع الداخلي بين القوات الكونغولية المحلية، التي أفشلت الثورة.
وما لبث أن غادر الكونغو بسبب مرضه بالزحار ومعاناته من الربو الحاد، وسبعة أشهر من خيبة الأمل والإحباط والفشل.
كان تشي غيفارا متردداً بشأن العودة إلى كوبا، لأن كاسترو نشر رسالته للجمهور، والتي كانت "رسالة وداع"، وكان يجب نشرها فقط في حالة وفاته، ونتيجة لهذه الرسالة، أمضى تشي غيفارا الأشهر المقبلة في الخفاء في دار السلام في موزمبيق، ثم زار عدة بلدان في أوروبا الشرقية.

ثورة تشي غيفارا البوليفية وإعدامه
عندما عاد تشي غيفارا إلى هافانا، عقد إجتماعات سرية مع صديقه فيديل كاسترو لمناقشة موضوع بوليفيا، إستعداداً لمهمة جديدة فيها، وبالرغم من أن كاسترو كان يحذّر تشي غيفارا من هذه العملية، بسبب قوة المخابرات البوليفية، إلا أن غيفارا أصرّ على موقفه، فوصل إلى بوليفيا في 3 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1966، وبدأ يخطط لتجنيد الرفاق للبدء بالثورة البوليفية، ضد حكومة رينيه بارينتوس، لكن عدد الرفاق المجندين لم يتجاوز 21 ثوريّاً، 2 من بوليفيا و16 من كوبا و3 من البيرو، وكان حشد الفلاحين والمزارعين البوليفيين أصعب بكثير مما إعتقد غيفارا، فكانوا سلبيين لدرجة كبيرة ولم ينضموا إليه.
في المقابل زودت الولايات المتحدة الأميركية الجيش البوليفي بالأسلحة والعتاد والمستشارين العسكريين، وبعد حرب العصابات التي حصلت بين الطرفين وقع تشي غيفارا مع إثنين من رفاقه في كمين للجيش البوليفي في بلدة لاهيغيرا في 9 تشرين الأول/أكتوبر عام 1967، وإستُدعي العقيد البوليفي، الذي يعمل لصالح الإستخبارات المركزية على الفور بطائرة هيلوكوبتر، ليقرر إعدام غيفارا بالرصاص، فطلب الضابط المسؤول من الشخص المكلّف بذلك بإطلاق الرصاص على غيفارا، وعندما رآه تشي خاطبه قائلاً: أعلم أنك هنا لقتلي، أطلق النار أيها الجبان، فأنت لن تقوم بشيء سوى قتل رجل واحد".
وعندما أطلق هذا الجندي البوليفي النار على غيفارا، كان يلعب دوراً مهماً في صنع أسطورة تاريخية، وهو لا يعلم ذلك.
دُفنت جثته في مكان سري من قبل الجيش البوليفي، حتى لا يتمّ إستقطاب الثوار في جميع أنحاء العالم لزيارة قبره، ولكن في عام 1997 تم إكتشاف رفاته من قبل خبراء كوبيين بمدينة فاليغراند في بوليفيا، ليتم نقلها وإعادة دفنها بمدينة سانتا كلارا في كوبا.
تقول إحدى الممرضات، اللاتي كن آخر من رأى جثته بعد إعدامه، وتدعى سوزانا أوسيناغا: "ما أصابنا بالصدمة، نحن الممرضات، كان عينيه المفتوحتين. كان شعره طويلاً ولحيته مرسلة.. كان يشبه المسيح.. كنا نقلبه على جنب، فتنظر عيناه إلينا، ونقلبه على جنب آخر، وتظل عيناه مثبتتين علينا. كان ذلك صادماً لنا".

المرأة في حياة تشي غيفارا
كان تشي غيفارا يجذب النساء، لكنه كان يحب النساء العاديات. زوجته الأولى هيلدا غاديا لم تكن بجمال بريجيت باردو، وبفضلها تعرف على فيديل كاسترو. أما زوجته الثانية آليدا مارتش فكانت أهم إمرأة في حياته، وقد أنجب منها 4 أولاد، ومنهم أليدا، التي حذت حذو أبيها ودرست الطب وإتبعت الفكر الماركسي، وإعتبرت أبيها مصدر إلهامها، معجبةً بقدرته على التضحية بنفسه من أجل الأخرين، وبالرغم من أن عمرها كان سبع سنوات عندما أُعدم أبيها في بوليفيا، إلا أنها لا تنسى ذكرياتها معه، ولا زالت تعيش في كوبا، ضمن أسرة مؤلفة من زوجها وولديها إستيفانيا وسيليا.

من أقوال تشي غيفارا
أنا لست محرّراً، المحررون لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرّر نفسها.
إنّني أحسّ على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
لا يهمّني أين ومتى سأموت بقدر ما يهمّني أن يبقى الوطن.
الثوّار يملؤون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء.
إنّ الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق.
لن يكون لدينا ما نحيا من أجله إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله.

الكتب التي أصدرها
حرب العصابات
الإنسان والاشتراكية في كوبا
ذكريات الحرب الثورية الكوبية
الأسفار تكون الشباب … والوعي!
الإنسان الجديد
لم أنس

الصورة التي أصبحت أسطورة
الصورة الأبدية الشابة للشخصية الثورية تشي غيفارا، والتي أطلق المصوّر ألبيرتو كوردا عليها إسم "الثائر البطولي"، وتُعد هذه الصورة أكثر الصور الفوتوغرافية إنتشاراً في تاريخ التصوير الفوتوغرافي، لما ترمز إليه من قدرة فائقة على البقاء كرمزٍ على الثورة والتمرّد الشبابي.
التقط كوردا هذه الصورة لغيفارا بهافانا في كوبا، في 5 آذار/مارس عام 1960، عندما ظهر غيفارا وهو في عمر الحادية والثلاثين في مهرجان خطابي لرثاء عشرات الكوبيين، الذين سقطوا بإنفجار باخرة فرنسيّة، بتدبير أميركي، في ميناء هافانا وكانت مُحمَّلة بمتفجرات أرادت الحكومة الكوبيّة تزويدها للثوّار في بوليفيا، إلا أن الصورة لم تجد طريقها إلى عالم النشر، إلاّ بعد مضي سبع سنوات على إلتقاطها.
أدرك كوردا قيمة تلك الصورة، لذلك إحتفظ بها على جدار منزله حتى عام 1967، إذ كانت لديه صورتان للقطة ذاتها، إلاّ أنه فضّل الصورة العرضيّة على الصورة الطوليّة، بسبب جزء من رأس أحد الحضور في المهرجان الخطابي، الذي إلتقط فيه هذه الصورة، وظهر خلف كتف تشي، ولم يتمكن كوردا من محوه بالتقنيات المتوفرة في تلك الأيام.

شقيقه يصدر كتاب "أخي تشي"
تحدث خوان مارتن غيفارا، شقيق تشي غيفارا، في كتاب أصدره عام 2016، أن أخيه كان يتمتع بحس الفكاهة وهذه سمة عائلية. عندما كان لديه هدف كان يعمل على تحقيقه حتى النهاية. كان صاحب رؤية وفكر عميق. الإرث الذي تركه للشباب هو فكره وأخلاقه وتحركه وشجاعته، لقد بقي أرجنتينياً في العمق وكان يحب اللحم المشوي".
ويؤكد أنه "لم يقصدوا تصفية تشي جسدياً فحسب، بل القضاء على كل شيء له صلة به، حتى لا يكون له قبر، وتصفية صورته وإغتيال أفكاره".

حياته في الكتب والأفلام والمسرحيات
لا تزال حياة تشي غيفارا موضع إهتمام الكثيرين في العالم، يتم إعادة إستكشافها وتصويرها في العديد من الكتب والأفلام والمسرحيات، بما في ذلك فيلم (Che Guevara)، الذي يتحدث عن حياته من بطولة الممثل بينيشيو ديل تورو، وإخراج ستيفن سودربرغ، بجزأيه الأول والثاني، والذي أنتج في عام 2008، وأيضاً فيلم (Motorcycle Diaries)، الذي يتحدث عن رحلة غيفارا مع صديقه ألبيرتو غرانادو عبر أميركا اللاتينية، وبداية طريقه الثوري، من بطولة غايل غارسيا برنال ورودريغو دي لا سيرنا، وإخراج والتر ساليس.
وعُرضت مسرحية غنائية "تشي غيفارا" في لبنان، تناولت حياته ودوره في الثورة الكوبية، من تأليف وتلحين وإخراج فريد وماهر الصباغ، ومن بطولة عمار شلق، كارمن لبس، بيار داغر، نبيل أبو مراد، بطرس فرح، بيار جامجيان، وقد شارك غناءً وتمثيلاً في المسرحية الأخوين فريد وماهر الصباغ.
وتم إختيار هذه المسرحية من أصل 7 بلدان في العالم، في الفيلم الوثائقي العالمي "Personal Che".
وتلقى فريد وماهر الصباغ العديد من التهاني على هذه المسرحية، وأهمها من فيديل كاسترو والفنان زياد الرحباني.
ورثاه الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم في قصيدة "غيفارا مات"، والتي لحّنها الشيخ إمام. كما إشتهرت أغنية "Hasta Siempre"، التي كتبها المؤلف الكوبي كارلوس بويبلا عام 1965، وغّناها العديد من الفنانين ومنهم "Nathalie Cardone"، وهي كانت رد على رسالة وداع تشي غيفارا عندما غادر كوبا، من أجل تعزيز الثورة في الكونغو، ولاحقاً بوليفيا حيث تم القبض عليه وإعدامه.