أقامت عائلة الراحل الفنان مروان محفوظ قداساً وجنازاً لراحة نفسه في كنيسة مار شربل المارونية في اوتاوا – كندا – ترأسه راعي ابرشية الموارنة سيادة المطران بول مروان تابت، عاونه لفيف من الكهنة، بحضور سعادة سفير لبنان في كندا فادي زيادة، عائلة الفقيد وممثلين عن الجمعيات والاحزاب اللبنانية ومحبي الراحل.

محفوظ:

بداية تقدم محفوظ بكلمة عزى بها ابناء الوطن بمصابهم جراء الكارثة التي حلت عليهم وعلى كل لبنانيي المهجرـ آملاً الشفاء العاجل للجرحى والمصابين.

وفي كلمته تحدث محفوظ عن مروان الوالد المتواضع المحب للثقافة والمطالعة داعياً الجميع الاحتفال بحياة الراحل المقبلة حيث الراحة الابدية ومما قاله: أبدأ بالشكر باسم العائلة لسيادة المطران بول مروان تابت وخادم رعية مار شربل المارونية الاب هنري عماد.

كما شكر سعادة سفير لبنان فادي زيادة كل الاحزاب والجمعيات اللبنانية المشاركة، الاهل الاصحاب وكل المشاركين معنا في الصلاة عن روح الوالد

مروان محفوظ عرفتموه كفنان من خلال اعماله، اما انا اليوم ساتكلم عنه كأب سهر على تربيتنا وعاشرناه كصديق:

لقد علمنا العطاء، فكان يساعد جميع من يقصده بصمت وبدون ضجيج، وعندما كان يخبرنا عن عمل خير كان هدفه ان يعلمنا العطاء والكرم،رخمة الله عليه لم يكن المال يعني له شيئاً.

لقد علمنا التواضع كان متواضعا جداً كان دائماً يقول السنبلة الفارغة تبقى دائماً مرتفعة، بينما المثمرة هي التي تنحني...احب الناس وكان قريباً منهم ولم يتعالى يوماً على أحد

لقد علمنا حب الثقافة والمطالعة فكان يشتري الكتب القيمة ويفتش عن النادر منها، وكان وقت القراءة عنده مقدساً.

لقد احب فنه فكان يفتش على اللحن الجميل وعلى الكلمة الجميلة فينتج اغاني تعيش مع الزمن، وها هي اغانيه تردده الاجيال منذ ٥٠ عاماً مضت وسترددها في الاتي من الايام لسنين عديدة

لقد علمنا حب الوطن فكان يقول لبنان ارض وقف للله ما تخافو عليه وغنى وطنه بكل حب: "يا بلادي بشوف حالي فيكي وكل الغالي بهديكي، غالي غالي يا وطني الغالي، بعدك يا لبنان الاخضر ،سرقني الزمان ...والكثير من الاغاني الوطنية

لقد حقق الله امنيته بان يدفن في وطنه، فكان له ما اراد وقد رسم آخر صورة له بنفسه اذ اقام آخر حفلٍ له على مسرح الاوبرا بدمشق قبل ان يغادر هذه الدنيا الى دار الخلود....

أخيرًا أدعو الجميع بأن لا يحزنوا على موته وبدل أن نبكي موته فلنحتفل بحياته السابقة المملوءة سعادة وفرح وجمال ولنحتفل بحياته القادمة حيث سينعم بالحياة مع الله الى ما لا نهاية.

زيادة

وفي كلمته تقدم زيادة من اهل الفقيد ومن اهالي شهداء الكارثة التي حلت بلبنان باحر التعازي متمنياً الشفاء العاجل للجرحى آملاً عودة المفقودين بسلام، ومما قاله: "كانت الطريق طويلة والحمل ثقيل على السيارة التي تحمل نعش الراحل من دمشق إلى مثواه الأخير في مسقط راسه المريجات ... الحمل ثقيل لان النعش يحمل كبيراً من لبنان ولانه مليء بذكريات الزمن الجميل وكأن القدر شاء أن يمر الموكب بجانب قلعة بعلبك ليلقي النظرة الأخيرة على من غنى وصدح بصوته الذهبي على مسارحها وادراجها إلى جانب السيدة فيروز والراحلين صباح ووديع ونصري ..."

واضاف: "تعرفت على الراحل عن قرب السنة الماضية وطلبت منه أغنية ... فغنى احدى اغاني الراحل وديع الصافي. ولو طلبنا من مروان محفوظ اليوم ان يرنم لنا ترنيمة – وبالاذن من الكنيسة – لكان رنم لبيروت من قلبي سلام لبيروت ... وقبل للبحر والبيوت مجد من رماد لبيروت... أطفات مدينتي قنديلها ... أغلقت بابها أصبحت في المساء وحدها

وختم قائلاً: رحم الله مروان محفوظ وشهدائنا الابرار الذين سقطوا في بيروت والشفاء العاجل لجرحانا.

تابت

وفي عظته توجه تابت بالتعزية لذوي شهداء مجزرة المرفأ متمنياً الشفاء العاجل للمصابين تحدث تابت وسلامة المفقودين متوقفاً عند مزايا الراحل الانسانية واصفاً اياه بالفنان الثابت في الكرمة الحقيقية يسوع المسيح

ومما قاله: "نلتقي اليوم على أثر هول كارثة الأمس في لبنان والدمعة تبكي على الدمعة!

نلتقي اليوم محزونين على حزن أهلنا وإخوتنا وعيالنا وأقربائنا ومَن نعرفهم أم لا، والدمعة تبكي مع الدمعة. كلّنا نتألّم والسؤال هو: من أجل مَن؟ ومن أجل ماذا؟

ولكن يبقى الرجاء، رجاؤنا المسيحي الذي لا يُخِّيب، نصلّي معًا اليوم في وداع أحد الأحباء، الأستاذ مروان محفوظ.

أيها الأعزاء، يصير العمر نعمة مباركة إذا ما اقترن بالأعمال الصالحة والوفاء ومحبة الآخر. الحياة بالأساس هي فعل محبة الله لنا وحضوره في حياتنا يجعل العمر يزهر بركات تعكس ضياء وجهه المزروع فينا. يقول كاتب المزمور 112: "ذكرُ الصديق يكون مؤبداً"! بعد ان يتوقف الزمن و يعبر بنا قطار العمر الى الأبدية. ماذا يبقى منا وما الذي يدوم إلى الأبد... تبقى أعمالنا الخيِّرة والمرضية أمام الله الذي يرى وأمام الناس".

واضاف: في هذه المناسبة أتأمّل معكم حول نقطتين:

الحياة غفوةٌ في المجهول والموت يقظةٌ الى المطلق:

في هذه الحياة، نحن لا نعيش إلا اللحظة الحاضرة التي تمرّ سريعاً. لا نستطيع تغيير الماضي الذي عَبَر، ونجهل المستقبل الذي يبقى في علم الله، ولا نستطيع التحكّم به، وتبقى معرفتنا ناقصة. أما عندما نموت وندخل في عالم الله وهو صانع العوالم والأزمنة، نتخطّى الزمان والمكان، تصبح معرفتنا كاملة ومطلقة، لأن الله يشركنا في الألوهة.

يضع الموت إذن، بشكل جذري، على بساط البحث جميع المواقف التي تبدو وكأنها طبيعية، تلك المواقف التي اعتاد كل واحد منا أن يتّخذها في حياته اليومية فلا يمكن بعدها أن نتجاهله بل أن نتعلّم كيف نستعدّ له في مسيرة نموّنا الانساني.

لا يمكن أن يُمحى سرّ الحياة والموت من حياتنا، بل علينا أن نعيشه في الملء. إقتراب الموت أو مجرّد التفكير به في العمق، قد يحوّل الكائن البشري الى ما كان مدعواً له منذ الأزل، أن يحقّق إنسانيته. إن في الانسان جزءاً من الأزل، ينقله الموت من هذا العالم ليزرعه في عالم آخر، في الحياة الأبدية.

السماء، الحياة الأبديّة حبٌّ خلاق

يتكلّم يسوع عن السماوات وعن الكنز المُدَّخر في السماوات (متى 5/12)، ذلك لأنه يفكّر في الآب السماوي الذي يعلّم والذي "يرى في الخفية" (متى 6/16). وإن السماء هي حضور الآب غير المنظور والساهر الذي يصبح حقيقة حيّة بمجيء يسوع ليعلّم وليشهد بما رأى (يوحنا 3/11). أما نحن فموطننا السماوات ومنها ننتظر مجيء المخلّص.

سماؤنا المسيحية ليست مكاناً بل هي حالة، يقدّمها لنا يسوع على أنها وليمة يدعو اليها جميع البشر... أفضل طريقة للاحتفال.. الى حالة عيد..حيث نرى الله وجهاً لوجه.. فتكون الحياة الأبدية التي تتخطّى المعرفة الى كمال المحبة. "فما أحبّ أن يصل الانسان الى نهاية مسيرته فوق هذه الارض ليطلَّ منها على الأبدية في الثمانين أو التسعين... بعد أن ملأ سِجلّه بصالح الأعمال وراحة الضمير... هذا هو حال فقيدنا الاستاذ مروان.

وتابع قائلاً: "آمن وجاهد ليَثْبُتَ في الكرمة الحقيقية يسوع المسيح، فيُثمر في المواهب التي منحه الله إياها، وليكون وفيًا لأصوله المسيحية وأصوله العائلية في انفتاحٍ كامل على جميع الناس.

مروان أو نطوان محفوظ هو ابنُ بيت عريق من المريجات. تربّى على يد والدة فاضلة علّمته الاتكال على الله والثبات فيه؛ وعلى يد والدٍ يحبّ الناس ويخدمهم ويشاركهم همومهم.

درس الموسيقى وامتهن الفنّ فلَمع. حاول واستطاع أن يبقى وفيًا للتراث ومارس من خلال صوته « فعل إيمانٍ عميق بالإنسان وبلبنان، وحقق إنفتاحًا إنسانيًا واجتماعيًا على كل الناس وعلى جميع الفئات».

تعاهد مع شريكة العمر ليلى على عيش الإيمان وتربية عائلة مسيحية ملتزمة من خلال روبير وشادي.

عاش على قول المسيح "لا تدينو لئلا تدانوا"، لا يتكلم ولا يتدخل في ما لا شأن له به ولا يحكم على احد، مكتفياً بما لديه. لا يهمه ما لدى الاخرين. احب يسوع المعلّم وردد اسمه حتى النفس الاخير ...

كان محباً للعطاء والمساعدة بدون ضجيج ولا حبّ ظهور، عملاً بقول المعلم "ما تفعله يمينك لا تعلم به شمالك".

عشق العذراء مريم، وخصوصاً "سيدة ايليج" التي تعرّف عليها في سنواته الاخيرة فتكرّرت زياراته لها. وأنشد لها: "يا عدرا غطينا بشالك..."

كان مولعاً بتاريخ كنيستنا وجهاد آبائنا في جبالنا الشامخة، فأغنى مكتبته بهذا النوع من الكتب.

كان يحب الكنيسة ويعطيها بصمت وبدون أن يعرف أحد وهو المرتل :

“تِبقي طلي ع الديمان زوري البطرك والرهبان"....

كانت صلاته دائماً في الخفاء، وصدقاته في الخفاء وتضحياته في الخفاء لانه لم يكن يهتم إلا لأجر الرب فقط رحمةً لروحه.

وختم قائلاً: أختم برسالة يوحنا الاولى التي تلخّص سرّ حياتنا بعد هذه الحياة:"أيها الأحباء، نحن من الآن أولاد الله، ولم يتبيّن بعد بوضوح ماذا سنكون، غير أننا نعلم أنّا، إذا ما ظهر، سنكون أمثاله، لأنّا سنعاينه كما هو" (1 يوحنا 3/2). لا نستطيع أن نُعرِّف الله إلا بأنّه "الكامل": إنه الحبّ. بما أنه خلق الانسان لكي يحبّه ويبادله الانسان الحب، لا يمكن أن يعيده الى العدم بعد إقامته "القصيرة" على الارض حيث سنكون مغمورين بحنان أولئك الذين أحببناهم، والذين ساعدناهم، وسنكون مغمورين أيضاً بحبّ الرب الذي خلقنا عن حب ومن أجل الحب.

وفيما نحتفل نحن بالصلاة لأجل أخينا مروان في دخوله مجدَ القيامة، ونحن قياميّون، يرافقنا هو من سمائه ويسأل الله أن يبارك عائلته وأحباءه كي تبقى خميرة صالحة تربّي على الإيمان والقيم المسيحية والإنسانية والوفاء للبنان، الوطن الرسالة.

إننا نتقدم بتعازينا الحارة والقلبية، بإسمكم جميعًا، من عائلته وخصوصاً روبير وشادي

وكُلُّنا رجاء أننا جميعًا سنلتقي بمن نحب في الأخدار السماوية...

آمين.