في صورة مشعة تلألأت متوهجة من سماء مدينة الشمس مدينة التاريخ، الشاهد والصامد، والعراقة الممزوجة بالحضارات، من هناك تفجرت الموسيقى في لوحة تجلت فيها معالم الامل والحياة والأنغام الساحرة.


في صورة مضيئة كسرت ضبابية الوضع المعيشي القاتم والاقتصادي، دوّت الموسيقى من معبد باخوس في حفل فني حمل عنوان "صوت الصمود" إحياء للذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير ومرور 250 عاماً على ولادة بيتهوفن، وذلك من دون جمهور بسبب فيروس كورونا، ونقلت الحفل الشاشات اللبنانية.
عازفون وعازفات أوركسترا ومايسترو وجوقات وروعة في العزف قاربت السماء ابتهاجا، واضاءة بهيّة أنارت المعبد والقلعة، وإخراج جسّد العمل بفخامة قل نظيرها في لبنان والعالم العربي وُثق فيه الزمان والمكان في مشهدية مبهرة للعين والاذن.
كورال الانطونية غنى بشكل جميل جداً سواء على ألحان الأخوين رحباني أو ألحان بيتهوفن، وإنها ليست المرة الاولى التي يطلون فيها مباشرة من على أدراج بعلبك، بل تواجدوا مباشرة في السابق في "من أيام صلاح الدين" تأليف وتلحين الأخوين صباغ.
ليس بمستغرب على المايسترو هاروت فازليان ان يضبط إيقاع فرقة موسيقية عزفت للأمل، للحب، للشعب الغارق في همومه، للوطن المعذب، للأرز الشامخ، للضيق الاقتصادي ولطائر الفينيق، مع العلم أنه قاد أوركسترا مباشرةً في مسرحية "من أيام صلاح الدين" تأليف وتلحين الأخوين صباغ بعد انقطاع بعلبك 55 عاماً عن المباشر، هنا نذكر أن الاخوين صباغ كانا أول من شجع الموسيقى المباشرة من بعلبك.
كما ليس بمستغرب على المخرج باسم كريستو هذا الابداع في الإخراج، فقد وثق الحدث بصورة ساحرة نقلتنا إلى تلك الحقبة الزمنية التي إختصرت مسيرة مهرجان حافلة على مر السنوات.
وهنا لا بد من التوقف عند حضور الممثل القدير رفيق علي أحمد الذي قدم نصاً للأديب جبران خليل جبران على وقع موسيقى بشارة الخوري، ومضمون النص عن المحبة والدعوة.
هذا الحفل الذي أخرج مواقع التواصل الاجتماعي من قمقم السوداوية والاهانات والارتهانات إلى متسع الفرح، قلب بلحظة المزاج العام من سلبي إلى إيجابي منفتح، فتعالت الأصوات التي أشادت بهذا الحفل من إعلاميين وفنانين ومثقفين ومفكرين.
لكن العتب على قدر المحبة، فحينما عرضوا على شاشة كبيرة أعمال بعلبك القديمة، غيّبوا عمل "من ايام صلاح الدين" بطولة عاصي الحلاني وكارين رميا، تأليف وتلحين الأخوين صباغ عام 2011، كما غيّبوا عمل جورج خباز "إلا إذا"، وذُكرت الصبوحة بلمحة جداً قصيرة، وغيّبوا أيضاً الموسيقار ملحم بركات، في الوقت الذي إستذكروا فيه "مشروع ليلى" الذي تُطرح حوله الكثير من علامات الاستفهام.
ولكن على الرغم من أنهم غيّبوا هذه الأسماء، إلا أن التاريخ لن ينساها وسيذكرها في صفحاته بكل فخر.
دور البطولة كان لإبن هاروت فازليان برج فازليان الذي عزف على الدرامز، وممكن أن يكون هذا المهرجان إنطلاقة له في عالم الموسيقى.
وقد أشعرنا هذا المهرجان بحنين كبير لصوت فيروز، الذي هو بمثابة سكرة الله بمجد المحبة.
كما إشتقنا للجمهور الكبير الذي يعزز هذه المهرجانات الوطنية، وشكراً للإعلام الذي نقل هذا المهرجان وللمتحف الوطني اللبناني في بدارو الذي بث الحدث على واجهته.
وللمرة الاولى توحد الإعلام على عمل لبناني وأنسانا الخلافات السياسية.
هذا الحدث يُظهر للمرة المليون أننا شعب نتوق إلى الفرح، إلى حب الحياة رغم كل الوضع المأساوي، والأهم أننا شعب لا نستحق على الاطلاق ما آلت إليه الأوضاع في لبنان.