ولد المخرج المصري عاطف الطيب يوم 26 كانون الأول/ديسمبر عام 1947، في جزيرة تسمى الشورانية جنوب محافظة سوهاج بصعيد مصر، وهذا يقتضي ركوب مركب للذهاب للمدرسة، ثم نزحت أسرته إلى القاهرة بحثاً عن الرزق، وتزامن تاريخ ميلاده مع حركة الضباط الأحرار، التي تحولت لاحقاً إلى ثورة شعبية.
والده كان يملك محلاً لبيع الألبان في حي الدقي، المجاور للحيّ الشعبي العريق بولاق الدكرور، الذي إستقرت الأسرة فيه وأمضى طفولته هناك، وهي المنطقة التي تعطي الصورة الحقيقية عن الشعب المصري.
تخرج عام 1970 من المعهد العالي للسينما، قسم الإخراج، قبل أشهر قليلة من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بعد أن كان قد بدأ دراسته السينمائية قبل أشهر أيضاً من النكسة عام 1967، لتشهد فترة دراسته للسينما إنهياراً للمشروع الناصري، الذي تربّى على أفكاره وحلم به جيل عاطف كله.

بداياته من الجيش إلى الإخراج

كان عاطف الطيب بين فرق الجيش المصري في الفترة من 1971 حتى 1975، والتي شهدت حرب أكتوبر عام 1973، وخلال هذه الفترة أخرج فيلماً قصيراً هو "جريدة الصباح" عام 1972، من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة، وشارك في فيلمين مع مدحت بكير، هما "ثلاثة وجوه للحب" عام 1969، و"دعوة للحياة" عام 1973. بعد ذلك أنتج فيلمه التسجيلي الثاني "مقايضة" عام 1978، بعد إنتهاء مدة التجنيد بثلاث سنوات، حين منحه المخرج شادي عبد السلام فرصة إخراجه عن وحدة الأفلام التجريبية، التي كان يترأسها في المركز القومي للسينما.

عمل أثناء الدراسة مساعد مُخرج

في نهاية السبعينيات ترك التحوّل الحاد ّوالمفاجئ في نمط الإقتصاد المصري، إلى نظام الإنفتاح الإقتصادي الكامل، أثره على بقية النظام الإجتماعي، وشغل عقل عاطف الطيب ووعيه في معظم أفلامه.
لقد كان لديه أرق دائم من قهر السلطة على الإنسان المصري، وهذا تجده في أغلب أفلامه.
شهد عاطف الطيب تحوّلات سياسية سريعة في فترة شبابه ونضجه السينمائي، من أيام جمال عبد الناصر إلى إغتيال محمد أنور السادات، وصعود محمد حسني مبارك والتشدد الأمني آنذلك، ولكن لم تكن معركته مع الوزارات، كانت معركته الحقيقة مع المواطن الذي ينبغي أن يتحرك، فلم يكن يريد الصدام كي تخرج أفكاره من هذه القيود، قدم أفلاماً إنتقادية للواقع السياسي والمعيشي بجرأة، لحث المواطن على عدم الرضوخ لوضعه المتردي.
عمل كمساعد مخرج، لمدة سبع سنوات، مع أبرز المخرجين الغربيين والمصريين، ومنهم شادي عبد السلام في فيلم "جيوش الشمس" 1973، يوسف شاهين في فيلم "إسكندرية ليه" 1979، ومع المخرج محمد شبل في فيلم "أنياب" عام 1981.


حقبة الثمانينيات وسينما المقاولات

راجت في هذه الحقبة ما سمّي بـ سينما المقاولات أو الأفلام التجارية ، لكن عاطف الطيب لم ينخرط في مثل هذه النوع من الأفلام، إنما عمل مساعد مخرج في الأفلام الأجنبية، التي تصور في مصر، بالإضافة إلى عمله مساعد مخرج مع يوسف شاهين.
قدّم 21 فيلما في 15 عاماً فقط، منها الغيرة القاتلة وسوّاق الأوتوبيس والتخشيبة والزمّار والبريء وملف الآداب وضد الحكومة. وهي نسبة كبيرة مقارنة بأبناء جيله من المخرجين، وكان في كل فيلم يضع بعضاً من روحه ونفسه وأفكاره ليصنع فيلماً بالمواصفات الخاصة، مثل بصمة الإصبع فريدة وغير متكررة.
شكل مع السيناريست بشير الديك ثنائياً متناغماً، لدرجة أنه حين كانا يبتعدان عن العمل سوياً، فهذا كان يغيّر مزاج الطيب بشكل كلي.

مخرج الغلابة

إستطاع عاطف الطيب أن يجمع بين إعجاب النقّاد السينمائيين والنجاح الجماهيري اللافت، وكان يهتم بالجمهور البسيط؛ الجمهور الشعبي، ونقل تفاصيل حياة المواطن المصري العادي الكادح في يومياته مما أفضى إلى تلقيبه بـ "مخرج الغلابة"، وكان عرّاب السينما الواقعية.
كان يهتم بالممثل ويمنحه الكثير من الحرية ويعوّل عليه، كما أن الممثل عنده لديه أسرة ويروي تفاصيل علاقة أفرادها ببعضهم البعض، تم إنتقاده بأن أفلامه كانت تقنياتها ليست بالمستوى المطلوب، وأن هذا هو السبب لعدم حصوله على جوائز كثيرة، لكنه كان يركز أكثر على الصورة والتعبير عن اللحظة.
ومن أبرز أفلامه "أبناء وقتله وضربة معلم وكتيبة الإعدام والدنيا على جناح يمامة والهروب وإنذار بالطاعة وكشف المستور، وجبر الخواطر، وليلة ساخنة"، كما كانت له تجربتان في إخراج الكليبات، وهما أغنية كتبتلك للفنانة لطيفة التونسية، وأغنية شنطة سفر للفنانة المصرية أنغام.


إتهامه ونور الشريف بالخيانة العظمى

على إثر فيلمه "ناجي العلي"، إتُهم عاطف الطيب بالخيانة العظمى وكذلك الممثل نور الشريف والسيناريست بشير الديك، فقد تسبب الفيلم بأزمة أدت إلى إيقاف عرضه لفترة، وهاجمهم الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم سعدة، واصفاً إياهم بالخونة ممن باعوا الوطن بحفنة من الدولارات، لتقديم هذا الفيلم.
جسد نور الشريف شخصية ناجي العلي، رسام كاريكاتير الفلسطيني الذي كان أحد الرسامين الذين هاجموا مصر بضراوة، وقت توقيعها إتفاقية كامب ديفيد، وقد وصلت أصداء الفيلم إلى الرئيس المصري في حينها محمد حسني مبارك وقدم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خصيصاً لمصر من أجل الموضوع، فكلّف مبارك أسامة الباز بأن يطلب من الرئيس الفلسطيني المعروف بكرهه لـ ناجي العلي، بأن يشاهد الفيلم ويبدي فيه إذا كان يخدم الفيلم إسرائيل ويهاجم عرفات، وإذا كان في مضمونه هجوم على مصر أم لا ؟ ولما نفّذ أسامة الباز ما تم تكليفه به قال "إن الفيلم ليس به شيء"، وبذلك انصف الباز صناع الفيلم وأبعد عنهم التهمة، التي وجهت لهم .


أزمته مع أحمد زكي

وقع خلاف كبير بين عاطف الطيب والممثل المصري الراحل أحمد زكي، في فيلم "ضد الحكومة"، فأثناء تصوير أحد المشاهد التي فيها زكي، رفض تصويرها من زاوية محددة، ولكن الطيب أصر على رؤيته في تصوير المشهد، وحدث خلاف كبير وقتها كان سيؤدي لايقاف الفيلم، لكن في النهاية إنتصر الطيب وحقق رؤيته، ورضخ زكي لما يريده المخرج.


حياته الخاصة​​​​​​​

​​​​​​​​​​​​​​تعرف عاطف الطيب على زوجته وحبيبته الوحيدة في معهد غوته، الذي كانت تعمل به، وطلب منها تذاكر لمهرجان الفيلم الألماني، وبعدها جمعه بها أول لقاء عاطفي في 28 أيلول/سبتمبر عام 1982، وتزوجا بعد إنتهائه من تصوير فيلم "الحب فوق هضبة الهرم".
وتحكي زوجة عاطف، التي رحلت بعد بضع سنوات من وفاته: "اشترينا الشقة ودبرنا تكاليف الزواج من إيراد (الغيرة القاتلة)، تزوجنا في 21 مارس 1984 ومات في 23 يونيو 1996، عشنا معا أحلى اثني عشر عاماً، تسألني من هو عاطف الطيب؟ إنه (حسن)، بطل (سواق الأوتوبيس)، و(منتصر)، بطل (الهروب)".

أيامه الأخيرة ورفضه العلاج على نفقة الدولة

عانى عاطف الطيب في صغره من حمى روماتيزمية، لم يتم علاجها بشكل جيد بسبب سوء الأوضاع الصحية في المراغة مسقط رأسه، هذه الأزمة سببت له في الكبر أزمة في القلب، ثم أُصيب بمرض السكري، إضافة إلى تحامله على نفسه في التصوير، فأثر التعب والإجهاد بسبب عمله لساعات طويلة على صحته، إضافة إلى أنه حساس جداً ويتأثر بشكل كبير بالمشاكل الإنسانية من حوله، ما سرّع بوتيرة المرض الذي كان يعاني منه .
ورفض السفر إلى ألمانيا للعلاج على نفقة الدولة، مشدداً على أن "الغلابة" الذين دافع عنهم في أفلامه أولى منه، وأقنعه أحد الأطباء بأن العملية من الممكن إجراؤها في مصر، وهي العملية التي إستمرت لساعات بسبب خطأ طبي، رفض الإعتراف به الطبيب المعالج لتكون هي النهاية، وتوفي في 23 حزيران/يونيو عام 1995، عن عمر ناهز الـ47 عاماً، تاركاً خلفه آخر أفلامه "جبر الخواطر"، الذي لم يتمكن من إنجازه، ثم قام المونتير أحمد متولي بعملية مونتاج الفيلم منفرداً.