هو الفنان الذي انطبع بذاكرتنا رغم غيابه، عرفه جيل الأمس من خلال مشاركاته المسرحية مع الرحابنة التي لمع فيها بصوت مميز وأداء تمثيلي استعراضي مبهر، فهو نعمان "ميس الريم"، صالح البهلوان في "بترا"، "بيّاع الخيار" و"رئيس الكناسين" في "الشخص"، رأيناه "صبحي البدوي" في "لولو"، أستاذاً يعلم المساجين الموسيقى في "منيوم ليوم"، انطلق من استوديو الفن برائعة الموسيقار محمد عبد الوهاب "ليلة الوداع"، أما أغنياته فلا تزال تبث في الإذاعات ويرددها جيل اليوم من دون أن يعرف البعض منهم صاحبها، مثل أغنية "جايي جايي" مع الفنانة رونزا، أو "مشوار رايحين مشوار"، وغيرها.


وعلى رغم هجرة قسرية لكندا منذ سنوات، لا زال الفنان صاحب الصوت الذهبي الدافئ والكاريزما الجذابة حاضراً في وجداننا ولم يتوقف أبداً عن العطاء، كما أن ابنه رامي بدر حذا حذوه وخاض مجال الغناء وارثاً من والده صوتاً جميلاً وعشقاً للفن...
مع الفنان رجا بدر كان لنا في موقع الفن هذا الحوار...

أرحب بك في موقع الفن، هاجرت من 29 سنة تقريباً إلى كندا أخبرنا عن يومياتك وحياتك بالغربة ولماذا بقيت هناك ولم تستقر في لبنان من جديد؟
تركت لبنان عام 1989 بسبب الحرب وتوجهت إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعدها قصدت السفارة الكندية في مدينة أوستن- تكساس لأحصل على تأشيرة إلى كندا لأحيي بعض الحفلات في عدة مدن كندية، ومن ثم عدت إلى لبنان لأني كنت مؤمناً بوطني والعيش على أرضه على الرغم من كل شيء، وقد عدت إلى لبنان عام 1990 ووجدت منزل العائلة مهدماً وحاولت أن أرممه قدر المستطاع، لكن كانت الظروف قاسية جداً آنذاك فرجعت من حيث أتيت إلى كندا في السنة نفسها واستقريت في مدينة مونتريال، وكنت أعمل في مجال الحلاقة أي مزيناً للرجال، المهنة التي كنت أحبها ولم أزل.
أما بالنسبة لحياتي في كندا فكنت أشعر منذ بداية وجودي على الأرض الكندية بالكثير من الاهتمام والرعاية، وكندا بلد جميل جداً عدا عن أنه بلد الإنسانية والسلام، وعلى الرغم من هذا كله عدت إلى لبنان 3 مرات متتالية لأحاول أن أؤسس لأعيش وأستقر فيه ولم أفلح، فأعود أدراجي إلى كندا بعدما أكون قد أنفقت كل ما إدخرته في لبنان لأعود وأبدأ من جديد من الصفر.

كيف تصف تعامل الدولة الكندية في زمن كورونا مع المقيمين على أراضيها وهل أنت سعيد أنك موجود بكندا في هذه الظروف بالذات بالنسبة لنوعية الحياة وفي ظل الوضع المتردي اقتصادياً في لبنان؟
كندا تتعامل مع أزمة انتشار فيروس كورونا بكل جدية ومسؤولية وإهتمام ولا تتغاضى عن أي خطأ يحصل، وتلاحق كل المستهترين بهذا الوباء وفي الوقت نفسه تساعد على جميع الأصعدة، خصوصاً المرضية والمادية منها والكل يعمل تحت لواء القانون والأنظمة، هنا كل مهاجر من وطنه الأم يحلم ويتمنى أن تسير هذه الأنظمة في بلاده. أما عن السعادة هنا فكانت غير مكتملة لأن الأفكار كانت متجهة نحو الوطن الأم، والمعاناة التي يعيشها الأهل والأصدقاء.

ما زلت تتواصل مع أصدقائك وأقاربك في لبنان؟ وهل تنصح الشباب اللبناني أن يهاجر أو أن يبقى في وطنه ويصبر؟
التواصل مستمر مع الأصدقاء والمقربين من الفنانين ولم ينقطع، وأنا لا أنصح أحداً بالهجرة إلى الخارج، وللظروف أحكام، ولكن إلى متى يدفع الشباب اللبناني الغالي، ويدفع شبابه ومستقبله ويضع دمه على كفه كي يؤمّن قوته ولقمة عيشه وتعليمه وحق الطبابة وحقه المهدور، وسياسيونا هم هم، اعتدنا عليهم، دائماً في الامتحان يرسبون، هم الباقون ونحن الراحلون.

لنرجع معك قليلاً بالزمن، أخبرني كيف كانت تجربتك مع الرحابنة وهل طبعت مسيرتك الفنية لاحقا بشكل كبير؟
تجربتي مع الأخوين رحباني كانت جيدة ومثمرة، لقد أضافت لمسيرتي الفنية دعماً ومعرفة في المسرح الاستعراضي وهذا بالتحديد ما كنت أصبو إليه، ومن بداياتي كنت أحب هذا النوع من الفن الذي يجسد طبيعة بلادي ومجتمعنا، وقبل اشتراكي مع الأخوين رحباني كانت لي تجربة مع المسرح الغنائي الإستعراضي، وكنتأعشق هذا الفن من صغري وكنت أقدمه في بلدتي قب الياس مع العديد من الأصدقاء أصحاب المواهب، وقد حصلنا آنذاك على رخصة مسرح وعملنا بها تحت اسم مسرح قلعة فخر الدين للفنون الاستعراضية، وقدمنا عدداً من المسرحيات وكانت ناجحة جداً.

هل كانت ضربة حظ أن اختارك الأخوان رحباني للعمل في مسرحهما؟ أو أن موهبتك وصوتك الجميل مهدا الطريق لإنطلاقتك في الفن؟
عندما يختارك أساتذة كباراً أمثال الأخوين رحباني عاصي ومنصور، يكون لديهما إقتناع تام بعد اختبارهما لموهبتك وقدراتك، والحظ يأتي في المرتبة الثانية.

هل صحيح أن الاخوين رحباني اختاراك بديلاً للفنان إيلي شويري؟
بالنسبة لاختياري كبديل للأستاذ إيلي شويري فهو غير صحيح فلقد أثبتت وجودي مع الرحابنة منذ الدور الأول "نعمان" في مسرحية "ميس الريم".

هل برأيك المسرحيات الغنائية الاستعراضية أصبحت موضة قديمة؟ او أنك ترى أنه بوجود أسامة الرحباني ابن منصور وغدي الرحباني وجاد ومسرح كركلا وروميو لحود ممكن أن نتفاءل باستمرار هكذا نوع من المسرحيات؟
هذا النوع من الفنون لا يمر عليه الزمن ولا يزول بل ينمو ويتطور ويزدهر، لأنه مرتبط بحضارة وثقافة الشعوب، ولبنان قد أعطى الكثير من المبدعين في هذا المجال وتاريخه مشرف، إن أبناء الرحابنة أمثال غدي وأسامة ابني منصور ، وجاد ابن الياس الرحباني يسيرون على طريق آبائهم لإكمال الرسالة، ولكن برؤية مغايرة تتماشى مع العصر وبهم نتفائل خيراً إن شاء الله، أما الفنان الأستاذ روميو لحود فله أعماله وتاريخه الحافل بالأعمال الناجحة، وفرقة كركلا الاستعراضية لها أيضاً أعمالها وتاريخها الحافل بالنجاحات في لبنان والعالم، ولكن كل هذه الفنون والثقافات لا تنمو ولا تزدهر إلا بوجود الأمان والطمأنينة والسلام والقانون في بلد يحترم حقوق الإنسان ويقدر ويرعى شؤونها لتبقى وتستمر.

قدمت خلال غربتك بعض الأعمال الغنائية والتي لم يكن نجاحها كما كنت متوقعاً، هل تفكر أن تقدم أعمالاً جديدة وأين العائق؟
كنت أحيي حفلات أحضّرها بنفسي وبمساعدة بعض من الأصدقاء المقربين وجميعها كانت تكلل بالنجاح والحمد لله، أما عن الأعمال الغنائية والألحان الجديدة والتسجيلات في الاستوديوهات فأنا أعمل هنا وأرتب أموري على قدر المستطاع.

انت صاحب أغنية "عبوردانا" التي لا زالت تتردد إلى الآن وهل صحيح أن طوني حنا عرض أن يأخذها مقابل "حداي حداي"؟
قصة "عبوردانا" أرويها بكل محبة وللمرة المئة، مطلع الأغنية كانت تردده جدتي فأخذت المقطع منها وبنيت عليه كلاماً ووضعت عليه لحناً بمرافقة عمي على آلة المجوز، وأسمعتها يومذاك إلى الراحل الأستاذ رفيق حبيقة فأبدى إعجابه بالكلام واللحن، وكان هو الموزع لهذه الأغنية، ويومها كان الصديق الفنان طوني حنا يستمع لهذه الأغنية فأعجبته وطلب مني أن يعطيني أغنية "حداي حداي" مقابل أن أعطيه أغنية "عبوردانا"، كون الأغنيتين قد انتشرتا في التاريخ نفسه، لكن لم يحصل الأمر.

هل شجعت إبنك رامي على دخول الفن؟
في البداية لم أشجعه وكنت معارضاً دخوله هذا الطريق الشائك، خصوصاً في هذا الزمن الرديء الذي يملؤه الفن المبتذل، لكن رامي كان منذ طفولته يهوى الفن والموسيقى، منذ أن كان في سن الأربع سنوات وكان يرافقني في العزف الإيقاعي على آلة الطبلة ويعزف على الكيبورد، وأنا لا أتفاجأ، إن هو غنى أو لحن بعض الألحان الناجحة لأنه يمتلك الموهبة، لكني كنت أعارض دخوله هذا المجال كي لا ينجر إلى متاهات الفن الرخيص وهذا ما لا أقبله، وكنت دائماً ولا زلت أنصحه أن المهنة والوظيفة بنظري هما الضمان الوحيد للمستقبل وليكن الفن هواية فقط ،ولكن إصراره على المضي في هذا الطريق جعلني أترك له الخيار، واليوم رامي يحضر أغنية جديدة من ألحانه ومن كلماتي، وقريباً ستكون حاضرة للمستمعين وأتمنى له النجاح والتوفيق.

تتمنى لو تعود وتستقر في لبنان؟
الرجوع إلى لبنان والعيش في ربوعه حلم يراودني كل يوم، لكن ما باليد حيلة لقد حاولت بشتى السبل ولم ألمس شيئاً يشجعني على العودة.

هل تعتبر أنك حوربت من قبل شركات الإنتاج؟
أنا لست الفنان الوحيد الذي حورب، إنما كثر أمثالي كانوا محارَبين من قبل أصحاب مصالح، وهناك أمر واقع في لبنان كان سارياً ولم يزل وكل من له مصلحة كان يتعامل مع هذا الواقع المرير.

بالختام ما هي كلمتك لقراء موقع الفن ولمن يريد أن يخوض مجال الفن من الجيل الجديد؟
كل من يود أن يخوض طريق الفن خصوصاً الغناء الاستعراضي يجب أن يكون لديه، أولاً موهبة الصوت الجميل وحسن الأداء والحس المرهف، وكذلك أن يكون متعمقاً في التراث وغناء المواويل ولديه فكرة عن النغمات الموسيقية، وعدا ذلك لا يجب أن يفكر في خوض هذه التجربة لأني لا أنصحه.
وفي الختام أشكركم وأشكر القيمين على موقع الفن وأتمنى لكم التوفيق لتبقوا نبراساً للفن وأهله، تحياتي لكم ولجمهوري الحبيب.