شيخ المخرجين، والد السينما الرومانسية، شاعر الشاشة الفضية، عندليب السينما المصرية، ألقاب مُنحت للمخرج الكبير هنري بركات في النصف الأخير من حياته المهنية، وهو واحد من كبار المخرجين في تاريخ السينما المصرية، الذين أثّروا في الفن السابع في مصر والعالم العربي، وهو أول مخرج عربي يترشح للأوسكار.

طفولة هنري بركات

ولد هنري بركات في 11 حزيران/يونيو عام 1914، في أسرة من بلاد الشام في شبرا. وكان أهالي بلاد الشام في القاهرة موزعّين على أحياء الضاهر والفجالة وشبرا. والده الطبيب أنطون عبد الله بركات، وله 4 أخوة إلا أنه فقد واحدًا منهم في سن صغيرة، بينما كانوا يلعبون في الخارج وعلى سلّم مع ابنة الجيران، التي دفعته إلى الأرض من دون قصد. كان أخوه الأكبر عبد الله بركات من هواة السينما. وكان الفتى هنري من عشاق الأفلام أيضاً. تخرّج من مدرسة الفرير الثانوية، ثم من كلية الحقوق، ولم يمارس المحاماة.
سافر إلى باريس وفي نيّته دراسة السينما، لكن الفرصة لم تكن متاحة للدراسة الأكاديمية، فدخل الاستديوهات وتعرّف على الفنيين العاملين في الحقل السينمائي. وشاهد في باريس عدداً كبيراً من الأفلام، وتأمّل في أساليب إخراجها وحرص على قراءة آراء النقاد في المجلات المتخصصة في السينما. واقتنى كتباً عن الفن السينمائي. لكن الأهم من هذا وذاك أنه تمكّن من التدرّب على فن مونتاج الأفلام.


حياة هنري بركات الفنية

بدأ هنري بركات حياته الفنية كمساعد مخرج، وقد اكتشفته الفنانة والمنتجة آسيا داغر، فلقد كانت تبحث عن موهوب يخرج لها فيلمًا جديدًا بعد أن تركها المخرج أحمد جلال، وكان قد تزوج من ابنة أختها الفنانة ماري كويني وانشغلا معاً في تكوين شركة سينمائية، فإختارته آسيا داغر لإخراج فيلم "الشريد" عام 1942 بطولة حسين رياض وزكي رستم.
لتبدأ بعد ذلك مسيرة سينمائية طويلة زادت على نصف قرن، أخرج خلالها بركات حوالى 95 فيلماً سينمائياً تنوعت بين الكوميدي والتراجيدي والرومانسي والاجتماعي والغنائي وغيرها من الأعمال، التي شكلت علامات فارقة في السينما المصرية الكلاسيكية مع عدد من النجوم، فقدم عشرة أفلام مع الفنان فريد الأطرش، وثلاثة أفلام مع الفنان المصري عبد الحليم حافظ، وثلاثة أفلام مع الفنانة المصرية ليلى مراد، وفيلمين للفنانة صباح، وفيلمين مع محمد فوزي، وفيلمين مع السيدة فيروز، وفيلمين مع هدى سلطان.
والحصة الأكبر كانت مع الراحلة فاتن حمامة التي مثلت معه 18 فيلماً، بعضها من أهم الأفلام في السينما المصرية منها "دعاء الكروان"، "الحرام"، "الخيط الرفيع"، و"ليلة القبض على فاطمة" و"أفواه وأرانب".


أعماله

​​​​​​​عاد هنري بركات إلى القاهرة، وبعد وفاة والده، استثمر حصته من الميراث في الإنتاج السينمائي، بالشراكة مع أخيه عبد الله تحت إسم "أفلام بركات أخوان"، التي أنتجت "عنتر أفندي" سنة 1935، من بطولة الممثل الكوميدي استفان روستي.
وأنتجت شركتهما 12 فيلماً أخرجها هنري، وأسند فيها إلى أخيه عبد الله مهمة إدارة إنتاج عشرة أفلام منها إلى أن توفي سنة 1978.
وفي فترة محددة أنتجت "أفلام بركات" بعض الأفلام بالشراكة مع أفلام محمد عبد الوهاب، منها: "موعد مع المجهول"، إخراج عاطف سالم وبطولة عمر الشريف وسامية جمال، و"إغراء" بطولة صباح وإخراج حسن الإمام، و"بنات اليوم" و"حسن ونعيمة"، وكلاهما من إخراج هنري بركات نفسه، وكان عبد الحليم حافظ بطل الفيلم الأول، وفي الثاني أطلق بركات ممثلة جديدة كانت ستصبح نجمة كبيرة واسمها سعاد حسني إلا أنه قاطعها.
وهنا نذكر أهم أعماله التي أصبحت تراثاً كبيراً من الأفلام الروائية الطويلة في السينما المصرية منها:
"الشريد، المتهمة، القلب له واحد، الهانم، العقاب، الواجب، معلش يا زهر، عفريتة، هانم، آمال، ما تقولش لحد، غلطة أب، لحن الخلود، الحرام (فيلم)، موعد غرام، دعاء الكروان، في بيتنا رجل، أمير الدهاء، هذا جناه أبي، حبيب العمر، دايما معاك، شعبان تحت الصفر، الباب المفتوح، الحب الضائع، أفواه وأرانب، سفر برلك من بطولة فيروز ونصري شمس الدين 1967، أيام وليالي".
وحين زار المؤرخ والمؤلف الفرنسي جورج سادول المعهد العالي للسينما بالقاهرة، في ربيع عام 1965، وأثناء محاضرته عن تاريخ السينما المصرية وتطورها، عدّد أسماء المخرجين الذين أعتبرهم صنّاع اللغة السينمائية، ومن بينهم هنري بركات. وحين أتى على ذكره قال إن مشهد الولادة في الحقل (فاتن حمامة في فيلم "الحرام")، هو أجمل مشاهد السينما المصرية على الإطلاق. وقال إنه في قائمة أفضل الأفلام المصرية وينبغي ذكر خمسة من إخراج هنري بركات.

المهرجانات

مهرجان برلين عبر فيلم "حسن ونعيمة"، مهرجان برلين عبر فيلم "دعاء الكروان"، مهرجان كان عبر فيلم "الحرام"، مهرجان نيودلهي عبر فيلم "في بيتنا رجل"، مهرجان جاكرتا عبر فيلم "الباب المفتوح"، مهرجان فالنسيا عبر فيلم "ليلة القبض على فاطمة".

تكريمه في المهرجانات

باريس عام 1984، فالنسيا عام 1985، مهرجان الإسكندرية عام 1991، تلفزيون لوس أنجلوس أمريكا عام 1989، مونبيليه عام 1992، مهرجان القاهرة عام 1994.
كما حصل هنري بركات على عدد من الترشيحات والتكريمات الرفيعة خلال مشواره الغزير، فترشح عام 1959 لدب مهرجان برلين الذهبي بفيلمين دفعة واحدة، هما "حسن ونعيمة" و"دعاء الكروان"،
وترشح للسعفة الذهبية من مهرجان "كان" الرفيع عام 1965 عن فيلمه "الحرام".
فاز بجائزة أفضل فيلم عام 1964 عن فيلم "الباب المفتوح" من مهرجان جاكارتا السينمائي.
نال أيضًا جائزة الذكر الخاص لمهرجان فالنسيا السينمائي الدولي عام 1984، بفيلمه "ليلة القبض على فاطمة".
وفي مصر توّج قبيل نهاية حياته الفنية بعدد من أرفع الجوائز الثقافية، فحصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 1995.
كما حصل هنري بركات على وسام من مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 1991، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1994.

هنري بركات في لبنان

​​​​​​​أخرج هنري بركات أثناء إقامته في بيروت بين عامي 1966 و1969، عدداً من الأفلام منها "الحب الكبير" بطولة فريد الأطرش وفاتن حمامة، مع فيلمي "سفر برلك" و"بنت الحارس"، وهما من بطولة فيروز وكتابة وموسيقى الأخوين رحباني. وساهم في إخراج فيلم "3 نساء" المقتبس من ثلاث قصص كتبها إحسان عبد القدوس، كمات أخرج القصة الأولى وكانت من بطولة صباح، وتولّى صلاح أبو سيف إخراج الثانية، وهي من بطولة هدى سلطان، وأخرج محمود ذو الفقار الثالثة والبطولة فيها لميرفت أمين.
في هذه الفترة كانت بيروت تعجّ بالفنانين المصريين، إثر انحسار الإنتاج السينمائي في القاهرة، بسبب النتائج السلبية لحرب حزيران/يونيو عام 1967، منهم هنري بركات، يوسف شاهين، حسن الإمام، يوسف وهبي، فريد شوقي، رشدي أباظة، تحية كاريوكا، عماد حمدي، نادية الجندي وآخرون. في تلك الفترة أقام بركات وعائلته في شقة في البناية، التي تملكها الفنانة الراحلة صباح في الحازمية.

قاطع سعاد حسني

ساهم بركات في منح النجمة سعاد حسني ظهورها السينمائي الأول في فيلم "حسن ونعيمة" عام 1959، الفيلم كان من المفترض أن يجسد دور البطولة فيه فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ لكن بركات قرر منح الأدوار الرئيسية في الفيلم لوجوه جديدة، وبالفعل قدم سعاد حسني ومحرم فؤاد وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، ووضع بذلك سعاد حسني على خريطة السينما العربية.
وقد شاركت سعاد حسني بعد ذلك مع هنري بركات في عدة أفلام منها "ليلة الزفاف" و"الحب الضائع" عام 1970، والذي يعتبر التعاون الأخير بينهما حيث لم يعملا معًا بعد ذلك.
والسبب في القطيعة الفنية التي حدثت بينهما، أن سعاد حسني كان من المفترض أن تلعب الدور الرئيسي في فيلم "حبيبتي" عام 1974 أمام محمود ياسين، وبعد أن أخذت عربونًا عن الفيلم، قررت من دون سابق إنذار الإنسحاب من العمل، الأمر الذي أغضب هنري بركات، وإستبدلها حينها بنجمته المفضلة فاتن حمامة.

حياته الشخصية

​​​​​​​كان هنري بركات متزوجاً من روزيت دهان، المولودة من عائلة شامية في الإسكندرية، وقد أنجبا إبنتين "رندة" و"جيهان"، وتقيمان في القاهرة، وتوفيت زوجته روزيت عام 2012.

وفاته

تركت قوة الواقعية الشعرية لهنري بركات في أفلامه، تأثيراً كبيراً على صانعي الأفلام في الدول العربية وفي الإتجاهات الاجتماعية، وعلى نمط وأسلوب حياة العديد من المشاهدين في الشرق الأوسط. خلال الـ55 سنة من حياته المهنية ترك هنري بركات إرثاً من 112 فيلماً، صنعها حتى وفاته عام 1997، عن عمر يناهز الثالثة والثمانين، وأقيمت مراسم الجنازة في كنيسة السيدة العذراء للسلام، على ضفة النيل، وسط العاصمة المصرية.