حين قال الفنان اللبناني غسان صليبا "يا أهل الأرض وإنتو ترابا عمال وشعرا وفلاحين شو همّ الأرض وهمّ ترابا الأرض اللي أهلا متحدين"، إعتقدنا أننا نتغنى فعلاً بهذا الكوكب الذي نتشاركه، وكلّ في عمله ومهنته ورسالته في الحياة .


فكل ما وُجدنا من أجله أو طمحنا للوصول إليه، يحتاج إلى العمل والنشاط والحركة الفكرية أو الجسدية.
أهم عناصر إكتمال شخصية الإنسان هي العمل ثم العمل، وهو ليس مجرد مصدر رزق لتحقيق الأرباح المادية بل هو أكثر من ذلك، هو ما يكمل شخصية الإنسان ويجعله يكتشف أكثر وأكثر سبب وجوده في هذه الحياة، وويل لشخص عاش ولم يدرك هوية عمله ومكامن قوته فيه.
الحياة عبارة عن دائرة وكل منا يحتاج للآخر، أي وبإختصار كبير، رئيس الجمهورية بحاجة لعامل التنظيفات والعكس صحيح، والحاجة هي بالمستوى نفسه بين الجميع.
سواء نجحنا أو فشلنا بمهنتنا، فهي بمثابة إثبات وجود، فالعمل هو ما اخترناه بنفسنا وليس ما فُرض علينا، كما فُرض علينا معظم ما نملك كبلدنا وأهلنا وإسمنا وجنسنا وملامحنا ومنزلنا وأقاربنا وإلخ.

اليوم "ا أيار" أي ما يسمى عيد العمال، وما أصعب الإحتفال به في بلد نكاد نحتفل فيه بالبطالة، بوطن جعلتنا دولته نحلم ولا نُحقّق، نزرع ولا نحصد، نتمنى ونُعلّق أمنياتنا على لائحة الإنتظار لسنوات، بوطن جعل التحدي الأكبر في حياتنا هو عدم الموت من الجوع، بوطن جعلنا حكّامه نعمل ونطعمهم بدل أن يعملوا ويطعمونا، ببلد ننتظر به دخول باب الطائرة لأننا مللنا من إنتظار باب الفرج، ببلد تغنّى به الرحابنة وفيروز وجعلوه أجمل معزوفة ورسمته صباح بأجمل لوحة ووصفه وديع الصفي بقطعة السماء، ليصبح على أيدي حكّامه أشبه بسجن كبير تحكمه شريعة الغاب، ويموت من يستحق الحياة على يد من لا يستحقها.
اليوم وفي عيد العمال ماذا سنقول؟ لمن نقول "ينعاد عليك" لسائق التاكسي الذي يعتمد على مدخوله اليومي المحدود ليطعم عائلته؟ أم للطبيب الذي يعمل ليلاً نهاراً لإنقاذ حياتنا من دون دعم من دولته؟ أم لبائع الخضار الذي أصبحت "الخسة" لديه بسعر اللحم والسمك؟ أم نقولها للصحافي الذي يزرع نفسه بين الجبهتين كي يوصل رسالته للناس بأفضل صورة؟ أم للممثل المسنّ الذي ينتهي به المطاف ميتاً على باب المستشفى؟

اليوم في عيد العمال لا يسعنا إلا أن نقول :"يعطينا العافية جميعاً" فمن الصعب جداً أن تشعر بمعنى هذا العيد، تحديداً في دولة تخاف فيها أن تحمل علم بلدك، خوفاً من أن تُحسب على جهة معينة ضد الجهة الأخرى، وفي وطن تحتاج فيه يومياً إلى غرفة الإنعاش لتستمر الحياة.