هو رائد من رواد النهضة الفنية في لبنان، ولُقّبَ بـ أحدب نوتردام الشرق، فهو الوحيد الذي استطاع باحتراف أن يجيد تجسيد هذه الشخصية في الشرق، أدى الأدوار المركبة الصعبة ورسم لنفسه خطاً خاصاً تميز به عن بقية زملائه، وكان يرسم الضحكات على وجوهنا بعفوية أدائه وخفة دمه، هو من أوائل الوجوه التي عرفتها الشاشة اللبنانية الصغيرة، فسطّر فيها نجاحات وإبداعات خلدته في الذاكرة والقلب وقدم أعمالاً خالدة لا تنسى.


أبدع في المسرح والإذاعة اللبنانية التي إنطلق منها، وأيضاً في تلفزيون لبنان وفي السينما مع الرحابنة في فيلمي "سفر برلك" و"بنت الحارس"، كما كان مختار المخاتير في مسرحية "ميس الريم".. إنهإيلي صنيفرملك الشاشة والقلوب.

بداياته
ولدإيلي صنيفرفي 15 شباط/فبراير عام 1935 في الحدت، ولمع منذ صغره فأصبح نجم مسرحيات ضيعته حين كان لا يزال في سن الثانية عشرة، ولحق حلمه بالتمثيل فأسس فرقته المسرحية الخاصة التي قدمت عروضاً في عدة قرى، وكان مسرحه محبوباً.
هو فنان الأدوار الصعبة والمركبة، التي برع في تأديتها على شاشة تلفزيون لبنان، ورسم من خلالها خطاً مستقلاً في الكوميديا أو التراجيديا. رافق تأسيس الشاشة الرسمية منذ البداية، ونجح معها في أعمال تلفزيونية خالدة.
وكانت تجربة مهمة في حياته كما عمل مع الرحابنة في "سفر برلك" في دور ثانوي، وفي "بنت الحارس"، وكانت تجربة سينمائية ثالثة له لكن هذه المرة عام 1969 في فيلم لبناني - أميركي "وداعًا يا لبنان"، تحت إدارة المخرج العراقي العالمي حكمت لبيب وبطولة الممثلة الأميركية مارلين سميث، ولعب دور السكير في مسرحية "وادي شمسين"، وقالت حياة خليل صنيفر أرملة إيلي صنيفر في إحدى المقابلات الصحافية: "إن إيلي كان وفياً وصادقاً في عمله وكان يعطي وقته للتمثيل، كما كانت له تجربة في الغناء من خلال "ميس الريم"، وأساساً هو يحب "العتابا"، "وفي بيتنا دائماً غناء ورقص وفرح وكان صوته جميلاً".



ولعه بالتمثيل وانطلاقته من الإذاعة
تقدّم إيلي صنيفر بطلب لينضم إلى الإذاعة اللبنانية كممثل فيها، لكن اللجنة المتزمتة والملتزمة بشروط صارمة آنذاك لم تقبله في البداية بسبب لثغته، لكنه لم يستسلم فظل يحاول مرات عديدة حتى استسلم أعضاء اللجنة المؤلفة من أهم عباقرة الموسيقى والفن، وأخيراً، أطلق لصوته العنان عبر مذياع إذاعة لبنان عام 1958 وكان أصغر الممثلين سنًا، فتميّزه بموهبة نادرة جعلته يبدع عبر برامج ومسلسلات إذاعية، سرعان ما قادته الى عالم جديد، الى تلك الشاشة الصغيرة التي كانت باختصار نافذة له على العالم في بداياتها في لبنان والشرق العربي، وكان إيلي صنيفر وجهاً من وجوهها الأولى ممن افتتحت بها تلك الشاشة، وصار نجماً بين أبرز نجومها، وأدى أدواراً مميزة، آخرها الحلقات الكوميدية الإجتماعية الساخرة "توت توت ع بيروت"، قبل عام واحد من وفاته على أثير إذاعة صوت لبنان إلى جانب عمر ميقاتي وفاديا عبّود.

إنتقاله لتلفزيون لبنان
يوم 28 أيار/مايو عام 1959 كانت إطلالته التلفزيونية الأولى في برنامج "الأمير الضفدع"، من تأليف جوزف فاخوري ليؤدي دور البطولة مباشرة على الهواء، ثم مع البرنامج التلفزيوني الأشهر "يسعد مساكم" مع أبو ملحم أو أديب حداد الذي كان له فيه مشواراً طويلاً، قدم منه 750 حلقة تلفزيونية، والتي استمر عرضها من العام 1960 وحتى عام 1980، وكانت تبث مباشرة على الجمهور، وكان يظهر على المشاهدين في كل حلقة من حلقاته بدور مختلف معقد وصعب، ولكن إيلي صنيفر كان دائماً بطلها الشرير، الشقيّ والمشاكس.
ويروي ابنه قصة طريفة: "حتى أنه يوم تعرف على والدتي وأغرم بها رفض أهلها تزويجها به بحجة أنه رجل شرير ومدمن على الكحول ولعب الميسر، إضافة إلى صفات أخرى من شخصيات تقمصها في أبو ملحم، واعتبروها حقيقة، والنتيجة هرب والدي مع والدتي وتزوجا خطيفة، كان "ملكا" في أدواره، بغض النظر عن ماهيتها كبيرة كانت أم صغيرة، بطولية أم ثانوية، هو الدور ما يعنيه أولا وآخراً".

من أهم أعماله
"حكمت المحكمة" (حوالى 250 حلقة، غالبيتها أُديت مباشرة على الهواء عام 1963)، "يوضاس (1966)، "المفتش" عام 1970، "الضيعة بألف خير" عام 1973، إلى "مريض الوهم" و"العالم الكبير يو"، فـ "أربع مجانين وبس" عام 1980، "الوحش" عام 1982، "الصقيع"، "عيّوق ورفقاتو"، فإلى "يا مدير" و"الدنيا هيك" للراحل محمد شامل فلقد جسد شخصيّة عزيز السلمنكي بعد رحيل الياس رزق، وفي الأعوام الأخيرة من حياته، شارك في مسلسل "العاصفة تهب مرتين" للكاتب شكري أنيس فاخوري والمخرج ميلاد الهاشم، وقبله "بنت الكبّا"، فـ "الأونباشي" الذي افتتح برامج المؤسسة اللبنانية للإرسال، وصولا الى "كومبارس" في أواخر التسعينيات، كما أعد مع جوزف فاخوري أول تجربة "ماريونات" في لبنان، وذلك في برنامج قدّمه بعنوان "يا أم توفيق" الذي أدت بطولته النسائيّة الفنانة الراحلة ملفينا أمين.

قصته مع شخصية أحدب نوتردام
حكاياته وبداياته رواها لولديه، وابنه الأصغر الدكتور باتريك صنيفر كشف قصة تجسيد والده الراحل لـ أحدب نوتردام في "الأخرس" في إحدى مقابلاته الصحافية، فقال :"لما كان صغيراً حضر الفيلم الأميركي "أحدب نوتردام" المقتبس عن رائعة فيكتور هوغو، سحره ذاك الدور، حتى أنه أقدم على سرقة أفيشات الفيلم، وقرر أنه في اليوم التالي سيؤدي هذا الدور على مسرح الضيعة، ومن حينها أصبح هذا الدور هاجسه وكان يردد "يوماً ما سألعب هذا الدور"... وكان له ذلك و"كسّر الدني".
لم يتمكن أي من المتقدمين أو المطروحين لهذا الدور على إثبات قدراتهم خلال الكاستينغ، باستثنائه، ولعب الدور، وكان العلامة الفارقة، ربما الأكثر سطوعاً، طبعت مسيرته الفنية فكان أداءؤه بمستوى "عالمي مبهر استحق عليه وسام الاستحقاق اللبناني في عهد رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية.

جمال باشا السفاح
أما عن دوره في "جمال باشا السفاح"، فيروي باتريك صنيفر أن والده لكي يلعب هذا الدور أمضى ما لا يقل عن ستة أشهر بحثاً وتنقيباً عن خلفيات وميزات هذه الشخصية التاريخية، حتى أنه توصل إلى مقابلة سيدة لبنانية كانت عشيقة ذاك السفاح ليستقصي منها كل ما امتلكته من معلومات عنه. والنتيجة، وتقديرا لأدائه لذاك الدور، منح الممثل اللبناني الميدالية الذهبية للاستحقاق الفرنسي، وأيضاً رائعته ""يوضاس.
والى ذلك، يسجل لذاك الممثل الكبير أنه كان أول من أنجز فيديو كليب، مؤدياً دوراً تمثيلياً على وقع رائعة وديع الصافي "دق باب البيت عالسكيت"، وقد صوّر بطريقة لافتة ومؤثرة فنال إعجاباً وتقديراً كبيرين.
عام 2002 منح وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في عهد الرئيس إميل لحود، وقد علّقه على صدره وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة في حفل كبير أقامته على شرفه بلدية الحدت.

ست الحبايب يا بابا
ثمة محطة تلفزيونية أخرى تركت بصمة خاصة على مشواره الفني، تمثلت بمسلسل "ست الحبايب يا بابا" الذي عرض عام 1989 وله قصة أخرى والذي شارك فيه ابناه وأظهر الجانب الطيب والخفيف والظريف من شخصيته، و"ست الحبايب يا بابا" مع المخرج باسم نصر والكاتب جورج مطر الذي اعتبره تحديًا كبيرًا، فلقد جسّد دور الأب الذي يهتم بأولاده الثلاثة بعد وفاة زوجته ضمن قالب كوميدي إجتماعي هادف، عكس حياة كل عائلة لبنانية. واللافت أن أبطال هذا المسلسل إلى جانب صنيفر، كانوا كل من ولديه إيلي وباتريك صنيفر بدوري سامر وزياد، وشقيقتهما في المسلسل فدوى التي كانت واقعاً إبنة مخرج العمل باسم نصر.

ولداه ممثلان ثم طبيبان
وكان باتريك يخطط لأن يصبح فعلاً ممثلاً، وشارك في أعمال تمثيلية أخرى منها "الأمير الصغير" كما في "الصقيع" مع والده، أما إيلي فكان يريد أن يصبح مخرجاً، لكن إيلي صنيفر ضغط بكل قوته كي لا يمتهنا التمثيل، وكان له ذلك ليتخصصا في مجال الطب وليصبحا طبيبين لامعين كل في مجاله، وهما حتماً غير نادمين.

طيبته وحسه الإنساني
إفتتح إيلي صنيفر محلاً للألعاب في ضيعته الحدت، أدارته زوجته فيما كان هو منصرفاً لفنه، وتمكن من إكمال حياته بلا عوز، حتى أنه عرف عنه الكثير من مساندته ومساعدته لزملاء "نجوم" تدهورت بهم الأيام وذاقوا مرّ الحاجة والعوز.. ولقد كان منتبهاً جيداً وحريصاًعلى بيته وبحسن إدارته كان قوياً، ومن الفنانين القلائل الذين لم يقعوا ولم يركعوا يوما ًللمنتجين، فلقد كان دائماً سيد فنه.

تغييبه ورحيله
وجد إيلي صنيفر نفسه مغيّباً في السنوات الأخيرة عن الدراما المحلية، ليسجل مع مسلسل "كومبارس" على تلفزيون لبنان أواخر التسعينيات آخر إطلالة تلفزيونية، فيما إستمر إذاعياً ليسجل آخر إطلالاته عبر إذاعة صوت لبنان عام 2003 مع برنامج "توت توت عا بيروت" لسمير عشّي. أما آخر أعماله المسرحية فكانت "ثورة شعب" عام 2002 مع الأب فادي تابت، ولم يسمح القدر للراحل الكبير بأن يتوّج آخر المشوار بمسلسلين كان يخطط لتقديمهما، أوّلهما "كبروا الحبايب"، وهو الجزء الثاني من مسلسله الشهير "ست الحبايب يا بابا"، ثم "الضياع وكواليس"، وكان في باله وفي أحلامه دوران، فكان يحلم بمسلسل مقتبس عن الرائعة العالمية "امرأة الخباز" ليؤدي طبعاً دور الخبّاز، وأيضاً بدور المتسلط الروماني "نيرون"، لكنه رحل من دون أن يحقق حلميه، وقد داهمه المرض ليرحل يوم 30 آب/أغسطس عام 2005 إثر أزمة قلبية، تاركاً إرثاً كبيراً وبصمة لا زالت محفورة في عالم التلفزيون والمسرح والسينما.