هي ملكة على المسرح وفي الحياة، نجمة إستعراضية إستثنائية، صوت مميز بأنوثته وعذوبته، وموهبة أصيلة، هي سيدة القلوب، وفنانة لن تتكرر، سرقها الوقت باكرا، عملت بصدق لفنها وعائلتها ووطنها، وإحتلت مساحة كبيرة على الساحة الفنية وفي قلوب الناس.

سلوى القطريب أو "سيدتي الجميلة" (My Fair Lady) كما لُقّبت، رحلت باكراً، قبل الأوان بكثير، تاركة الكثير من البصمات الحلوة، وغابت بالجسد لكنها دائماً حاضرة في وجدان إبنتها الفنانة ألين لحود وقلبها وزوجها المنتج ناهي لحود، الذي يمثّل الوفاء لزوجته، فكانت رفيقته ولا زال يستذكرها في كل مناسبة.

نشأتها

ولدت سلوى القطريب في 17 أيلول/سبتمبر عام 1953 في مدينة بغداد بالعراق، وهي في الأصل من المينا - طرابلس، والطفلة السابعة بين خمس شقيقات وثلاثة أشقاء، والدتها السيدة فدوى جبور، ربّة منزل ربّت عائلتها على الطموح والعلم، ووالدها عازف العود القدير ومغني الموشحات صليبا القطريب، تعاون مع كبار الملحنين والفنانين أمثال محمد عبد الوهاب، والشيخ زكريا أحمد وكل من عزف على العود في الثلاثينيات.

نشأت سلوى القطريب على حب الموسيقى في بيت فني، فتأصل في دمها وميزها الله بصوت لا مثيل له لا يزال يصدح في آذاننا كأنه لم يغب، وصقلت موهبتها بفضل والدها الذي لقّنها أصول الغناء، فكانت تغني في الحفلات العائلية، فلقد نشأت في منزل كل من فيه يعشق الطرب والغناء ويتمتّع بالصوت الجميل.

تلقت علومها الابتدائية ولغاية الثانوية في مدرسة "زهرة الإحسان" في منطقة الأشرفية، التي إنتقل إليها الوالد بحكم ظروف عمله وتنقلاته الفنية.

كانت رياضية من الطراز الأول وقد إستحوذ حبها للرياضة على وقتها وشغلها عن متابعة دراستها الجامعية، فإنتسبت إلى فريق نادي الكهرباء لكرة الطائرة، ومن ثم إلى منتخب لبنان، وقد حققت عدة بطولات على صعيد لبنان، وشاركت في العديد من المباريات الرياضية في دول عربية.

إنطلاقتها وشهرتها

بدأت سلوى القطريب مشوارها الفني في عمر العشرين، وحققت نجاحاً كبيراً ولعب الحظ والصدفة دورهما في حياتها حين إلتقت بالمخرج المسرحي والمؤلف الموسيقي روميو لحود، الذي فتح لها باب الشهرة، فهو كان خطيب شقيقتها الكسندرا، ويبحث عن صوت جميل لمسرحيته. فأسمعته بخجل مقطعاً، وأعجب بصوتها المميز القوي المشبع طرباً، وبطلّتها الجميلة والبهية، وهكذا تمكّنت من فرض موهبتها في زمن نهضة الأغنية في لبنان والبلاد العربية، فبرز إسمها في زمن الكبار، وبموهبتها وبالشخصيات التي جسّدتها في المسرح الاستعراضي، استحقت بجدارة لقب "سيدة المسرح".

شكّلت سلوى القطريب مع روميو لحود ثنائياً فنياً إعتباراً من العام 1974، وقدّما أعمالاً مميزة في الغناء والمسرح، وحازت على أدوار البطولة في مسرحيات روميو لحود إلى جانب نخبة من الفنانين الكبار، ومنهم: أنطوان كرباج، ملحم بركات، إيلي شويري، عبدو ياغي، طوني حنا، غسان صليبا وعصام رجّي، كما تعاملت مع كبار الملحنين ومن بينهم زكي ناصيف، وإيلي الشويري وإلياس الرحباني.

رصيدها المسرحي والثقافي والفني

قدّمت سلوى القطريب 11 عملاً مسرحياً، أولها "سنغف سنغف" عام 1974، وشاركها البطولة الفنان اللبناني طوني حنا، وملكة جمال لبنان والكون السابقة جورجينا رزق، والتي غنّت أغنية "طال السهر" في المسرحية مع طوني حنا.

وكرّت بعده سبحة الأعمال، فمن "بنت الجبل" عام 1977 إلى "زمرّد" عام 1978، و"أوكسيجين" عام 1979.

وبعد شهرتها الواسعة كنجمة مسرحية في لبنان، عرض عليها تلفزيون لبنان المشاركة في مسلسل "شهرزاد"، الذي كان محطة هامة في مسيرتها الفنية، وقد عُرفت من خلاله في الأقطار العربية كافة.

ثم انهالت العروض على سلوى القطريب، فأحيت مهرجان "مسرح الأندلس" في الكويت عام 1980. ثم عادت إلى لبنان لتلعب دور البطولة في مسرحية "ياسمين" على مسرح "الإليزيه"، ومسرحية "سوبر ستار" على خشبة مسرح كازينو لبنان، وكذلك على مسرح البيكاديللي، ثم مسرحية "حكاية أمل" عام 1983.

إشتدت الحرب في لبنان، وتوقف العمل المسرحي، لكن العروض من البلاد العربية توالت، فشاركت سلوى القطريب في مهرجان الأغنية العربية في الجزائر عام 1984 ملبية دعوة الحكومة الجزائرية. كما شاركت في العام نفسه في "معرض بغداد الدولي"، وفي العام 1985 قدّمت مسرحية "الحلم الثالث" لتلبي في السنوات اللاحقة دعوات وزارات الثقافة في العديد من الدول العربية منها الاردن، سوريا، الامارات العربية المتحدة والكويت، لإقامة حفلات فنية برفقة فرقتها الموسيقية.

في رصيدها الفني 120 أغنية، ومن أغانيها الجميلة: "طال السهر"، "خدني معك"، "شو في خلف البحر"، "على نبع الميي"، "بدي غنّي غنّي"، "وعدوني"، "قالولي العيد بعيوني"، "اسمك بقلبي"، "سرقني الوقت"، "يا بو العبا"، "مش كل سنة"، "عنقودي الحلو"، "قولولي وينن"، "يمكن بكرا"، "يا رايح".

محطات مهمة

تألّقت سلوى القطريب بإطلالتها المميزة في مهرجانات جرش، ومنحت جائزة تقدير بإسم المهرجان في عام 1987 وكان حدثاً بارزاً في حياتها.

وفي العام 1988 عادت إلى المسرح اللحودي، لتقدّم مسرحية "بنت الجبل" المقتبسة من المسرحية العالمية My fair lady، بحلة جديدة على مسرح كازينو لبنان.

عام 1989 لبّت سلوى القطريب دعوة الجالية اللبنانية في لوس أنجلوس في أميركا، وأحيت حفلتين على مسرح "Long Beach Convention Theatre"، ومن ثم عادت إلى لبنان لتحيي عدة مهرجانات في صور عام 1991، وفي بيبلوس عام 1992.

ولمناسبة العيد الـ125 للجامعة الأميركية في بيروت، أحيت عام 1991 حفلة غنائية على ملعب الـ"GREEN FIELD"، وكانت المرة الاولى التي يُستعمل فيها هذا الملعب، لغير النشاطات الرياضية.

بين عام 1992 وعام 1996 مرت سنوات من دون أن تقدّم سلوى القطريب عملاً، وغيابها فرضه عدم توافر أعمال فنية تليق بقدراتها ومستواها.

وفي عام 1996 شاركت في مهرجان "الأغنية العربية"، الذي أقيم في أبو ظبي بمشاركة العديد من المطربين والمطربات العرب، منهم ماجدة الرومي، وردة الجزائرية، سميرة سعيد وذكرى الخ...، وتخلّل المهرجان مسابقة أفضل مطرب وأفضل أغنية عربية، فحازت سلوى القطريب جائزة "الصقر الذهبي" كأفضل مغنية، ولأفضل أغنية "ذكريات" من ألحان روميو لحود ، أما ظهورها المسرحي الأخير، فكان في مهرجانات بيبلوس عام 1998، عندما قدّمت مسرحية "ياسمين".

الجيش اللبناني ومكانته الخاصة عندها

عبّرت سلوى القطريب عن محبتها للجيش اللبناني، فراحت في التسعينيات تجوب ثكناته المنتشرة في المناطق اللبنانية كافة، وتحيي فيها الحفلات. كما قدمت للجيش عدة أغنيات، أبرزها: "وحدك يا عسكر لبنان" من كلمات وألحان زكي ناصيف، و"يا هادر من بعيد" من كلمات العميد الركن المتقاعد عبدالله واكيم وألحان روميو لحود، و"أنت يا لبنان" شعر عمر أبو ريشة وألحان روميو لحود، و"يا جيش لبنان" من كلمات وألحان الياس الرحباني، و"سلّمتك الأرزة" من كلمات هنري زغيب وألحان روميو لحود، و"يا جيش الفرسان" من كلمات نزار الحر وألحان جورج عبود، وآخرها كان "يا أول من آب" من كلمات وألحان ايلي شويري عام 1995.

غنّت أيضاً في البرنامج الذي أعدّته مديرية التوجيه بعنوان "المرأة في الإستقلال" عام 1996، والذي شاركت فيه السيدة الأولى منى الهراوي، النائبة السابقة نايلة معوض، الصحافية مي منسّى والسيدة بهيجة الصلح (ابنة الرئيس رياض الصلح). أما نشاطها الفني الأخير مع الجيش اللبناني فكان مشاركتها في الحفلة الفنية، التي أقيمت لمناسبة عيد الجيش في بلدة عمشيت عام 2001.

حياتها العائلية

عام 1979 تزوّجت سلوى القطريب من المنتج ناهي لحود، (شقيق المخرج والملحن روميو لحود)، وأنجبت منه إبنتها الوحيدة ألين لحود ، التي سارت على خطاها في ما بعد، وأصبحت مغنية وممثلة، وقدمت مسرحية "بنت الجبل"، تكريماً لوالدتها الراحلة بنسخة جديدة اضافة الى العديد من المسرحات والاعمال التمثيلية والغنائية.

إبتعادها عن صخب الوسط الفني

أحبت سلوى القطريب فنّها، وإعتبرته رسالة تساهم في إسعاد الناس وإدخال الفرح إلى قلوبهم. كانت صاحبة شخصية فنية خاصة ومميزة، استطاعت أن تواكب طموحات المخرج روميو لحود، صاحب الشخصية الفنية القاسية والصعبة، وتكون عند حسن ظنه. وعلى الرغم من حضورها المميز وجرأتها على المسرح، كانت إنسانة خجولة.

لم تنخرط في صخب الوسط الفني، وإختارت أن تخص عائلتها بوقتها ورعايتها، وكانت إنسانة بريئة صادقة، متواضعة، مرحة، حساسة، ونظامية، فهي أول الواصلين إلى المسرح، وآخر المغادرين.

إيمانها وقربها من الله

في السنوات الثماني الأخيرة من حياتها، تقربّت سلوى القطريب كثيراً من الله، وانغمست في العمل الكنسي، وكانت تنشد تراتيل الآلام في الجمعة العظيمة، وتميّزت بأنشودة "العطاء"، من ألحان روميو لحود، التي كانت من ضمن ألبومها الخاص بعيد الميلاد.

فجأة في صباح الرابع والعشرين من شباط/فبراير عام 2009، شعرت بإنزعاج في معدتها، ما لبث أن تحوّل إلى نزيف دماغي، وتبيّن إثر الفحوصات الطبية أنه ناتج عن ورم دماغي، أدخلها في غيبوبة، لمدة 8 أيام، وفارقت الحياة في 4 آذار/مارس عام 2009 عن عمر يناهز الـ55 عاماً، تاركة مسيرة غنائية واستعراضية حافلة بأجمل الأغنيات والمسرحيات...

المطربة التي شبّهوا صوتها بصوت نجاة علي في البدايات، ولقّبها زملاؤها بـ"شفيعة الفنانين"، قدّمت أغانٍ ستبقى في الأذهان وفية لذكراها، وشاهدة لها كواحدة من المطربات القديرات.

جوائز

تكريماً لعطائها الفني المميّز، حازت سلوى القطريب العديد من الجوائز والدروع والميداليات أهمها:

- جائزة سعيد عقل عام 1976.

- جائزة تقدير للعطاء الفني من مدينة لوس أنجلوس عام 1989.

- دروع تقديرية من العماد إميل لحود (يوم كان قائداً للجيش) ومن العماد إبراهيم طنوس.

- درع تكريمية من بلدية عمشيت.

- ميدالية الاستحقاق الذهبي برتبة ضابط من الرئيس العماد ميشال سليمان.