أماليا أبي صالح ممثلة لبنانية برعت في الأدوار الكوميدية من المسرح إلى التلفزيون وكانت متصالحة مع نفسها فلم يشكل وزنها الزائد عائقاً لها أو أحبطها، بل كانت مثالاً للمرأة الخفيفة الظل الطيبة والمبدعة والمحبة أينما حلت، عرفت بشخصية "بدور" في أدوارها الكوميدية، كانت تنبذ التفرقة والتعصب الطائفي والعرقي وتزوجت من مسلم وغيرت ديانتها، وتبنت لاحقاً فتاة سمراء ربتها كابنتها والتي عانت لاحقاً بعد وفاتها ولم تستطع الحصول على هوية، كانت الممثلة الراحلة هند أبي اللمع رفيقة طفولتها على مقاعد الدراسة، في اهم مدرسة بلبنان وبيروت خاصة آنذاك "زهرة الإحسان"، التقيا في الطفولة وفي التمثيل، وتوفيت في 17 كانون الثاني/يناير عام 2014.

نبذة

ولدت أماليا أبي صالح عام 1946 في بلدة ضهور الشوير، وكانت الإبنة الوحيدة لميشال أبي صالح، تابعت دراستها في مدرسة "زهرة الاحسان" في الاشرفية، وكانت تلقب بـ"حسن صبي"، وكانت طفولتها سعيدة إلى حين طلاق والديها.

أما صديقتها الوحيدة على مقاعد الدراسة الممثلة، فهي الراحلة هند أبي اللمع، ثم جمعتهما الصدفة مجدداً في تلفزيون لبنان وذلك بعد أن عادت إلى لبنان من اللاذقية، إذ انتقل والدها للعمل هناك في شركة للنقل البحري عام 1955، وكان ذلك قد أبعدها عن محيطها وأصدقائها.

بداياتها من الرقص إلى التمثيل

من اللاذقية سافرت أماليا أبي صالح إلى إيطاليا مع الوالد، وبدأت هناك العمل مع فرقة رقص فنية تقدم العروض الترفيهية. رضي والدها بإلتحاقها في الفرقة وسافرت إلى كل أنحاء العالم والتقت عدداً كبيراً من الفنانين، وفي إحدى زياراتها إلى لبنان ابتسم لها الحظ بأن شاركت في برنامج في تلفزيون لبنان وكان ذلك عام 1964، انتقلت بعدها لتجسد دوراً في مسرحية هزلية.

صديق العمر والأب الوفي والحنون الذي كان أول من حضن أماليا أبي صالح فنياً وإنسانياً، بعد عودتها من إيطاليا وقدمها للتلفزيون لأول مرة، هو الممثل اللبناني صلاح تيزاني وهو أيضاً أول من رافقها إلى مثواها الأخير، وفي كل اللحظات من عمرها، فشاركت في برنامج "أبو سليم" وكان عنوانه "نادي الهواة" آنذاك، وأدت فيه دور فتاة ايطالية لا تعرف العربية، ثم في برنامج "حكمت المحكمة" عام 1965 فأحبت العمل في لبنان وقررت البقاء فيه، ومن بعدها إنطلقت مع مسرح "شوشو".

مسيرتها

قدمت أماليا أبي صالح أعمالاً فنية عديدة بين المسرح والتلفزيون خلال الستينيات والسبعينات، وقد حالفها الحظ من خلال اللقاء الكبير مع الفنان حسن علاء الدين المعروف بـ"شوشو"، حين شاركت في أعماله في أدوار كوميدية جعلتها مشهورة في الأوساط الفنية اللبنانية، نذكر منها :"أستاذ شوشو"، و"فرقت نمرة"، و"كافيار وعدس" مع بديعة مصابني، و"الدنيي دولار" مع الممثلة نيللي، و"آخ يا بلدنا"، كما مثلت في أفلام سينمائية عديدة، منها: "زمان يا حب" مع فريد الاطرش عام 1973، وفيلم "زوجتي من الهيبيز" مع الممثل السوري دريد لحام.

بعد هذا العصر الذهبي من الأعمال إلى جانب الكبار، وبعد اندلاع الحرب وتوقف العمل لسنوات ظنت أنها لن تمثل ثانية، غير أنها عادت إلى الساحة الفنية بأعمال جديدة وكان دورها المميز في مسلسل "المعلمة والأستاذ"، إلى جانب إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع وليلى كرم وذلك عام 1981، أما الدور الأخير لها فكان في مسرحية بعنوان "10452" مع الأب فادي تابت، وكان ذلك عام 2004.

تنوع أعمالها

سجلت أماليا أبي صالح حلقات تمثيلية إذاعية مع الفنان الراحل فيلمون وهبي والممثل والكاتب ديب أبو شالة في إذاعة "صوت لبنان العربي"، خلال التحضير لتسجيل عمل إذاعي في مطلع الثمانينيات.

في العام 1969 إنتشرت ظاهرة "الهيبيز" في لبنان، وهم عبارة عن شباب وفتيات أرادوا التحرر من كل العادات والتقاليد عبر إختيار حياة غريبة: التحرر الجنسي - تسريحات الشعر الغريبة والملابس القصيرة للفتيات والممزقة للشبان.. هذه الظاهرة التي إجتاحت لبنان وسوريا ومصر في تلك الحقبة، عالجها الراحل "شوشو" في عمل مسرحي لأول مرة بعيداً عن الجو السياسي وكانت أماليا جزءاً منه."

شاركت الراحلة أماليا أبي صالح مع "نيللي" في مسرحية "الدنيا دولاب" من بطولة الراحل "شوشو"، وعُرضت على المسرح الوطني في العام 1972.

عملت أماليا أبي صالح مع زياد الرحباني في العام 1982 في برنامج نقدي إذاعي في زمن الإقتتال الطائفي في لبنان، وهما من بين الفنانين الذين حاربوا الطائفية عبر أعمالهم وعدم الإنسياق وراء طائفتهم، مع العلم أن أماليا إبنة ضهور شوير والرحباني أيضاً، فلقد تزوجت من رجل مسلم وكانت تعتبر نفسها إمرأة أممية عابرة للطائفة، وفنانة لكل الطوائف وإبنة الكل .. قدمت مسرحية "البخيل" للأديب الفرنسي "موليير" وتم عرضها على المسرح الوطني في ساحة البرج في العام 1968.

شاركت في مسلسل "كابتن بوب" من بطولة إبراهيم مرعشلي، فلعبت دوراً رئيسياً وهي إبنة مدير صاحب شركة الطيران البسيطة، التي تطمح بإيجاد عريس، فيعمل الكابتن بوب على إيقاعها بحبه طمعاً بالثروة وذلك بطريقة كوميدية غير مبتذلة، العمل تم تصويره داخل إستديوهات الـ "LBC" في العام 1994، وكان العمل الأول الذي يُصور هناك.

تهديدها بالقتل إثر زواجها المختلط واللجوء لشخصية سياسية لحمايتها

تزوجت أماليا أبي صالح من محمد دمج، وكانت قد صرحت لموقع "الفن" حول تهديدها بالقتل بسبب تغيير ديانتها، فقالت :"عندما كانت الحرب في بدايتها وبما أن زوجي من طائفة أخرى أصبح البعض يقفون تحت منزلي ويهتفون "كل واحدة متزوجة من غير طايفتها حَلال ذَبحها" ، فخفت كثيراً وذهبت إلى الشيخ بيار الجميّل في الصيفي، فإتصل برئيس المنطقة وقال له "بتكتُب ورقة وبتحطها على باب أماليا يِسترجي حدا يقرّب عليها، وبتحطّلها دوشكا(حارس) ع باب بيتا بتحرسوها"، وهكذا كان "حطّولي دوشكا ع باب بيتي".

قصة معاناة إبنتها جيسيكا في حلقة تلفزيونية

استعاد أحد الإعلاميين خلال أحد البرامج حكاية الممثلة الراحلة أماليا أبي صالح، التي رغم شخصيتها وأدوارها المرحة، إلا أنها كانت تملك حكاية إنسانية مؤثرة، تمثلت في تبنيها فتاة تدعى جيسيكا (من الجنسية الجامايكية)، ويعود تاريخ القصة إلى منتصف الستينيات.

فعندما كانت الفتاة في عمر الثلاث سنوات، وبعدما توفيت والدتها التي كانت مقرّبة من أماليا، ووالدها في حادث طيران مؤلم في قبرص، ناضلت أماليا لأكثر من 50 عاماً، وظلت حتى سنواتها الأخيرة تناضل من أجل وضع جيسيكا على اسمها، ولكن أماليا أبي صالح توفيت من دون أن تتمكن من تحقيق أمنيتها بتسجيل ابنتها بالتبني "جيسيكا" على خانة عائلتها، وذلك لأن بلد الأم الجامايكية التي كانت تعمل مدرّسة في الجامعة الأميركية في بيروت، لم تكن تملك قنصلية أو سفارة في لبنان، بسبب الاستعمار البريطاني لبلدها، فكان التوجه يتم عبر السفارة البريطانية لتخليص المعاملات، وعندما تزوجت أماليا من محمد دمج ضمن زواج مختلط، حاول زوجها وضع جيسيكا على خانة عائلته لكنه لم يستطع، بسبب انتمائه الى الديانة الإسلامية.

لم تكن حياة جيسيكا سهلة، بل لا تزال تعاني حتى اليوم بسبب حرمانها من هويتها الرسمية، فهي تندرج ضمن مكتومي القيد، وهي تعيش في لبنان ولديها ثلاثة أخوة، أحدهم هو الصحافي ربيع دمج المتواجد حالياً في الإمارات العربية المتحدة، لكنها في الوقت نفسه محرومة من حقوقها الاجتماعية، ناهيك عن العنصرية اللبنانية تجاهها.

معاناتها مع المرض والإهمال والفقر في سنواتها الأخيرة

عانت أماليا أبي صالح قبل فترة من وفاتها، من مشاكل صحية وإهمال لوضعها رسمياً وإعلامياً، وكعادتنا في موقع "الفن" دائماً ما نتواصل مع كبارنا من فنانين لبنانيين، فأردنا أن نطمئن على أماليا، وكان موقعنا أول من عرف بمرض أماليا أبي صالح، وتواصلنا معها وكتبنا عن حالتها، ليضج الخبر لاحقاً في كل وسائل الإعلام، وتنهال عليها الاتصالات، ويُسلّط الضوء على وضعها الصعب، فتواصل معها العديد من المسؤولين الرسميين والمستشفيات، وتم تقديم المساعدة اللازمة لها، ولم تفارقها ابنتها جيسيكا لحظة، فوقفت إلى جانبها في شدتها، مبادلة إياها المحبة والعطاء الذي تلقته منها، لكن المنية وافتها بعد مشاكل في القلب، وهي التي كانت خضعت لثلاث عمليات بسبب عدم قدرتها على الوقوف، ولم تتابع العلاج الفيزيائي، بحيث توفيت عند الساعة الثالثة فجرًا في مستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية لبيروت، عن عمر يناهز الـ 68 عامًا بعد أن دخلت في غيبوبة استمرّت لأيام، إثر معاناتها من أمراض في القلب والرئتين والكلى.

حقائق قد لا تعرفونها عن أماليا أبي صالح

سكنت أماليا أبي صالح لمدة 13 عاماً في منزل "شوشو"، بعدما هربت مع زوجها محمد دمج، الذي تعرفت إليه في المسرح، وكان يعمل مهندساً للديكور، بسبب إعتراض الأهل والمجتمع على هذا القران بين "مسيحية" و"مسلم".

"المعلمة والأستاذ" كان أول مبتكر لفكرة كاميرات المراقبة في الصفوف، وبعد 35 عاماً تحقق المشروع مع وزير التربية اللبناني أكرم شهيب، الأمر الذي جعل اللبنانيين يتندرون بهذه المصادفة. إلتقت الراحلة أماليا أبي صالح حين كانت برفقة شوشو وفرقته، بالفنان المصري محمد عبد الوهاب، في المسرح الوطني في وسط بيروت بساحة البرج، والذي كان يحرص على زيارة هذا المسرح كل ما أتى إلى لبنان.

حدثت بعض المشاكل التي اعترضت تنفيذ وصيتها بخصوص مكان دفنها في مسقط رأسها، فتفاجأت عائلتها لاحقاً بعرقلة الطلب بسبب زواج الراحلة من رجل من غير طائفتها.

كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يشاهد مسرحية من بطولة أماليا وشوشو، وكانت تعرض في كازينو فريد الأطرش، وقد أضحكته لدرجة انه طلب منها التصوير معه والجلوس في حضنه، وهو المعروف عنه أنه موسوس بالنظافة ولا يحب مصافحة أحد باليد، لكنه كسر القاعدة وطلب منها الجلوس في حضنه وأن تتصور معه.