ليلى كرم.

.ممثلة لبنانية قديرة وإسمها الحقيقي لولو خليل كرم، هي أم الفنانين اللبنانيين بكل ما للكلمة من معنى، لها في بالنا ذكريات لا تنسى وتركت بصمة في الفن اللبناني، طبعت حقبة ذهبية من تاريخ الشاشة الصغيرة، كما كان لها حضور مميز في بعض الأفلام والمسرحيات، كانت مقصداً أساسياً لكل الممثلين الجدد الذين كانوا يلجأون إلى الست ليلى، التي كانت تشرح لهم أصول التمثيل أكاديمياً، رغم أنها ليست أكاديمية، لكن أكثر أدوارها لا زالت حتى اليوم تبعث فينا البسمة.

النشأة والبداية
ولدت ليلى كرم في برج حمود عام 1937 في العاصمة اللبنانية بيروت، وكانت تُجيد الفصحى بطلاقة على الرغم من أنها تركت المدرسة بعُمرٍ صغير، إلا أنها كانت تعشق القراءة والإطلاع، وإستطاعت أن تُثقّف نفسها بنفسها، تزوجت لاحقاً من رجل في زواج مختلط دينياً وأنجبت منه ابنها الوحيد طارق، وهي ليست كما يشاع الشقيقة الكبرى للمُمثلة نبيلة كرم التي شاركتها في مسلسل "الدنيا هيك"، ولعبت دور حبيبة كوكو الذي أدى دوره الممثل اللبناني يوسف فخري، ويعرفها الجُمهور المصري في بعض أدوار الإغراء والتي لم تخرج عنها كثيراً، وقامت بإنتاج بعض أفلامها.
حاولت ليلى كرم في بداية حياتها احتراف الغناء عام 1955، ولكنها لم تجد نفسها في هذا المجال فتركته وإتجهت الى إذاعة الشرق الأدنى في عام 1956، والتي أصبحت في ما بعد إذاعة لبنان وقدمت عدداً من المُسلسلات، وظهرت في عدد من الأفلام في لبنان ومصر في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، واشتهرت بالأدوار الدرامية والفكاهية المُركبة.
وقد كان مقدّراً مُنذ البدايات الفنية لها أن تكون في الصف الأول لكن حظها تعثر، ولا أحد يدري لماذا فلم تحصل على أدوار تستحقها على الرغم من قُدراتها الهائلة في أداء الشخصيات النسائية المُختلفة والمُتناقضة، وربما نتج ذلك بسبب عدم تخرّجها الأكاديمي، ولكنها مُمثلة عصامية صنعت نفسها بنفسها في إدارة مُخرجين عملت معهم طوال مسيرتها الطويلة، فكانت تتنقل من الإذاعة إلى الخشبة إلى الشاشة الصغيرة أيام الأبيض والأسود بلا مشقة ولا كلل، ومن الغريب والعجيب أن هذه الممثلة التي ملأت ليالي اللبنانيين مرحاً وسروراً من خلال الشخصيات الشعبية التي أدّتها.
وكانت آخر إطلالة لـ ليلى كرم في مسلسل دون مُستواها و هو "مرتي وأنا" وهي لم تكمل أصلاً وانسحبت منه باكراً، وكان هذا المسلسل من أسوأ الأعمال التي شاركت فيها في أعوامها الأخيرة، من أجل المال وليس أكثر! وهذا ما صرحت به لإحدى المجلات اللبنانية، إذ قالت بالحرف الواحد: "ماذا أفعل تجاه مصاريف الحياة المُتكالبة، كان أمامي أمران إما أن أتجه لأدوار المُقاولات والتعري، وهذا ما رفضته بشدة، وإما أن أقبل أدواراً دون المُستوى يكرهها الجمهور، ولكن لا أفقد احترامي بها في أعينهم ولذلك اخترت الأمر الثاني، لأن الفنان في الأصل سُمعة فإن ضاعت ضاع معها شرفه وكرامته وتاريخه بأكمله".

أستاذة الكوميديا وسيدة الشاشة اللبنانية
ليلى كرم أستاذة من طراز نادر في الكوميديا، هي وردة "الدنيا هيك"، وظريفة "المعلمة والأستاذ"، وكأن الكوميديا خلقت لها، رغم أنها أبدعت في الأدوار الدرامية، وطوّعت ملامحها لتؤدي الشخصيات بكل مهارة وصدق، في المسرح هي عمة نعمان في مسرحية "ميس الريم"، التي لا يزال صوتها المسرحي الجهوري المهدد لإبن أخيها نعمان، بعدم العودة إلى حبيبته يتردد في أسماعنا.
هي سيدة الشاشة اللبنانية التي شهدت القاصي والداني بحضورها الطاغي، خصوصاً مع حلقات مسلسل "حول غرفتي"، والذي قدمت خلاله حلقات خاصة من مسرحيات عالمية، أدت فيها أدواراً من الصعب أن يؤديها أحد آخر ببراعتها.
مثلت في منتصف التسعينيات بالمسرحية الغنائية "سفرة الأحلام"، من تأليف وتلحين الفنان إلياس الرحباني، ومن بطولة الفنانة الإستعراضية مادونا.

أعمالها
قامت ليلى كرم بدور "أم ملحم" مع أبو ملحم (أديب حداد)، قبل أن تحل محلها زوجة الأخير سلوى حداد في المسلسل الشهير "أبو ملحم"، الذي قدمته شركة التلفزيون اللبنانية، التي تحولت لاحقاً إلى تلفزيون لبنان في مطلع الستينيات من القرن الماضي، ومن أشهر مُسلسلاتها "الدنيا هيك" و"أيام الدراسة" و"إبراهيم أفندي" و"المعلمة والأستاذ" مع إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللمع، و"أحلام وليالي"، أما أبرز أعمالها السينمائية فكانت "بنت الحارس" و"سفر برلك" و"نغم في حياتي" و"حبي الذي لا يموت"، كما قدّمت العديد من الأعمال على خشبة المسرح، مثل "غابة الفرح" و"رحلة العجائب" و"مؤامرة مُستمرة" و"الكاوبوي مر من هنا" و"بوب والأربعين حرامي" و"دنيا الوطن".


تكريمات
تم تكريم ليلى كرم بعددٍ من الجوائز، منها جائزة موركس دور ببيروت في 20 يونيو/حزيران 2007، لكن مرضها منعها من الحضور لتسلم "الموركس الفخرية التكريمية لممثلة لبنانية من الرائدات"، وكان لنقيب الممثلين أنطوان كرباج في حفل توزيع جوائز "الموركس" لعام 2007، كلمة مؤثرة عن ليلى كرم، وقال حينها: "فنانة كبيرة من لبنان، مقعدة وصحتها تعيسة، وأنا آسف للحالة التي وصلت إليها ليلى كرم وكثيرون من الفنانين زملائي يلازمون الفراش، لا تملك ثمن الدواء في بلد يدعي الحضارة والثقافة"، وأضاف: " ليلى، نحن زملاؤك ولن ننساك ولو تخلى عنك كل الناس".


معاناتها
رفعتليلى كرمصوت استغاثة مرة تلو أخرى حين داهمها المرض، لكنّ ما من أحد رمى إليها خشبة إنقاذ ما عدا مُبادرات قليلة جداً، كان يقوم بها زملاء لها وأصدقاء ليسوا فى حال أفضل من حالها، فقد عاشت ليلى أعوامها الأخيرة في الظل بعدما أصابها مرض الكلى وحال دون مواصلتها العمل، وكانت تُعاني فقراً مُدقعاً حتى أنها لم تكن تملك في أحيان كثيرة أجرة التاكسي لتعود الى منزلها الصغير، بعد انتهاء التصوير في الستوديو.
هي "أم المراجل" التي حملت على عاتقها هموم ومصاعب الفنان اللبناني، عن العيش بكرامة في وطنه في أواخر عمره، فمن النادر أن نجد لها لقاء لم تذكر فيه أحباءها الذين رحلوا، ولم يكونوا بأفضل حال كـ فريال كريم ومحمد شامل وعلياء نمري.
وقالت في حديث صحفي: "لا يتذكروننا إلا عندما نموت، هذا إذا فعلوا، فلماذا علينا أن نذكرهم نحن أو نبدي إعجابنا بهم".

وفاتها
تمكّن المرض من ليلى كرم، التي مرّت في فترة حرجة، وأمضت أيامها الاخيرة في المستشفى، كما عانت العوز، إذ بلغت حاجتها إلى المال ذروتها في الأشهر الاخيرة، عندما كانت تضطر إلى ملازمة المستشفى أياماً وليالي، وتوفيت يوم 2 كانون الأول/ديسمبر عام 2008، في إحدى مُستشفيات بيروت، وأُعلن الخبر فجراً.
رحلت ليلى كرم وحيدة فقيرة مقهورة، وهي التي كانت في يوم بمثابة البسمة الجميلة على الشاشة الصغيرة والكبيرة أيضاً، والحقيقة فقد سبقها الكثير من رفاق جيلها الى الرحيل، وسيلحقها جيلٌ آخر سيطويه النسيان إن لم تعمد نقابة المُمثلين اللبنانيين إلى إحياء ذكراهم، كما حدث مع نسيان وتجاهُل ذكرى ليلى، والاهتمام بإدخالهم إلى نظام الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي ودعمهم، خصوصاً لمن لم يستطع أن يجمع مالاً يكفيه لأيامه الصعبة.