من منا لم يسمع بأغاني الفنان السوري الراحل فهد بلان، الذي صدحت حنجرته بتلك الأغنيات التي خالطت الدم والروح، وألهبت المشاعر الوطنية والعاطفية.


إنه صاحب الصوت الجبلي الأشهر بين أقرانه، والذي إستطاع بصوته القوي الصافي وأدائه الفني، نقل تراث وبيئة بلاده إلى العالم العربي بأكمله، ليجعل الأغنية السورية مألوفة ومنتشرة، بشكل واسع وغير متوقع.
ولد في مدينة السويداء بسوريا يوم 22 آذار/مارس عام 1933، وتوفي في 24 كانون الأول/ديسمبر عام 1997.

بداياته
كان والده حمود مشهوراً بقوته الجسدية والكرم، ولكن بعد تفتت أسرة فهد بلان غادر مع والدته من قرية ملح، وعمل في كثير من الأعمال التي تتطلب قوة جسدية، ومن أحد الأعمال أنه عمل مرافق سائق باص من وإلى دمشق.
إشترك في مسابقة فنية، وأدى أغنية الفنان فريد الأطرش في أغنية "تطلع يا قمر بالليل" ونجح بشكل كبير، بعد ذلك وفي دمشق تقدم إلى الإذاعة السورية، وعمل في كورس الإذاعة إلى حين كانت أغنيته الأولى مع سحر "آه يا قليبي"، وبعدها "آه يا غزال الربى" التي لحنت من قبل رجل غير موسيقي، على إيقاع عزف من قبله على الطاولة.

نجوميته
تعرف على الملحن والأب الموسيقي الحقيقي للظاهرة الفنية في الأغنية العربية والسورية عبد الفتاح سكر، الذي لحن له مجموعة من الأغاني الشهيرة مثل "واشرح لها"، و"جس الطبيب"، و"لاركب حدك يالماتور"، و" تحت التفاحة"، و"يا عيني لا تدمعي"، و"هالأكحل العينين"، و"يا سالمة" و"يا ساحر العينين" و"يا بنات المكلا".
ويعتبر هو وراء نجومية فهد بلان، الذي إنطلق كالصاروخ فنياً واستطاع أن يصل للنجومية أسرع بكثير من سرعة الضوء، وأصبح أحد المطربين المميزين في سوريا، وقدم في الإذاعة السورية الكثير من الأغاني، ثم أصبح يعد أحد المطربين العشرة الأوائل في العالم العربي.

إلى مصر
إنتقل فهد بلان إلى مصر، فأقام فيها ما يزيد على تسع سنوات في القاهرة، إستطاع فيها أن يسيطر على الساحة الغنائية سواء بألحانه السورية أم بالألحان، التي قدمها له الملحنون اللبنانيون والمصريون.
نجاح الأغاني الشعبية التي قدمها له عبد الفتاح سكر وسهيل عرفة وشاكر بريخان، وفيلمون وهبة، الذي قدّم له "يا خيال يا رايح على الجولان" و"عباية مقصبة"، وملحم بركات "ما اشتقتيش" و"قوم تعلل يا مدلل"، وعفيف رضوان "أنا صياد شارد بالبراري"، وحسن غندور موشح "دع الملامة"، دفع بالعديد من الملحنين المصريين أن يقدموا له ألحانهم، فلحن له بليغ حمدي "بحري الهوى" و"من غير ميعاد" و"على كفي"، وخالد الأمير "ركبنا على "الحصان" و"دوري دوري" و"أهلانين وسهلانين.
وكذلك سيد مكاوي قدم له "يابو الطاقية" وموشح "مال واحتجب"، وهذا الموشح من كلمات أحمد شوقي.
ولكن كان أكثر الألحان شهرة ما قدمه فريد الأطرش بأغنيته "ما اقدرش على كده" وأغنية ""وشوي شوي يابنية.
بعيداً عن الغناء، شارك فهد بلان في الكثير من الأفلام السينمائية، منها "يا سلام عالحب" عام 1963 و"أفراح الشباب" و"أنت عمري" و"عقد اللولو" عام 1964 و"حبيبة الكل" و"ليالي الشرق" عام 1965 و"القاهرون" و"عاريات بلا خطيئة" عام 1967 و"فرسان الغرام" و"أين حبي" عام 1968 و"لسنا ملائكة" عام 1970 و"عجيب أفندي" عام 1971 و"أنا أنت" عام 1976.

اللون البدوي
في أواخر عام 1957 تعرف على الملحن سهيل عرفة، وكان أول عمل مشترك لهما أغنية "يا بطل الأحرار" التي نظمها راشد الشيخ، في مطلع عام 1958 ابتهاجاً بقيام الوحدة بين "سوريا ومصر"، ثم غنى بعدها في الشهر السابع من عام 1959 أغنية "مشغول بحبك" التي نظمها مسلم برازي ولحنها راشد الشيخ، وفي التاسع من كانون الأول/ديسمبر عام 1959 غنى من كلمات حسن البحيري وألحان عبد الفتاح سكر أغنية "لعينيك يا حرية".
وبعد أن التقى مع الفنان شاكر بريخان في إذاعة "حلب"، قدما مع المطربة الراحلة فضيلة مقلة، المعروفة بإسم "سحر" أغنية "آه يا قليبي".
صبغت أغانيه منذ حينها باللون البدوي، وتجسد اللون الجميل معه بالأداء الأجمل، إلى أن التقى فنياً مع عبد الفتاح سكر الذي قدم له ألحاناً كثيرة وجميلة، وخاصة أغنيتهما الأولى التي تعتبر لوحة غنائية شعبية "لركب حدك يالموتور"، وتوالت الأغنيات بعدها .

ثم انتقل فهد بلان إلى بيروت وظهر في أحد البرامج، وأطلق عليه المذيع لقب "مطرب الرجولة"، في حينها قدم له سهيل عرفة لحناً جسد لونه الرجولي في أغنية "الأمس كانت تهوى وجودي"، وفي بيروت كانت شهرته كبيرة جداً، فقد قدم فيها أغاني عديدة ومثل أفلاماً سينمائية تصل إلى أكثر ،من ثلاثة عشر فيلماً مشاركاً فيها البطولة مع نخبة من نجوم السينما العربية من لبنان ومصر، ولاسيما الممثلة مريم فخر الدين التي كانت نتيجة فيلمهما "فرسان الغرام" أن وقعا في الغرام والزواج، وكذلك إشترك مع صباح في أفلام "عقد اللولو" و"أين حبي" و"حبيبة "الكل"، ومع المطربة نجاح سلام في فيلم "يا سلام على الحب".

جلطة دماغية
مع قدوم سنة 1997 أصيب فهد بلان بنزيف في الدماغ ونقل إلى المستشفى، وعندما عاد أخذ بأسلوبه الريفي البسيط يخفف من خوف الأقرباء والمعجبين ورجال الصحافة، ويصف النزيف بالخثرة البسيطة، ولكن الأعراض تفاقمت وأدت إلى جلطة دماغية حادة لم تمهله الوقت، فلقد توفي في 24كانون الأول/ ديسمبر من السنة نفسها عن عمر لم يتجاوز الـ 64 عاماً، تاركاً أكثر من 500 أغنية عاطفية ووطنية واجتماعية ظلت ماثلة في وجدان الجمهور حتى اليوم.

زواجه
تزوج فهد بلان من الفنانة المصرية مريم فخر الدين، وكذلك من الشحرورة صباح، والفنانة اللبنانية آمال عفيش.