علياء نمري ..الممثلة اللبنانية الراحلة التي جسدت كل معاني الأمومة على الشاشة، ونقلتها إلى المشاهدين، ولقد تصرفت في حياتها كأم لكل من عمل معها وصادقها وترافق معها. تميّزت بإبتسامة سمحاء، وبنت جسر حنان بينها وبين جمهورها لم يستطع لا الزمن ولا رحيلها أن يهدمه.. ارتبط اسمها بذاكرتنا وطفولتنا وحنيننا إلى الفن الصادق الجميل، إلى الأصالة والعفوية والطيبة، فهي حين كانت تظهر على الشاشة أو على المسرح لم تكن تمثل، بل كانت تعيش تفاصيل الشخصية بشكل حقيقي إلى درجة أننا كنا نتفاعل معها وكأنها موجودة معنا، صدقها مع نفسها وتصالحها معها وإنسانيتها وتصرفاتها، ونظراتها الصامتة العارمة، تركت فينا أثراً أبدياً. نقلت هذه الطيبة والمحبة النابضة والموهبة الكبيرة، إلى إبنتها الوحيدة الممثلة اللبنانية ليليان نمري.

نشأتها وزواجها

ولدتعلياء نمريفي بلدة الدامور الشوفية في عام 1932، ورحلت عن عالمنا يوم 18 شباط/فبراير عام 2005 بعد معاناة طويلة مع المرض، عن عمر ناهز الـ73 عاماً.
كان والدها أمين شعيا مزارعاً بسيطاً، لكنه أيضاً كان فنانًا بالفطرة، إذ شارك في أداء أدوار مسرحية في الاحتفالات التي كانت تقام في بلدته. وحين حلّت الحرب العالمية الثانية، كان من بين اللبنانيين الذين قاتلوا إلى جانب قوات الحلفاء ضد العثمانيين.
لم تتلقَ علياء نمري تعليماً مدرسياً، إذ إن التقاليد في ذلك الزمن كانت تعتبر أن الصبي في المدرسة أما البنت فمكانها البيت، ولملء وقت فراغها تعلّمت الحياكة من والدتها سارة، وظلت طوال حياتها تحيك الملابس لها ولأولادها، ولم تتوقع أبداً أن تصبح في يوم من الأيام ممثلة، إذ إنه في ذلك الزمن كان الرجال يقومون بلعب أدوار النساء، لكن الفنان عبدو نمري الذي أصبح لاحقاً زوجها والذي كان معروفاً بالإسم الفني شرنّو، زار في أحد الأيام مغنية العائلات في المنطقة ليتفق معها، على المشاركة في أحد أعماله المسرحية، وهناك رأى علياء وهي في سن الخامسة عشرة تلعب على "الحبلة" قرب منزلها الريفي البسيط، فأُعجب بها كثيرًا، وما لبث أن طلب يدها للزواج وتم الأمر سريعاً فتزوجا بعد أسبوع فقط، وكانت حصيلة حياتهما الزوجية خمسة أولاد، هم :"إيلي (مخرج سينمائي)، جورج وميشال (مهندسا ميكانيك)، طوني (شيف في أحد أرقى الفنادق الأسترالية) وليليان الممثلة الكوميدية المعروفة، والتي قدمت وتقدم برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة ومسرحيات ومسلسلات.

حياتها البيتية

كانت علياء نمري أماً بالفعل لجميع من عملوا معها وعرفوها عن كثب، فهي القديرة والإنسانة الخلوقة. عملت كثيرًا تحت الأضواء، وانصرفت إلى عملها وعائلتها وبيتها وكتابها، فقد كانت تعشق المطالعة، والمرأة التي لم تدخل المدرسة يومًا، قرأت مئات الكتب. ولكنها في أيامها الأخيرة عانت كثيراً من المرض، فوقفت ابنتها ليليان إلى جانبها، وإضطرت للإستدانة لتتمكن من تحمل نفقات والدتها العلاجية.

إنطلاقتها ودور زوجها في دعمها

شجع الممثل الراحل عبدو نمري زوجته، واكتشف فيها موهبة تمثيلية تستحق أن تبرز، وبدأت عندما كان زوجها شرنّو يعرض مسرحية "الضرير"، بعد تخلّف بطلة المسرحية عن المجيء بسبب سفرها إلى العراق لإحياء حفلة غنائية، فأنقذت علياء الموقف، واعتلت خشبة المسرح ومثلت الدور بإتقان وبمهنية عالية، فهي كانت قد حفظت جميع الأدوار والحوارات، وكانت البروفات تتمّ في منزلها لكن علياء خافت في البداية من معارضة أهلها، ولا سيّما أن عماتها راهبات، فأرسلت رسالة إلى الإعلامية الكبيرة إدفيك شيبوب، وسألتها عن الموضوع فشجعتها، وقالت لها: "أنت بكنف زوج ممثل... والقرار النهائي عائد لك، لكن بما أن عائلتك متحفظّة وملتزمة دينيًا، يمكنك اختيار أدوار الأم أو الجدة والخالة".
عملتعلياء نمريبالنصيحة، ورفضت جميع الأدوار وتقمصت ببراعة استثنائية أدوار الأم والجدة والخالة طوال حياتها المهنية، على الرغم من العروض التي تهافتت عليها بسبب جمالها الباهر، وكان عمرها وقتها 23 سنة فقط عندما جسدت دور "ستي الختيارة". تتلمذت على يد زوجها شرنّو الذي علّمها أصول الكتابة والقراءة في المنزل، ومعًا سارا طريقاً طويلاً تألقت فيه، من دون أن تخسر ذرة تواضع أو طيبة.

شهرتها وأعمالها

شكلتعلياء نمريوزوجها في بداياتهما ثنائياً ناجحاً، فشاركته في العديد من البرامج التي ترافقت مع انطلاقة تلفزيون لبنان الأولى، وعملت معه في حلقات كثيرة من برنامج "يا مدير"، ثم أُسند إليها بعد ذلك دور البطولة في مسلسل "الأم الختيارة" من كتابة إيلي ضاهر وبطولته. وما لبث أن لمع إسمها بسرعة لا مثيل لها في عالم الفن، وبدأت الصحافة اللبنانية تكتب عنها وتراقبها، فكلما أطلّت عبر الشاشة الصغيرة، كتبت عنها مئات الأقلام الصحافية بحب وإنصاف.

الأم لعدة أجيال

شاركتعلياء نمريمع أبو ملحم في مئات الحلقات ولعدة سنوات، مجسّدة دور الأم، وقدمت العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية والإذاعية لسنوات طويلة، وحملت ألقاباً كثيرة من قبل الصحافة في لبنان. ومن ألقابها الشهيرة "أمينة رزق لبنان"، "الأم البلدية"، "إم خليل"، "إم الأخوت"، و"إم لبنان".
قادت مع فيليب عقيقي وشوشو وشفيق حسن ومحمد شامل، وإيلي ضاهر وليلى كرم ولمياء فغالي وأمال العريس، ووفاء طربيه وأبو سليم وأبو ملحم نواة التلفزيون العربي، من خلال أول شاشة ناطقة بالعربية، أي من خلال تلفزيون الشرق الأدنى من بيروت، و قدمت مع كوكبة كبيرة من رفاق الدرب الشائك الأعمال الدرامية على الهواء مباشرة ومن غير تسجيل، وما أن اشتدت عزيمة التلفزيون أخذت مع شلالات الفن بتأدية أجمل الأدوار، وأكثرها حضورا في الذاكرة اللبنانية دور "الست شروف" في المسلسل الاجتماعي الكوميدي "الدنيا هيك"، مع فريال كريم وإلياس رزق وشفيق حسن ويوسف فخري وماجد أفيوني، وآخرين.

ومن المسلسلات التي مثلت فيهاعلياء نمري:"أخوت شاناي"، "السراب" "مذنبون ولكن"، "فارس يقبر أمو"، "لا أمس بعد اليوم"، "ميليا"، "عاشق الذهب"، "المعلمة والأستاذ"، "إبراهيم أفندي"، "كابتن بوب"، "جرجي إبن إم جرجي"، "الضيعة بألف خير"، "اللعبة"، "ريكي وربيع"، "لوحة وكذبة ملوّنة"، "الدنيي هيك"، "العائلة السعيدة"، "عائلة الشوبكلي"، "مذكرات ممرضة"، وكان "أوراق الزمن المر" آخر المسلسلات، وقدّمت العديد من الأعمال من كتابة الشاعر يونس الإبن وزوجها شرنّو، وإلياس ناصر وطلال الدجاني. كما مثلت في عدة أفلام تلفزيونية، منها "الحلم الكبير" مع فيليب عقيقي، "حكاية الإسوارة" مع السيدة فيروز، و"الأبواب المغلقة" مع زياد أبو عبسي.

في المسرح

شاركتعلياء نمريمع نبيه أبو الحسن في "أخوت شاناي"، ومثلت 16 مسرحية مع زوجها، منها "طبيب بلا شهادة"، "إستراحة أميركية بالأراضي اللبنانية"، "شو بيت يا بيك" و"الضرير"، بالإضافة إلى "صبي وين بدو يروح" لمروان نجار، و"كراسي ومفاتيح"، و"برلمان عين كفاع".

في السينما والإذاعة

شاركت علياء نمري في أكثر من 12 فيلماً سينمائياً، من أهمها: "مولد الرسول" للمخرج هنري بركات، "حياة القديس شربل" للمخرج نقولا أبو سمح، "العمياء" مع سميرة أحمد، "كلنا فدائيون" مع أندره جدعون، "شارع الضباب" مع الشحرورة صباح، "موعد مع الحب" مع إلسي فرنيني، "حسناء وعمالقة" مع محمد المولى وحكمت وهبي وفؤاد شرف الدين، "المخطوف" مع إبراهيم مرعشلي، و"الرهينة" مع إحسان صادق.
وعبر أثير الإذاعة، أطلت بدور "إم خليل"، وعدة أعمال أخرى مع إلياس ناصر وطلال الدرجاني.