صَلِيحَة مطربة تونسية من الزمن الجميل، وإسمها الحقيقي صلّوحة بنت إبراهيم بن عبد الحفيظ، ولدت عام 1914 في نبر التي تقع في منطقة كيف.


عُرفت أنها صاحبة صوت شجيّ، تميّز بمسحته البدويّة، التي حملتها معها من جذورها.

نشأتها
إنتقلت عائلة صليحة إلى منطقة ماطر وصولاً إلى العاصمة تونس حين كانت صغيرة، وذلك لأن والدها إبراهيم كان يبحث عن عمل ولم يستطع أن يجد وظيفة مناسبة له في المنطقة التي كان يسكن فيها، فانتقل مصطحباً عائلته معه.
وفي تلك المنطقة وضع الوالدين صليحة وشقيقتها الكبرى إيليجا في عائلة برجوازية اهتمت بهما كنوع من الرعاية، وهي عائلة محمد بك شقيق منصف بك، الذي كان يستقبل في ذلك الوقت في منزله الفنانين الكبار، ويعلّم الأميرات الغناء والعزف على آلات مختلفة.
إحتكّت صليحة بسبب العائلة التي ترعرعت عندها بهذه البيئة الفنية، وبدأت تطوّر قدراتها من خلال تقليد أغاني الأميرات بطريقة بدوية.
أصبحت علاقتها بالمجتمع الفني مباشرة، وذلك بعدما انتقلت عام 1927 إلى منزل مغنية محترفة تدعى بدرية لتعمل لديها كمدبرة منزل، وهناك اكتشفت موهبتها الغنائية من قبل المحامية حسونة بن عمار التي كانت تزور الفنانة.

الحزن خيّم على حياتها
قبل وصولها الى الشهرة، عانت صليحة كثيراً من الظروف العائلية التي خيمت عليها، فالموت المفاجئ لأشقائها الأصغر سناً وطلاق والديها، جعلا الأمور صعبة كثيرة عليها.
بعد الطلاق إختارت شقيقتها الكبرى أن تعيش مع والدها، بينما فضّلت صليحة البقاء مع والدتها.
تم تزويجها غصباً عنها، إلا أن زواجها لم يعرف الأيام السعيدة، خصوصاً أنها أنجبت 3 مرات ولم تعش سوى إبنتها "شبيلة"، التي سارت على خطاها وأصبحت فنانة.

بداية مسيرتها الفنية
إلتقت صليحة بجيجي سردحي، عازف ومدير أوركسترا فإنضمت إلى فرقته الموسيقية، إلا أنها كانت تحت اسم مستعار وهو "سكينة هانم"، وقد ألّف جيجي بعض الأغنيات لها.
في عام 1938 ظهرت للمرة الأولى على المسرح بمناسبة افتتاح راديو تونس، وغنت على المسرح البلدي في تونس خلال حفل موسيقي بث على الهواء مباشرة عبر الراديو.
ثم إلتقت صليحة بـ مصطفى الصفار، مؤسس فرقة "الرشيدية" La Rachidia الذي جعلها تنضم إليها، وتم الإتفاق بعد ذلك على أن تتقاضى أجراً شهرياً مع دفع إيجار سكنها، مقابل أن تتعهد بالغناء فقط لصالح الرشيدية.
بعدها تبنى الموسيقيون خميس ترنان ومحمد التريكي وصلاح المهدي موهبة صليحة، وألفوا لها سلسلة من الأغاني. نالت هذه الاعمال استحساناً كبيراً، إلا أنها واجهت في الوقت نفسه سلسلة مشاكل وإخفاقات، بعد أن تركت فرقة الرشيدية لشق طريقها الفني المنفرد.

أعمالها
لُقّبت صليحة بـ"أم كلثوم تونس" و"كوكب المغرب العربي"، وقدمت حوالى 60 أغنية، موزعة بين الإذاعة وأخرى سجلتها على أسطوانات، ومن أكثر الأغنيات التي علقت في أذهان الجمهور "أم الحسن غنّات فوق الشجرة.."، ويقول الموسيقييون إن سر نجاحها يكمن في حفاظها على النفس البدوي في صوتها، وسلامة مخارج الحروف لديها، إضافة إلى تعاونها مع أشهر الفنانين والشعراء مثل محمد المرزوقي، محمد العربي الكبادي، عبد المجيد بنجدو...
وقدمت صليحة أغنيات في المناسبات الدينية "يا الـ محمد يا مسلمين.. شهر الصيام حل" وغيرها..
وكانت صليحة واحدة من الفنانات القلائل اللواتي تغنّين بالعزوبية، وتقول إحدى اغنياتها "عازبة ومبسوطة ونا كبدتي محروقة.."

مرضها وتجاهلها العلاج
في تلك الفترة عانت صليحة من وعكة صحية، إلا أنها لم تبالِ بنصيحة أطبائها، الذين طلبوا منها البقاء في السرير، وأن ترتاح حتى إنهارت على المسرح في إحدى الحفلات عام 1957، ثم خضعت لعملية جراحية، وبقيت صليحة طريحة الفراش لمدة ثلاثة أشهر، لكن على الرغم من الشفاء التام، قررت العودة إلى الغناء مع أن الأطباء طلبوا منها أخذ قسط أطول من الراحة.

وفاتها
بعد وقت قصير إنهارت صليحة من المرض، وغنت للمرة الأخيرة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1958 على المسرح البلدي في تونس، خلال حفل موسيقي ضم مغنيين من المغرب العربي.
أُصيبت بمرض عضال خطير، فأصبحت لا تستطيع الوقوف وتتنقل على كرسي، وبعد خمسة عشر يوماً، بعد إجراء عملية جراحية ثانية، توفيت في 26 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1958، عن عمر يناهز 44 عاماً.
موتها ويوم دفنها كانا حدثاً وطنياً، ولقد واكبها إلى مثواها الأخير حوالى 20 ألف شخص من محبين ومعجبين.