يعود تاريخ الدراما السورية إلى عام 1960، فمع إنطلاق التلفزيون السوري إنتقل اليه العديد من الشخصيات الفنية التي شقت طريقها في المهنة من خلال الفرق المسرحية التي كانت ناشطة قبل سنوات من إنطلاق التلفزيون.


شكل أول ظهور للدراما السورية مع الممثل السوري نهاد قلعي والممثل السوري دريد لحام والممثل السوري رفيق سبيعي والممثل السوري محمود جبر، حيث كان قلعي يقدم برنامجاً كوميدياً يتضمن مشاهد كوميدية خفيفة من بطولة لحام وجبر وكل فريق العمل، وكان البرنامج يحمل عنوان "سهرة دمشق".

العمل الدرامي الأول في تاريخ الدراما السورية

أما العمل الدرامي الأول الذي عرض رسمياً في سوريا كان مسلسل "تمثيلية الغريب" في عام 1960، وكان يتناول العمل أحداث الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها، وكان من بطولة ثراء دبسي وياسر أبو الجبين وبسام لطفي ومن إخراج سليم قطايا.
بعد هذه الإنطلاقة تداعت الفرق المسرحية كمسرح حلب ومسرح الشعب إلى تأسيس نقابة الفنانين والمسرح الإيمائي في سوريا، وكانت خطوة بالإتجاه الصحيح لظهور جسد فني منظم بُنيت عليه الدراما السورية.
كان لمسرح الشوك الذي تأسس عام 1970 عبر الممثل السوري الراحل عمر حجو وقدمت عليه الفرقة التي ضمت أبرز الأسماء السورية باقة من أجمل الاعمال المسرحية التي عرضها التلفزيون السوري.
بعد تأسيس مسرح الشوك وبروز أسماء كبيرة في عالم المسرح السوري كالكاتب محمد الماغوط، والممثلين عمر حجو، ودريد لحام ونهاد قلعي وصباح الجزائري و​حسام تحسين بك​ وغيرهم.
وفي عام 1974 قدم الممثل السوري ياسر العظمة أشهر مسرحياته الكوميدية وهي "ضيعة تشرين" التي كتبها الأديب ​محمد الماغوط​ وأخرجها الممثل ​دريد لحام​ وشارك فيها كممثل أيضاً، من ثم عرضت مسرحيات على التلفزيون السوري وحققت نجاحات كبيرة ولا تزال كمسرحية "كاسك يا وطن" التي تم تقديمها في العام 1979.
بالتزامن مع نهضة المسرح كانت الدراما السورية تنتعش وتقوم على أساس الممثلين المسرحيين، فبرزت شخصية "غوار" الشهيرة التي قدمها الممثل السوري دريد لحام مسرحاً وتلفزيوناً وبالسينما عبر مسلسل "صح النوم"، "حمام الهنا"، وفيلم "صح النوم"، كذلك برزت العديد من الأعمال مثل مسلسل "الحب والشتاء"، عطر البحر، القيد، طرائف أبي دلامة، لك يا شام (وهو أول عمل شامي)، علاء الدين أبو الشامات، طبول الحرية، الدولاب، وكان عرّاب تلك المرحلة المخرج السوري غسان جبري ويعد من أوائل مخرجي ومنتجي الدراما السورية.

المرحلة التطورية الثانية للدراما السورية:

ترتكز المرحلة الثانية لتطور الدراما السورية على عدة مفاتيح، وأهمها دريد لحام وأعماله، المخرج بسام الملا ومسلسلاته الشامية، والممثل السوري ياسر العظمة وسلسلة "مرايا".
استكمل لحام مسيرته عبر شخصية "غوار" وغيرها من الأعمال، وانتقل الى تقديم أعمال سينمائية الى جانب الأعمال الدرامية وغيرها، في وقت دخلت سلسلة "مرايا" في سياق درامي كوميدي ساخر أسس لمدرسة فنية درامية مستقلة عن كل ما كان يُقدم في هذه المرحلة تحديداً.
كانت الدراما السورية تنطلق بصورة مميزة وبدعم حكومي، ومساندة للممثلين والكتاب، وما ساعد الدراما في تلك المرحلة التطور التلفزيوني وتقنياته ودخول عالم الألوان، مما جعل التخصص التلفزيوني سواء في الإخراج أو الكتابة الدرامية او السينمائية تزدهر، وكانت تلك "المرحلة التأسيسية" للإنطلاقة الفعلية للدراما السورية التي دخلت الدول العربية وأصبحت الرقم الأصعب لسنوات.

نجدة أنزور.. المخرج الذي قلب موازين الدراما السورية
عندما يتطرق أي كاتب لموضوع نشأة وتطور الدراما السورية لا يمكنه أن يغفل إسم المخرج السوري نجدة أنزور والذي يعد العلامة الفاصلة في تاريخ الدراما السورية حيث أدخل خطاً إخراجياً جديداً بالتقنية والصورة والتطور على الدراما من خلال عمله الدرامي "نهاية رجل شجاع" عام 1994 وكان بمثابة جواز السفر الأول للدراما السورية في انطلاقتها الجديدة الى العالم العربي من أوسع الأبواب، وأتبعه بمسلسل "إخوة التراب"، و"الموت القادم الى الشرق".
بالتزامن مع أعمال أنزور كان المخرج بسام الملا ينافس أبرز الأعمال العربية المصرية وغيرها بأعمال البيئة الشامية كمسلسلات "أيام شامية، "الخولي" وغيرها، بالاضافة الى بروز اسم مسلسل "حمام القيشاني" الذي أخرجه الممثل السوري هاني الروماني.
هذه المرحلة من عمر الدراما السورية كانت تتزامن مع مرحلة تقنية عالمية قلبت موازين البث التلفزيوني حيث ظهرت الاقمار الاصطناعية والقنوات الفضائية، التي كانت الممر التسويقي الأول لإنتشار الدراما السورية.

الأعمال الكوميدية تظهر بقوة.. أيمن زيدان يتزعم الشاشة

ما بين عام 1990 وبدايات الألفية الثانية لمع نجم الكوميديا في الدراما السورية بشكل كبير، فبالتزامن مع مسلسلات الحروب والإستعمار وتجسيد الحقبة العثمانية، برز نجم الممثل السوري أيمن زيدان بشكل كبير وتحديداً مسلسل "يوميات مدير عام" عام 1995، وتبعه بعد ذلك بمسلسلات لا تزال تلقى رواجاً حتى الآن كمسلسل "يوميات جميل وهناء"، فيما أسس المخرج هشام شربتجي منذ العام 1990 لسلسة عائلة "خمس/ ست/ وسبع نجوم"، كما كانت سلسلة "مرايا" تلقى النجاح الكبير، ومسلسل "دنيا" الذي تم تقديمه بالعام 1999.
صعود الخط الكوميدي وتحقيقه لإنتشار عربي أعاد الممثل السوري دريد لحام من جديد الى الساحة بصورة جديدة غير مرتبطة بشخصيته التاريخية "غوار"، حيث عاد عبر مسلسل "يوميات أبو الهنا" الذي حقق النجاح المطلوب، تبعه مسلسل "عائلتي وأنا".
ومع هذه الثورة في عالم الكوميديا لم تغفل الدراما السورية عن الخطوط الدرامية الثانية فاستمرت أعمال البيئة الشامية بالتألق عبر "الخوالي"، "ليالي الصالحية"، وغيرها، فيما أيضاً برزت الدراما الإجتماعية بشكل أكبر عبر "عائلتي وأنا"، ومسلسل "الفصول الأربعة" الذي حقق انتشاراً كبيراً، وهما عملان أبدع فيهما المخرج حاتم علي.

ياسر العظمة وأيمن زيدان مدرستان أنتجتا الواقع الدرامي المميز بعد العام 2000

يعتبر الممثل السوري ياسر العظمة عبر سلسلة "مرايا" المدرسة التي خرّجت العديد من نجوم الدراما السورية الحاليين، فدأب المسلسل على تقديم كبار نجوم الدراما في وقتها كعصام عبه جي و​سامية الجزائري​ ورفيق سبيعي و​سليم كلاس​.. إضافة إلى شباب أصبحوا اليوم من أبرز وجوه ​الدراما السورية​ كقيص الشيخ نجيب،باسل خياط، صفاء رقماني، جهاد عبده، ​عابد فهد​، سوسن أورشيد، ​مكسيم خليل​، صفاء سلطان، ​سوزان نجم الدين​، ​أيمن رضا​، ​كاريس بشار​، محمد قنوع، عاصم حواط، فادي صبيح، محمد حداقي، محمد خير الجراح، عدنان أبو الشامات، دينا هارون، عبد المنعم عمايري، روعة ياسين وميلاد يوسف وغيرهم. فأصبح المسلسل مع الوقت مدرسة تصدّر النجوم والنجمات، وتؤسس لثورة الدراما السورية التي تربعت على عرش الدراما العربية مع بداية الألفية الثانية بأبرز الأعمال السورية مثل "عصي الدمع، ذكريات الزمن القادم، إيامنا الحلوة، أسعد الوراق، أبناء القهر، نزار قباني".
في الوقت نفسه فتح أيمن زيدان الباب للعديد من نجوم الدراما السورية الحاليين ليشاركوا بأعماله ويأخذون الفرصة كالممثل السوري باسم ياخور، وشكران مرتجى.

باب الحارة.. النجاحات التي لم يتوقعها أحد

في العام 2006 عاد المخرج السوري بسام الملا "عاشق الدراما السورية الشامية" الى ملعبه وقدم مسلسل "باب الحارة" عبر قناة الـMBC، والتي كانت القناة العربية الترفيهية الأبرز في العالم العربي، وحقق العمل الذي عرض في رمضان نسب مشاهدة ونجاحات لم يتوقعها أي شخص.
نجاحات "باب الحارة" جعلت طاقم العمل يقدم عدة أجزاء منه لا تزال تعرض في رمضان، حيث شهد رمضان الماضي عرض الجزء الجديد منه، في وقت أسس نجاح "باب الحارة" الى عودة دراما "الحارة الشامية" الى الواجهة من جديد عبر مسلسلات عديدة منها "عطر الشام، خاتون، طوق البنات، أهل الراية".
مسلسلات الدراما الشامية لم تؤثر على ظهور دراما كوميدية مميزة كمسلسل "ضعية ضايعة" بجزئين، ومسلسل "الخربة" الذي عاد به الممثل دريد لحام بشخصية مختلفة من جديد، وكذلك مسلسل "أبو جانتي" للممثل السوري سامر المصري.
تواصلت الأعمال السورية بالتألق وبرزت على الساحة العربية العديد من الأسماء الجديدة كقصي خولي، باسل خياط، تيم حسن، مكسيم خليل، وغيرهم من الممثلين الذي أصبحوا اليوم أبطال المسلسلات العربية المشتركة.

الأزمة السورية هجّرت النجوم

دخلت الدراما السورية في أزمة حقيقية مع بداية الأزمة السورية في العام 2011 إذ هجّرت الأزمة المنتجين والمخرجين والممثلين السوريين، ونشأ على حساب الدراما السورية "الدراما العربية المشتركة" والتي لمع فيها النجوم السوريون في التمثيل والإخراج والكتابة وغيرها من المجالات، في المقابلة كانت هناك انتاجات ضئيلة في الدراما السورية لم تحقق الرواج المطلوب، بإستثناء سلسلة " بقعة ضوء" (التي بدأت قبل الأزمة بسنوات لكنها واكبت الأزمة وسخرت مما يحصل)، ومسلسل "ضبوا الشناتي"، وبعض الأعمال الجيدة والتي كان أخرها مسلسل "دقيقة صمت" الذي برز بشكل كبير في رمضان الماضي.