ولد طلحت حمدي في دمشق عام 1941 وتوفي فيها عام 2012، هو مخرج وممثل سوري متزوج من الممثلة الراحلة سلوى سعيد.

يُعتبر وجهاً أصيلاً من وجوه الدراما السورية، تميّز بالعناد في وجهات نظره الخاصة، كان يحب التجريب وطرق الأبواب في الفن بمجالاته المختلفة، ومسيرته الطويلة تركت علامات بارزة في حياته الفنية.

عاش حياة غنية فنياً وسياسياً، فعرف وجرب وغامر وأصّل، وأحب البيئة والشام كما لم يفعل كثيرون غيره، راح يراقب الشام وما يجري، وكانت الغصة تكاد تخنقه عندما كان يجد نفسه عاجزاً عن التعبير.

لم يكن طلحت حمدي فناناً عادياً في تاريخ الدراما السورية، ولم يمر سريعاً، وكذلك لم يمر من دون أن يترك أثراً واضحاً وكبيراً.

هو الممثل الكبير الذي جسّد أحلام الشباب في الدراما السورية، حين كانت في مراحل التأسيس.

لحظات ولادته كفنان

يقول الراحل طلحت حمدي في أحد لقاءاته: "كما هو معروف ولادة الجيل الأول في الدراما السورية كانت متشابهة، فالبداية كانت من فرق الهواة المسرحية وأذكر أني بدأت رحلتي عام 1959 و في العام الذي تلاه تم تأسيس وزارة الثقافة ومن ثم المسرح القومي واختارت الوزارة وقتها ألمع الموجودين لتأسيس هذا المسرح، وكنت أنا من ضمنهم إلى جانب عدنان بركات ورفيق سبيعي وفاطمة الزين وعمر حجو وثناء وثراء دبسي وآخرين، وكان عبد اللطيف فتحي خبير هذه المجموعة وبقيت في القومي أربع سنوات وبعد ذلك انتقلت إلى المسرح العسكري حيث قدمت مع فرقة محمود جبر عدة عروض في المحافظات، وبعد عامين عدت إلى القومي وكان وقتها الدكتور رفيق الصبان بمثابة مدير المسارح في وزارة الثقافة، فقال لي "أنت غير موهوب ولن تبقى في المسرح"، فنقلني إلى المستودع لجرد الملابس والأحذية وعاد بعد عشر سنوات ليختارني لتجسيد شخصية "الزير سالم" على المسرح القومي محاولاً رد الاعتبار لي".

وأضاف: "حكم رفيق الصبان كان صدمة كبيرة، ورغم ذلك لم أقبل به فقدمت استقالتي رغم أن راتبي كان 190 ليرة وكان في ذلك الوقت مبلغاً محترماً وأذكر أن الاستقالات كانت ممنوعة، فأصدر الوزير آنذاك سليمان الخش كتاباً إلى الجهات الفنية كافة لمنع التعاون معي وكانت الصدمة الثانية، وكان المرحوم عادل خياطة مدير التلفزيون وعندما قرأ القرار طواه في الدرج وقال لي اذهب واعمل في التلفزيون وأنا أحميك، فقمت بإعداد حلقة من برنامج "أهل الفن" وكان ذلك في عام 1967، وبعدها أصبحت القاسم المشترك للعديد من الأعمال التلفزيونية والإذاعية، وكان في الإذاعة أساتذة كبار تتلمذت على أيديهم أذكر منهم محمد محسن، تيسير السعدي، مروان عبد الحميد، فاروق حيدر، محمد صالحية".

بين التلفزيون والمسرح

في 1 آذار/مارس عام 1968 إنضم طلحت حمدي إلى نقابة الفنانين السوريين، وعمل في مجال التلفزيون منذ فترة طويلة، وانخرط منذ مطلع شبابه في أجواء العمل المسرحي الخاص، الذي ازدهر في دمشق والمحافظات السورية عبر الفرق والأندية الأهلية ما بين ثلاثينيات القرن العشرين ونهاية الخمسينيات، حين تم تأسيس الفرق المسرحية الرسمية كالمسرح القومي والمسرح العسكري وغيرهما.

أولى مشاركاته كانت في فرقة "النادي الشرقي" التي أسسها نهاد قلعي عام 1958 وقدمت مسرحيتها الشهيرة "ثمن الحرية" في دمشق والقاهرة زمن الوحدة.

عمل في ما بعد في المسرح القومي وفي المسرح العسكري، إلا أنه لم يحقق نجوميته إلا من خلال التلفزيون فقد شارك في الأعمال التلفزيونية الأولى "طبيب القرية" مع المخرج غسان جبري عام 1970 و"دولاب" مع المخرج نفسه عام 1971، قبل أن يلمع في مسلسلات المخرج علاء الدين كوكش الذي اتخذه بطلاً للعديد من مسلسلاته في السبعينيات والثمانينيات، منها "ساري" عام 1977 و"التغريبة الهلالية" عام 1978 و"الاختيار" عام 1978 و"وضاح اليمن" عام 1980 و"تجارب عائلية" عام 1981، وبموازاة ذلك كان لطلحت حمدي تجارب مسرحية أبرزها "مسرح القهوة" و"المسرح الطليعي" في السبعينيات مع الكاتب أحمد قبلاوي، كما شارك الممثل محمود جبر بعض مسرحياته تمثيلاً أو إخراجاً.

أعماله

لم يكن طلحت حمدي مخرجاً أو كاتباً مميزاً، وقد اعترف ذات مرة بأنه مخرج متوسط لكنه يحمل قضية، وكان بالفعل يبحث عن المضمون الاجتماعي الجريء في أعماله مما أثار عليه أكثر من قضية، أو عرّض بعض أعماله للمنع.

إلا أنه في السنوات الأخيرة عاد إلى ملاعبه الأولى كممثل كما في مسلسل "حمام القيشاني" بأجزائه االخمسة، والذي بدأ التلفزيون السوري بإنتاجه منذ عام 1994 عن نص لدياب عيد وإخراج هاني الروماني أو بعض مسلسلات البيئة الشامية الأخرى كما في الجزء الثاني من "بيت جدي" أو "الشام العدية".

ومن أعماله أيضاً "تجارب عائلية" عام 1981 و"نساء بلا أجنحة" عام 1987 و و"دائرة النار" عام 1988 و"غضب الصحراء" عام 1989 و"خلف الجدران" عام 1995 و"جواد الليل" و"نساء صغيرات" عام 1999 و"حارة الجوري" و"اللوحة السوداء" عام 2001 و"أنشودة المطر" عام 2003" و"حكايا وخفايا" و"قرن الماعز" و"نزار قباني" عام 2005 و"ابن قزمان" و"صراع على الرمال" عام 2008 و"كليوباترا" و"أسعد الوراق" و"أنا القدس" عام 2010 و"الحسن والحسين" و"كشف الأقنعة" عام 2011 و"زمن البرغوت" و"الشبيهة" و"الانفجار" عام 2012.

ومن أفلامه في السينما "واحد + واحد" عام 1971 و"الدولاب" عام 1972 و"الحب الحرام" عام 1976 و"أحلام المدينة" عام 1984 و"غير مخصص للبيع" عام 2001 و"حكاية أم" عام 2003 و"القربان" و"حسيبة" عام 2008.

حاول طلحت حمدي خلق حالة مسرحية مختلفة ومميزة على كل الخشبات تحت مسمى مسرح القهوة، ومن مسرحياته "بانتظار عبد الفتاح" و"أول فواكه الشام يا فانتوم" و"الحافي يتكلم".

كان عام 1969 عاماً حاسماً في حياته، فقد كان القاسم المشترك للمسلسلات الإذاعية التي يخرجها محمد صالحية ومروان عبد الحميد وممتاز الركابي، فاستهواه فن الإذاعة وسيطر على حواسه ومشاعره ليتعين مخرجاً في إذاعة دمشق فقدم العديد من المسلسلات والسهرات الإذاعية.

تجربة الإنتاج

وكانت له تجربة في الإنتاج لم تدم طويلًا بسبب سيطرة الشركات الكبيرة على الإنتاج التلفزيوني، ومن ضمن إنتاجاته المهمة مسلسل "طرابيش" الذي طرح فيه قضية محاربة الفساد، وحين أنتج مسلسل "المكافأة" وطرح من خلاله قضايا لنصرة المعلم، ثارت ضده نقابة المعلمين، ورُفعت دعوى ضده، لكنه لم يتمكن من منافسة الشركات الكبيرة صاحبة رؤوس الأموال الضخمة.

حمام القيشاني

أخرج الممثل الراحل هاني الروماني مسلسل "حمام القيشاني"، الذي استمر لخمسة أجزاء، وأسند إلى طلحت حمدي دور "شوكت القناديلي"، منذ الجزء الثاني، بديلاً عن الممثل سلوم حداد، وحتى نهاية السلسلة.

ويعتبر هذا الدور أحد أهم أدوار طلحت حمدي، ولعبه بحرفية عالية، مؤدياً شخصية مركبة ضمن ظروف سياسية واجتماعية معقدة، في خمسينيات القرن العشرين.

سقوط الأخلاق

اشتكى طلحت حمدي مما أسماه "سقوط الأخلاق" في الوسط الفني السوري، وتحوله لمجموعة من "الشللية" التي أبعدته هو وغيره من الفنانين عن الشاشة الصغيرة.

واتهم خلال أحد اللقاءات الممثل الراحل خالد تاجا بنكران الجميل، بحسب تعبيره، واعتبر أنه مد يد العون لتاجا في أثناء أزمة ابتعاده عن العمل، وتنكر له الأخير لاحقًا، رغم العلاقة الطويلة التي جمعت الفنانين، إذ ينحدر كلاهما من حي ركن الدين.

بينما جمع القدر حمدي وتاجا مجدداً، إذ توفيا في العام 2012، ودفنا في دمشق.

رحلة الموت

غادر طلحت حمدي مدينته دمشق متجهاً إلى إحدى الدول العربية بهدف العمل، وبعد ساعات من وصوله إلى الأردن أصيب بنوبة قلبية، ليرحل هناك عن عمر ناهز الـ 72 عاماً، ودفن في دمشق وترك خلفه إرثاً فنياً كبيراً.