عندما تخاطبك مهرجانات بيبلوس بالثقافة والموسيقى، تجعلك على موعد مع أهم الفنانين العالميين وأرفعهم مستوى بعدما صنعوا أرشيفاً طويلاً في مسيرتهم وأعطوا للفن كل ما لديهم من إبداع، ونشروه حول العالم.

أمسية الختام كرستها لجنة المهرجان لعازف التشيللو العالمي "يو يو ما" Yo-Yo Ma ضمن جولته العالمية لتقديم متتاليات التشيللو الست للمؤلف الألماني باخ، حضرها أصحاب الذوق الرفيع من الإستماع والإصغاء، ولفتنا حضور النائبين السابقين وليد الخوري ومصباح الأحدب والمخرجة اللبنانية العالمية نادين لبكي وأحد أعضاء فرقة مشروع ليلى كارل جرجس. خطف "يو يو ما" الأضواء نحوه عندما دخل الى المسرح وجلس على الكرسي مع آلته الموسيقية وعزف بمفرده.
ليلة "يو يو ما" تنسيك كل ما يدور في فلك لبنان من التلوث والتدهور والظروف السيئة والمشاكل السياسية، وتنقلك الى فلك الصفاء والنقاء والاحتراف. دعوا الضوضاء خارجاً واسمحوا لموسيقى باخ أن تنقي اذهانكم وتمنحكم قسطاً من الرخاء. لكن التحدي يكمن في الإصغاء والقدرة على الصمود حتى النهاية. هذا امتحان يضعه "يو يو ما" أمام الحضور، الصبر والتركيز والتنفس بعمق مفاتيح للصمود حتى نهاية العرض.

بعد كل مقطوعة من المتتاليات الست كان يسمح بالتصفيق، وبعدها يقف "يو يو ما" ويحاول جاهداً التحدث باللغة العربية امام الجمهور، معبراً عن سعادته الكبيرة لوجوده في جبيل مشيداً بتاريخ لبنان ودعا جميع الحضور للإحتفال في هذه الليلة.
لا ينظر "يو يو ما" الى التشيللو فهو يداعب أوتاره بانسيابية مطلقة من دون النظر إلى أصابعه او حتى الى العصاة، يعيش حالة الموسيقى بتعابير وجهه وأنامله وجسده.
للحزن على الفراق والرحيل أيضاً محطة لدى موسيقى "يو يو ما"، إذ قدم مقطوعة لكل من في قلبه حزن على فراق أي حبيب أو قريب أو صديق وتوجه الى الجمهور باللغة العربية قائلاً: "كلما حس حالي ضايع أو بخسر حدا بحبو برجع للموسيقى والى كل شخص حس بالخسارة، خسارة حبيب أو صحة أو خسارة قريب بهدي هالمتتالية".

واختتم السهرة ممازحاً أنه بعد هذه الليلة لن يتحدث اللغة العربية مجدداً، إلا أن الأغنية الأخيرة التي عزفها "يو يو ما" كانت حديث المدرج، إذ أنه اختار اغنية لبنانية يحبها كثيراً على حد قوله من دون ذكر اسمها، لكننا بعد البحث والسؤال عنها عرفنا أنها أغنية لفرقة مشروع ليلى بعنوان "طيف"، لكنّ أحداً لم يعرف ما هي هذه الأغنية. لم نعرف لما يصر مهرجان بيبلوس و"يو يو ما" على استحضار مشروع ليلى رغم حملة الرفض على الفرقة من أهالي جبيل. لماذا شوّه "يو يو ما" سمعنا في الختام بعد كل السكينة والفضاء الذي أخذنا فيه.. ولماذا أعادنا الى تحت الأرض بهذه المعزوفة التي لم تتحمل عزفها حتى عصاة التشيللو التي انقطع بعض من أوتارها أثناء عزفه؟!.. اعتقدنا أن أغنية "يو يو ما" اللبنانية ستكون للسيدة فيروز إلا أن أملنا قد خاب.