غنى للطواحين، لعين المي، للطير الورد، لمختار الضيعة، غنى عن الدبكة اللبنانية، غنى للوطن والطفل والعائلة.


هو صادق الإحساس وعفوي في أدائه، تعرّف عليه الجمهور وهو يغني بصوته الجبلي إلى جانب السيدة فيروز، والتي شكّل معها ثنائياً نادراً في تاريخ الفن اللبناني.
يُعدنصري شمس الدينحجر الأساس في أغنية الدبكة اللبنانية، إهتدت الأجيال به في ما بعد. وظهر في أغلب مسرحيات الأخوين الرحباني بأدوار متعددة ومتنوعة إلى جانب السيدة فيروز، وكانت آخر أعماله مع الأخوين الرحباني في إعادة مسرحية الشخص مع رونزا عام 1980 في الأردن، ومن ثم إنصرف إلى الاهتمام بالغناء منفرداً، وأصدر أغانٍ على أسطوانات وكاسيتات وألبوم "الطربوش" ضم مجموعة من الأغاني من ألحان الموسيقار الراحل ملحم بركات. تزوّج عام 1956 من يسرى الداعوق، وأنجبا ستة أبناء وهم مصطفى وألماسة (توأم)، مي، ماهر، ريم ولين (توأم).

طفولة نصري شمس الدين
في بلدة جون الشوفية وفي عائلة من المشايخ، ولد نصر الدين مصطفى شمس الدين في 27 حزيران/يونيو عام 1927، من أبوين يتمتعان بصوتين رائعين، وكان هو الأصغر بين إخوته (3 بنات و6 صبيان).
كانت والدةنصري شمس الدينتستمع إليه وهو يدندن أغاني الفنان المصري الراحل كارم محمود، وكان لها دور كبير في صقل موهبته، فإشترت له عوداً للمساعدة في ذلك.
درس الإبتدائية في جون، وكان يغني لرفاقه في المدرسة كما كان يحيي أعراس القرية، ولُقّب بعد ذلك بـ"مطرب الضيعة".
إنتقل نصري شمس الدين الى مدرسة المقاصد في صيدا، بعد إنتهائه من الإبتدائية، وفي عام 1943 عندما كان في عمر الـ 17 عاماً وقبل إتمامه دراسته الثانوية، أصبح مدرساً للغة العربية في مدرسة شبعا – قضاء حاصبيا ثم في صور، وضبطه مدير الثانوية في صور يغني لطلابه في الصف، فخيّره بين الغناء والتدريس، وإختار الغناء وإنتهت مهنته في التدريس، التي إستمرت 3 سنوات.
وإنتقل بعدها الى مصر، وعمل في إحدى شركات الإنتاج مع فرقة الممثل المصري الراحل إسماعيل ياسين، ثم سافر الى بلجيكا لدراسة الموسيقى.


الإنطلاقة مع الرحابنة
عاد نصري شمس الدين الى لبنان، بعد إتمامه دراسته وحصوله على دبلوم في الموسيقى، لكنه لم يوفّق بالعمل في هذا المجال، فعمل موظفاً في مركز البريد ببيروت في نطاق الإتصالات الهاتفية.
وفي عام 1952 قرأ إعلاناً في إحدى الصحف يفيد أن إذاعة الشرق الأدنى تبحث عن مواهب فنية شابة، فذهب للتقدّم وكانت اللجنة مؤلّفة من عاصي ومنصور الرحباني، عبد الغني شعبان، حليم الرومي، وغيرهم.
وبعد ذلك قررت اللجنة ضم نصري شمس الدين الى الفريق الغنائي في الإذاعة، التي سميّت في ما بعد بـ"إذاعة لبنان الرسمية"، وأدّى فيها 3 إسكتشات غنائية وهي "مزراب العين" و"حلوة وأوتوموبيل"، و"براد الجمعية"، وبعدها صدرت أغنيته الخاصة الأولى "بحلفك يا طير بالفرقة" من ألحان فيلمون وهبي.
إنضم لمسرح الرحابنة، وأطلق عليه عاصي ومنصور إسم "نصري شمس الدين"، وتكرست علاقة نصري مع الرحابنة في مهرجان الأرز ومهرجانات بعلبك الدولية وعلى مسرح البيكاديلي في بيروت، وأيضاً في بيت الدين وبنت جبيل. وشكّل مع السيدة فيروز ثنائياً معروفاً، وفي الأعمال التي شارك فيها كان له دور في نجاحها. ولا يمكن أن نتخيل الرحابنة من دون نصري شمس الدين، الذي إشتهر بصوته وطربوشه وشنبه، أو وهو يغني "يا مارق على الطواحين"، و"هدّوني هدّوني، عينيها سحروني يا أم الفستان الزهر، بخبيكي بعيوني..."، "على عين المي يا سمرا"، و"ملوا من البيارة مي".

ومن الأعمال التي شارك فيها مع الرحابنة، "موسم العز"، "جسر القمر"، "دواليب الهوى"، "بياع الخواتم"، "ناطورة المفاتيح"، "هالة والملك"، "الشخص"، "يعيش يعيش"، "صحّ النوم"، "ميس الريم"، "بترا"، "أيام فخر الدين"، وغيرها، كما كان يرافق السيدة فيروز في رحلاتها الغنائية في أميركا وأوروبا والدول العربية.
وكان نصري شمس الدين يظهر في معظم أعماله على المسرح، مرتدياً الشروال ومعتمراً الطربوش، فحمل هوية الأغنية الفلكلورية والشعبية في الشكل والمضمون. ولم تقتصر أعماله على المسرح، بل شارك في أفلام سينمائية مع السيدة فيروز في "بياع الخواتم" و"بنت الحارس"، ومع الراحلة الشحرورة صباح في "كواكب وليالي الشرق".


أعماله المنفردة
وبعد عمله مع المسرح الرحباني، إنصرف نصري شمس الدين الى إطلاق الأغاني المنفردة وطرح ألبوم "الطربوش"، والذي يتضمن "سامحينا"، "دلوني"، "شفتك مرة"، الطربوش" و"شارقات المحيا" من ألحان ملحم بركات، بإستثناء أغنية "غالي يا جنوب" من ألحان عماد شمس الدين. وشارك في تلحين بعض أغانيه مثل "ليلى دخل عيونها"، كما لحّن أغنية "بعرسك حبيت غنيلك قصيدة"، من كلمات مصطفى محمود، والتي غناها في عرس إبنته "ألماسة".
وتعاون نصري شمس الدين مع العديد من الملحنين، ومنهم حليم الرومي، فيلمون وهبي، زكي ناصيف، عفيف رضوان، وملحم بركات. كما شكّل فرقة جون للفلكلور الشعبي، التي شاركت في عدة مهرجانات فنية في لبنان والعالم.
وقد حصل خلال مسيرته الفنية على الكثير من الميداليات والأوسمة، منها وسام من جمعية فرنسية برتبة فارس، وسام الإستحقاق اللبناني، ميدالية ذهبية من دولتي الكويت وليبيا، مفتاح مدينة العرب، ووسام العيد الوطني البلجيكي.

وفاته على خشبة المسرح
توفي نصري شمس الدين في 18 آذار/مارس عام 1983، وهو يغني على خشبة مسرح نادي "الشرق" بدمشق، هوى فوق الخشبة التي طالما أحبها وأحبته، أمام مئات المعجبين، ونقل على الفور إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة.
وتم نقله من سوريا إلى لبنان، محمولاً بتابوت خشبي، على سطح سيارة أجرة الى بلدته جون، ولكن يبقى نصري شمس الدين خالداً في ذاكرة الفن اللبناني، لما قدّمه من أعمال رسخت في وجداننا.