في كل حالة نمر بها، نلجأ إلى إحدى أغنياته، فنستمتع بصوته وأدائه، ونشعر بأنه يحكي حالتنا هذه، فيكون الصديق الذي يواسينا والرفيق الذي يُفرحنا، وعلى الرغم من مرور 42 عاماً على رحيله، إلا أنه لا زال حاضراً بأعماله الغنائية وأفلامه السينمائية.

ولمناسبة ذكرى ميلاده، والذي صودف في 21 حزيران/ يونيو، أحيت الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، والفنانة سمية بعلبكي حفل "حليم في الذاكرة"، فكانت التحية للعندليب الأسمر الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، على مسرح بيار أبو خاطر - حرم العلوم الإنسانية - جامعة القديس يوسف - طريق الشام.

لحوالى الساعة ونصف الساعة، نقلنا صوت سمية، وكعادته، إلى زمن الغناء الأصيل، فأطربتنا بأدائها المحترف، بقيادة المايسترو أندريه الحاج الذي عودنا على الإبداع.

إنطلق الحفل مع عزف الأوركسترا أغنية "جبار" التي لحنها محمد الموجي، لتطل بعدها سمية وتغني :

"أنا لك على طول" شعر مأمون الشناوي، لحن محمد عبد الوهاب.

"قولي حاجة" شعر حسين السيد، لحن محمد عبد الوهاب.

"أسمر يا أسمراني" شعر إسماعيل حبروق، لحن كمال الطويل.

"صافيني مرة" شعر سمير محجوب، لحن محمد الموجي.

"يا خلي القلب" شعر مرسي جميل عزيز، لحن محمد عبد الوهاب.

"جانا الهوى" شعر محمد حمزة، لحن بليغ حمدي.

"قارئة الفنجان" شعر نزار قباني، لحن محمد الموجي.

"رسالة من تحت الماء" شعر نزار قباني، لحن محمد الموجي.

الإشراف الموسيقي للمايسترو أندريه الحاج.

موقع "الفن" الذي كان حاضراً في الحفل، إلتقى الفنانة سمية بعلبكي والمايسترو أندريه الحاج في حوارين، ولكن قبلاً لا بد من الإشارة إلى الأمور التي حصلت عند باب المسرح، وذلك من حرصنا على مصداقيتنا في نقل كل ما يحصل أمام عيوننا وعلى مسامعنا، إضافة إلى منعنا من التصوير، لذلك الصور التي يتضمنها هذا المقال لا علاقة لها بالحفل.

- حضر الناس إلى الجامعة منذ حوالى الساعة السابعة، وفتحت أبواب المسرح عند السابعة والنصف، فإمتلأت المقاعد بعد عشر دقائق من دخولهم، أي قبل 20 دقيقة من موعد إنطلاق الحفل الذي كان مقرراً عند الساعة الثامنة، وأُقفلت البوابتان الحديديتان للجامعة لمنع دخول عشرات الأشخاص الذين جاؤوا لحضور الحفل، ومنهم من كانت دعتهم الفنانة سمية بعلبكي، وآخرون دعاهم المايسترو أندريه الحاج أو موسيقيون في الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية، وغيرهم من الذين أتوا ليستمتعوا بالحفل، فغضب الناس الذين تم إقفال البوابتين في وجههم، وظلوا يطالبون بإدخالهم إلى المسرح، وحصلت مشادات كلامية بينهم وبين المنظمين.

- أثناء إنتظاري وصول الزميل المصور مروان سمعان، كان الناس الذين منعوا من الدخول والواقفين خلف البوابتين، يستنجدون بي لمساعدتهم، وقالوا إنهم مستعدون أن يجلسوا على الأرض داخل المسرح للإستمتاع بغناء سمية، فتحدثتُ مع المنظمين من الكونسرفاتوار، فقالوا لي إن الجامعة تمنع أن يجلس الناس على الأرض في المسرح في الممرات بعد إمتلاء المقاعد، وذلك حفاظاً على سلامة هؤلاء الناس وسلامة الحضور في حال حدوث أي طارئ، والأمر ليس بيدهم.

- عند وصول الزميل مروان توجهت إلى رجل أمن الجامعة، وقلت له إن مروان يريد أن يدخل ليصور الحفل ولن يجلس على الأرض ولا نطلب مقعداً، فلم يتجاوب وقال لي إن هذا قرار الجامعة، فغادر مروان بعد دقائق من وصوله، وبقيت أنا داخل الجامعة أترقب التطورات، وأستمع إلى أصوات الناس الواقفين عند البوابيتن وهم يطالبون بإدخالهم إلى المسرح.

- عند حوالى الساعة الثامنة والربع وصل رئيس الكونسرفاتوار بسام سابا مسرعاً، ووصل تزامناً معه الدكتوران زاهي وفادي حلو ومن معهما، حيث أن جميع المذكورين وصلوا بعد أن صعدوا في المصعد الكهربائي بعد أن أوقفوا سياراتهم في الموقف الداخلي للجامعة تحت الأرض، والذي أوصلهم إلى مسافة قريبة جداً من أبواب المسرح. سابا أثناء دخوله المسرح، وعلى مسامع الدكتورين ومن معهما، قال بعصبية لموظفي الكونسرفاتوار، لا تدخلوا أحداً، فغضبت إحدى السيدات التي كانت ترافق الدكتورين، وحدثت مشادة كلامية بينها وبين المنظمين، وقالت إنهم مدعوون من قبل الفنانة سمية بعلبكي، ويجب إدخالهم وهم ستة أشخاص. وبعد قليل طالبت السيدة بإدخال الدكتورين حلو، وقالت إنها ترضى بألا يجلسوا جمعيهم بالقرب من بعضهم البعض، وبعد الأخذ والرد دخل حلو ومن معهما، وجلسوا في الأماكن التي تم رصدها فارغة من قبل المنظمين، والتي لم تكن جميعها قريبة من بعضها البعض.

ونحن في موقع "الفن"، ومن باب محبتنا للكونسرفاتوار الوطني وللمايسترو أندريه الحاج وللفنانة سمية بعلبكي، وبما أن الدعوة عامة، وحتماً سيحضر الكثير من الأشخاص الذين يحبون الإستمتاع بالموسيقى الراقية، كان يجب أن يتم وضع أسماء المدعوين من قبل سمية وأندريه والكونسرفاتوار على المقاعد، وليس فقط تخصيص زاوية للدعوات المهمة من دون جمع عدد هذه الدعوات التي ربما فاقت عدد المقاعد المخصصة لها، أو إمتلأت بالناس الذين حضروا لأن الدعوة عامة.

الفنانة سمية بعلبكي

دائما هناك حضور كبير من قبل الناس لحضور حفلاتك مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية، ما سر هذه المحبة الكبيرة لك؟

ربما لأن الناس لمسوا من خلال مسيرتي الفنية الطويلة، أني أحب الفن وأحترمه، وهذا وفاء منهم لي وللفن الذي أقدمه ولما أمثله، وهذا دليل على أن هناك جمهوراً واسعاً لهذا النوع من الموسيقى، هذا جمهور الأصالة، والحمد لله هذه نعمة أن يكون للإنسان كاريزما ليجذب الناس إلى محبته وملاقاته دائماً، وهناك الكثير من الناس الأوفياء لي، وأنا أفتقد لهم إن لم أرهم في حفلاتي.

هل صحيح أن الفنان يغني في الجلسات الفنية المنزلية أفضل من غنائه على المسرح وأمام جمهور كبير؟

طبعاً المسرح له رهبته، فكلما زادت محبة الناس للفنان ووضعوه في موقع كبير يصبح الخوف لديه أكبر وتزداد مسؤوليته، والفنان يغني في الجلسات الفنية المنزلية بمسؤولية أيضاً، ولكنه يكون مرتاحاً أكثر، ولا تكون مسؤوليته بمستوى المسؤولية نفسه عن حفل وجمهور، فأنا في الحفل اليوم مسؤولة أيضاً عن خمسين عازفاً يعزفون لي، وبمرافقة المايسترو، فهناك مسؤولية جماعية، والفرق كبير جداً بين الغناء مع فرقة موسيقية مؤلفة من حوالى 15 عازفاً، والغناء بمرافقة أوركسترا كبيرة.

كيف تصفين علاقتك بالمايسترو أندريه الحاج؟

هذا الحفل الثاني الذي أحييه ويقود فيه المايسترو أندريه الحاج الأوركسترا، وهو يتابعني حتى في حفلات الكونسرفاتوار التي لا يقود خلالها الأوركسترا، هناك صداقة تجمعنا وهذا ينعكس إيجاباً على العمل والحفل، فمثلاً حين أغني ويكون قائد الأوركسترا شقيقي لبنان بعلبكي، تنعكس علاقة الأخوة على العمل، وكذلك حين أعمل مع عبد الله المصري وأنطوان فرح وغيرهما من الذين عملوا معي في قيادة الأوركسترا، فلكل قائد أوركسترا يقف معي على المسرح تكون هناك نكهة ثانية ومختلفة، على الرغم من أن الأوركسترا هي نفسها.

غناؤك في بعض الأحيان للفنانين الذكور هل يعتبر تحدياً ذاتياً؟

أحب أن أغني لوديع الصافي ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، ونادراً ما تغني الفنانات للأسماء التي ذكرتها، هذا مزاج خاص بي ويتطلب مقدرة كبيرة جداً، وأنا أحب هذا التحدي في الموسيقى، فأنا أستمتع بما أقدمه ولا أعتبر أني فقط أمارس مهنة.

هذا الحفل الأول الذي تحييه الأوركسترا كتحية للعندليب الأسمر، ماذا يعني لك أن تغني عبد الحليم؟

عبد الحليم فنان عربي كبير، وأنا من المعجبين جداً به، وبصمته الكبيرة في الموسيقى العربية لم تُمحَ ولن تُمحى، وكان له طابع خاص به، وهو عاصر كبار الملحنين، واليوم في الحفل أغني ألحاناً لن يكون هناك مثيل لها، ولملحنين لن يتكرروا، وأنا سعيدة لأنه في حفلاتي أغني أغنية أو أغنيتين لعبد الحليم، أما في هذا الحفل فأغني العديد من أغنياته.

ما هي أكثر أغنية للعندليب الأسمر تعبر عن حالة سمية بعلبكي؟

ربما أغنية "قارئة الفنجان" لأنها من أكثر أغنياته التي أحبها، وأنا أغنيها للمرة الأولى اليوم في حفل، بعد أن كنت غنيت "رسالة من تحت الماء" في حفل سابق مع المايسترو والأوركسترا في طرابلس.

المايسترو إحسان المنذر كان صرح لنا منذ فترة بأن هناك تعاملاً بينكما في أغنيتين جديدتين من ألحانه، واحدة من كلمات نزار قباني والثانية من كلمات بهاء الدين محمد، أين أصبحت الأغنيتان؟

بدأنا العمل على توزيع الأغنيتين موسيقياً وتسجيلهما في مصر.

في الختام، إذا فتحت لنا سمية قلبها، ما هو العتب الذي نجده؟

الفرح قل كثيراً في بلدنا بسبب الأوضاع التي نعيشها، لم أعد أرى أشخاصاً يضحكون، أنظر إلى الناس أراهم كئيبين وعابسين، وهذا الأمر يؤثر بي كثيراً ويجعلني كئيبة ومحبطة، يجب أن نجد فسحة تخفف عنا، وكل منا يجدها بطريقته، ونحن نفرح بالغناء والموسيقى، ونحاول أن نُفرح الناس لأنهم تعبوا، ونحن أيضاً تعبنا لأننا من الناس، فآمل أن يرتاح الشعب اللبناني قريباً، وكذلك الشعب العربي عموماً والذي لديه أيضاً همومه، فنحن نستأهل أن نفرح.

المايسترو أندريه الحاج

بعد التحيات التي قدمتها الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية في السنوات الأخيرة لكبار الفنانين، لماذا تأتي التحية للفنان الراحل عبد الحليم حافظ في هذا العام بالتحديد؟

بدأت هذه المسيرة في العام 2011 عندما وضعت الخطة الموسيقية لبدء توجيه التحيات لفنانين من لبنان، وإن كان هناك مجال لاحقاً نوجه تحيات لفنانين من دول عربية، ولغاية اليوم قدمنا العديد من هذا النوع من حفلات، ومنها لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، ولكن يجب أن يكون العمل الأكبر على حفلات نوجه خلالها التحية لفنانين لبنانيين لأنه يجب أن نحافظ على إرثنا الموسيقي.

لماذا إخترتم أن تعزفوا "جبار" بدلاً من أن تغنيها الفنانة سمية بعلبكي؟

هناك أغنيات لفنانين ذكور بطبقات صوتية معينة لا تكون مناسبة لتغنيها الفنانات، ومنها أغنيات كثيرة لعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب ووديع الصافي وملحم بركات، لذلك إخترنا أن نقدم "جبار" كإفتتاحية للحفل وبأسلوب مميز، والأغنيات التي تغنيها سمية في الحفل هي أغنيات صعبة جداً وتطلبت منا الكثير من التمارين لنقدم أجمل نتيجة، خصوصاً أن صداقتي مع سمية ستنعكس تفاعلاً كبيراً بيني وبينها ومع الأوركسترا، وستكون ردود الفعل إيجابية لأن هناك محبة.

لماذا كنت تنصح سمية دائماً بالغناء للفنانين الذكور؟

لأني صراحة أحب صوتها عندما تغني لهم، فعندما تغني فنانة أغنيات لفنان لا يعود هناك مجال للمقارنة بينهما، وهنا تصبح تتساءل إن كانت الفنانة تغني بطريقة جميلة أو لا، لأنها تغني بروح عبد الحليم ولكن بإحساس أنثوي، وهذا ما فعلناه في حفلنا مع كارلا رميا عندما غنت بروح وديع الصافي ولكن بإحساسها كأنثى.