كثيرة هي الأعمال الفنية والتمثيلية التي تمس واقعنا اللبناني، وتشتهر في الوسط الفني مقولة بأن الفن هو مرآة الواقع لأنه جزء من تصوير الحياة، تلك الحياة بسلبياتها وإيجابياتها، فإن صورت الإيجابيات وتناست السلبيات تصبح تتعامى عن أخطاء المسؤولين، وإن تناست الإيجابيات وعددت فقط السلبيات تكون ظالمة للواقع.

في بعض الأحيان يقوم الفنان أو المخرج أو الكاتب بتبسيط الواقع بأغنية أو عمل درامي أو سينمائي، وليس من شرط أن يكون هذا الواقع إيجابياً ويضع العمل بقالب يسيطر فيه عنصر الخيال والإبداع، فتبدو حركة ذكية تمس الواقع لكنها لا تخدشه ولا تجرّح بأحد بل تلفت النظر إلى الأمور الشاذة لتصحيحها وليس للتشهير بها من باب الحرص والغيرة لا من باب التشفي والتشهير.

هذا الأمر حصل مع الفنان محمد إسكندر من خلال كليب "من أين لك هذا"، حيث تم رفع دعوى "قدح وذم" ضده وضد كاتب الأغنية فارس إسكندر ومخرج الكليب سام كيال والموزع الموسيقي عمر صباغ من قبل مصرف الإسكان في لبنان، بسبب مشهد في الكليب الخاص بالأغنية يظهر فيه العريس مع عروسته من الطبقة الفقيرة وهما يطالبان بقرض إسكان لكن الموظف يرفض طلبهما، بالمقابل يأتي أفراد أغنياء وتتم الموافقة على طلبهم، وذلك عل الرغم من أن الكليب يؤكد أن أحداثه تقوم في جمهورية وهمية وهي "فوضى لاند"، والكليب نفسه كان قد مر على الرقابة في الأمن العام وحصل على الموافقة.

واقعياً تدور الكثير من الأخبار والمعلومات التي تتحدث عن مبالغ مالية كبيرة صُرفت لأثرياء من مصرف الإسكان، وهنا لا نتبنى المعلومة ولا نؤكدها ولكنها متداولة، والفنان أو الممثل أو الكاتب صاحب الرسالة عليه الإضاءة على تلك المشكلة ليصحح مسارها وفقاً لدوره في المجتمع كمؤثر وفاعل وصوته يصل للمسؤولين اسرع من غيره. فكيف اذا كان إسكندر لم يقل أن هذا الواقع يدور في لبنان بل بجمهورية وهمية بعنوان "فوضى لاند"؟ فهل يحق لأي أحد أن يمنعه من ذلك؟

الأمر نفسه واجهه مسلسل "خمسة ونص" الذي عرض في شهر رمضان الماضي، حيث إستنكرت نقابة "الممرضات والممرضين في لبنان" ما حصل خلال الحلقة الأخيرة من مسلسل "خمسة ونص" في المشهد الذي ظهرت فيه ممرضة تسبّب عن قصد ضرراً لمريضة مقابل رشوة، وإعتبرت النقابة أن الأمر يعتبر "إهانة للمهنة والعاملين فيها لأن تصرفات كهذه لا تشبههم ولا تمت الى آدابهم وأخلاقهم ومناقبيتهم بأية صلة".

في وقت اعتبرت شركة الصباح في بيان لها أن الامر غير صحيح وقالت موضحة "إنّ الأعمال الدراميّة بشكل عام تنطلق من أرض الواقع إلى شاشة الخيال، وتطرح مشاكل الحياة الإنسانيّة والإجتماعيّة من ألم وظلم وفساد وغيرها من الصراعات التي يتواجه فيها الخير والشر".

الموضوع تكرر في رمضان الماضي مع مسلسل "الهيبة الحصاد"، حيث اعتبر البعض من أهل الصحافة والإعلام ان تصوير شخصية الإعلامية "نور رحمة" التي تجسدها سيرين عبد النور، شوه مهنة الصحافة ومبادئها بسبب تودد نور رحمة في العمل لثروت وهو صاحب نفوذ لتصل للنجومية الإعلامية.

في الواقع وبدون مواربة يمكن لأي شخص يندرج ضمن مجموعة مهنية أن يبدّي مصلحته الشخصية على حساب المصلحة المهنية، وهذا الأمر يندرج ضمن صراع الخير والشر الذي يعيشه العالم كله، وتصوير هذه الحالة في الأعمال الفنية بكاراكتيرات ومهن ليس انتقاصاً من المهنة بحد ذاتها بل ربما يكون تصويباً لحالة شاذة في جسد مهني، وربما تكون إشكالية تخدم العمل وفكرة الصراع الخيالي بين الخير والشر وليس هدفه الإنتقاص من مهنة أو نقابة معينة.. فلماذا ردات الفعل هذه؟ وهل اصبح واقعنا زهرياً ونعيش عيشة الأحلام لكي لا ننتقد الواقع ضمن إطار يحفظ حقوق المهن والأشخاص وبقالب ذكي وخيالي؟ فهل ممنوع علينا الخيال؟ وألا يحق للشاعر والكاتب والفنان ما لا يحق لغيره؟