تعود المخرجة مي القاسم إلى فتح صناديق الماضي والذكريات، لتكتشف الجانب المغلق من تاريخ جدّتها نورهان في مرحلة السبعينيات. مي حلم الطفلة في أن تصبح فنانة، إكتشفت في يوم من الأيام أن جدّتها نورهان كانت في صباها فنانة معروفة وصاحبة صوت فريد وأصيل، بدأت رحلتها لتكتشف من هي جدّتها ولماذا أغلقت دفاتر الماضي وتركت الفن إلى غير رجعة. فصوّرت فيلماً وثائقياً عن جدتها مدته 72 دقيقة بطريقة عفوية استطاعت أن تلتقط من خلال كاميراتها لحظات واقعية حصلت أمامها عندما كانت جدتها تخبرها عن ماضيها وتشاهد أفلاماً مثلت فيها وغنّت أمام أهم المشاهير في جيلها.

استطاعت من خلال هذه الطريقة في التصوير أن تعكس ردات الفعل الحقيقية وتبرز شخصية جدتها التي اعتادت بعدها على الكاميرا، وأصبحت تطالبها بالتصوير بعد سنوات الإبتعاد عن الأضواء وعدسات الكاميرا. وبعد عرض الفيلم في سينما في الأشرفية تحدّثت مي القاسم إلى كاميرا "الفن" وأخبرتنا عن تفاصيل العمل.

أهلا وسهلا بك المخرجة مي القاسم عبر موقع "الفن" أخبرينا عن التحديات التي واجهتك في تصوير هذا الفيلم؟

كنا نتحدث عن مرحلة كانت جدتي قد قرّرت أن تصمت عنها وكان من الصعب أن تفتح الموضوع وتبدأ بالتحدث عنه. وأقنعتها في المرحلة الأولى أن تتحدّث عن تجربتها في عالم الفن كي تفيدني أنا لأنني دخلت مجال السينما وليس الغناء من جهة، ومن جهة ثانية لحاجتها للتحدث ومشاركة هذا الجزء مع شخص آخر خصوصاً أن والدي المتوفي كان يعرف كل شيء وأمال العريس صديقتها التي توفت أيضاً.

أخبرتني جدتي عن طفولتها وبدأت أحفظ القصص التي كانت ترويها، فرحت أبدأ بها وهي تكملها وأصبحت علاقتنا أقوى كشقيقتين وليس كحفيدة وجدّة، حتى أصبحت في المرحلة الثالثة تطلب الكاميرا وتسألني أين هي عندما ترغب في الحديث عن قصة حصلت معها. الكاميرا كانت دائما حاضرة معي لأنني لم أعرف في أي وقت كانت ترغب في التحدث والتقاط ردود فعلها وهي تشاهد فيلم ظهرت فيه مع فريد الأطرش.

هل هناك قصص تحفظتِ عن عرضها؟

لقد صوّرت حوالى 26 ساعة مع جدتي، وقررت أن أصيغ الفيلم والتركيز على وجهة نظرها وراء تركها الفن وليس الحقيقة بشكل مطلق.

لماذا أصرت مي القاسم على فتح صناديق الماضي وأبواب مقفلة منذ زمن؟

أصريت على ذلك لأنني دخلت مجال الفن وهي لم تكن تريد التحدث عن كل ذلك ولكنها أعطتني شرف ذلك. وأنا كنت في الثامنة من عمري أريد أن أغني وعندما بلغت الـ 21 سنة وأردت دخول مجال السينما عرفت أن جدتي كانت فنانة وكان يهمني أن أعرف ما الذي مرّت به وما الذي دفعها الى ترك مجال الفن. جدّتي لا تندم على شي، متفائلة وتحب الحياة والناس. وأردت أن أعرف لماذا اتخذت كل تلك القرارات في حياتها.

يبدو من الفيلم أن جدتك تتمتع بشخصية صلبة وفي الوقت نفسه تتمتع بروح النكتة، هل مرّت بظروف حزينة؟

لا يوجد نتيجة وصلت إليها لا يوجد فيها "مرورة،" جدتي لم تندم على شيء ومتصالحة مع كل شيء، إلا محمد سلمان الشخص الذي أحبته ولا تزال تحتفظ بورقة النعوة والجريدة التي تذكر أنه توفي وظلّت تحبه.

رغم أنها تركته بقيت تحبه.

ماذا تعلمت من هذا الفيلم؟

تعلمت من جدتي الكثير، الشغف والموسيقى والسينما ووجهة نظرها من الحياة وطريقة تعاملها مع الأمور، بالإضافة الى تمالك نفسها وقوّتها وروح النكتة لديها، أما فنياً تعلمت منها شيئاً هي نفسها لم تتعلّمه هو ما الذي يلزمني كي أكون فنانة وما الذي أعطيه للعالم ومدى أهميته في الإستمرار في حال بدأ المشوار في الفن.

لو عادت جدتك الى الفن الآن، هل تنصحينها بالإعتزال؟

هي كانت ترغب أن تكون مخرجة وأعتقد أن الوقت والتاريخ والظروف ووضع المرأة مختلف عن ما هو الآن، أظن أنني تابعت طريقها الفني من خلال الفيلم وهذا كان جزء من هدف الفيلم كي أعيد إليها الماضي الذي عاشته بطريقة تتقبلها ويحبها الناس.

لماذا اخترت عرض الفيلم الآن؟

عرضته سابقاً في عدة مهرجانات في لبنان ولم يأخذوه، ولكنني عرضته في تونس ومصر وليون ومارتينيك وربح فيها جوائز، وعندما عدت التقيت بتلميذة لي إسمها هبة زيباوي إفتتحت مسرحاً في صيدا، وطلبت مني أن تعرض الفيلم وانطلق بعدها.

كيف كانت ردة فعلها بعدما شاهدت الفيلم؟

عندما تشاهد الفيلم تشعر كأنها تنظر الى ألبومات الصور، فمن الفيلم تعود بالذاكرة الى الوراء وكانت تفرح بالـ animation فيه وهي الوسيلة التي اخترتها كي أتحدث عن الأمور بطريقة سهلة.

هل تعتبرين أن القصة بحد ذاتها أهم من التركيز على جودة الكاميرا وصورتها والإضاءة في الفيلم؟

في فيلم "نورهان، حلم طفلة" كنت قلقة، فكنت أمسك الكاميرا ولم أكن أركز على الكادر بل كانت العلاقة بيني وبين جدتي هي الأهم بالنسبة لي، وكانت تنتظر ردة فعلي حول الأمور التي تتحدث عنها. فكان هدفي أن ألتقط القصة أكثر من الإنتباه على الأمور التقنية.

ماهو أكثر تعليق عن الفيلم أثّر بك؟

في الكثير من الأحيان العديد من مشاهدي الفيلم شعروا أن هذه الجدة مثل جدتهم، وهذا شيء يمسني كثيراً وهو جزء من الرسالة التي أريد إيصالها. وخصوصاً المرأة التي لها علاقة بالفنّ وتركت أو ما زلت فيه.

هل كانت جدتك أولويتها العائلة وابنها؟

نعم كانت الأاولوية لديها تربية إبنها والإعتناء به. من ناحية أخرى فقد ملت من أجواء الفن وقالت أن جو الفن غير نظيف وتحدثت بالفيلم عن أحد المواقف حين طلبت منها المسؤولة عن المطعم الذي تغني فيه أن تجلس مع أحد الزبائن وأمور أخرى. لذلك تركت الفن وقرّرت أن تفتح صالوناً للنساء.

من بالنسبة لك يمثل جدتك في الوسط الفني؟

تصمت قليلاً ، لا أعتقد أنني أستطيع الإجابة على هذا السؤال. بالطبع هناك أشخاص جدتي تحب سماع صوتهم مثل ريما خشيش، ديدا غيغان ووردة وهناك كثر. عندما سمعت بنفسي عام ٢٠١٠ صوت جدتي لأول مرة حين كانت تغني عبر الإذاعة السورية في الشام قلت ان صوتها فريد من نوعه بكل ما فيه من احاسيس واعتقد من المهم الحفاظ عليه في المستقبل وايصاله للناس

هل كان هناك صعوبة في البحث عن الوثائق والصور والفيديوهات؟

الصور كانت معها في صندوق كانت تطلق عليه "صندوق الجبنة"، أما الأفلام الثلاثة التي شاركت فيها بأدوار رئيسية فكنت أبحث عنها online لسنوات طويلة ولم أجد فيلم"ليلى في العراق" وعندما توقفت عن البحث، وجده محمد سويد بعد شهر وعندما رأيت جدتي في سن الـ 20 سنة وتتحرّك وتبدو مثل شقيقتي كان الأمر غريباً. وعندما رأتهم جدتي راحت تنتقد المخرج.

في المرحلة المقبلة أية شخصية ستختارين؟

لقد انتهيت من تصوير فيلم Fiction عن إمرأة عاشت بظروف صعبة فيها حروب وأنا أمثل فيه، وهناك مشروع فيلم وثائقي يتعلّق بالمدن والنضال والمساحات العامة وعلاقتي معها في بيروت وباريس ونيويورك.

لمشاهدة الالبوم كاملا اضغط هنا