قبل الحديث عن أهم وأشهر وأخطر زعماء المافيا على مر العصور، لا بد لنا من التعريف بمفهوم المافيا وهو مصطلح استخدم لاختصار ما سمّي بـ "نقابة عصابات الجريمة المنظمة"، والتي تمارس الحماية بالابتزاز في المقام الأول وإحدى وسائلها استخدام الترهيب العنيف، للتلاعب بالنشاط الاقتصادي المحلي، وخصوصاً الاتجار غير المشروع. ويمكن أن تمارس أنشطة ثانوية مثل الاتجار بالمخدرات، ومنح القروض بفوائد مرتفعة و التزوير.

ومن المهم أن نذكر أن العصابات ترتبط بميثاق شرف، ولا سيما ميثاق الصمت (أو omertà في جنوب إيطاليا) ، يحمي المافيا من التسللات الخارجية، وتدابير تنفيذ القانون.

وحين نأتي على ذكر المافيا لا يمكننا إلا أن نشير إلى واحد من أخطر زعمائها على الإطلاق وهو آل كابوني.

آل كابوني من أصلٍ إيطالي، ذاع صيته كثيراً بسبب بثه للرعب في قلوب الناس، ركز في عمله الإجرامي على الإتجار بالمخدرات والبشر والعديد من الأعمال الأخرى غير القانونية ، لكن المفارقة أنه كان أيضاً يتبرّع بجزءٍ من ريع أعماله الإجرامية لصالح الأعمال الخيرية.

بطاقة تعريف عن آل كابوني

هو ألفونس غابرييل كابوني، يختصر بـ"آل كابوني" وعرف أحيانا باسم سكارفيس، ولد في 17 كانون الثاني/يناير عام 1899 وتوفي في الـ 25 من الشهر نفسه عام 1947، ولد آل كابوني في مدينة نيويورك، من أصول إيطالية مهاجرة. والدته تيريسينا، وكانت تعمل بالخياطة، أما والده فهو غابرييل كابوني الحلاق، ترك مدرسته في الصف السادس ويُقال بأن طرده كان بسبب اعتدائِه على معلّمه بالضرب.

كان أحد أعضاء عصابة الخمس نقاط وأصبح حارساً لأماكن الجريمة المنظمة، كان رجل أعمال وعضواً في عصابة أميركية، وذا سمعة سيئة في زمن حظر الكحوليات في الولايات المتحدة بصفته المؤسس المشارك ورئيس مافيا شيكاغو. انتهت قيادته للجريمة التي تبلغ سبع سنوات عندما كان في سن الـ 33.

حياة آل كابوني الشخصية

كان لدى كابوني ثمانية أشقاءٍ، عمل اثنان منهما وهما فرانك ورالف معه، وقاما بتأديةِ بعضِ أعمال العصابة.

كان كابوني على علاقةٍ مع إمرأة تُدعى ماي جوزيفين كاوغلين وقد حملت بابنهِ ألبرت قبل الزواج، وبعد ولادة ألبرت تزوّجا، وكان ذلك عام 1918.

بعد أن كسبَ مالًا كافيًا، اشترى منزلًا متواضعًا في الجانب الجنوبيّ من شيكاغو وانتقل إليه مع عائلته وأشقائه.

نبذة عن تاريخه في المافيا

في بداية عشرينيات عمره انتقل إلى شيكاغو بعدَ أن عمل كَفترةٍ لصًّا لدى بعض العصابات الصغيرة، أصبح حارسًا شخصيًا وصديقًا مقرباً لرئيس النقابة الإجرامية جوني توريو التي كانت جماعته تنتج الكحول بشكل غير قانوني وكان تحت حماية الاتحاد الصقلي. وقد كان للنزاع مع عصابة الجانب الشمالي دور أساسي في صعود آل كابوني وسقوطه. قدم توريو تقاعده بعد أن كاد أن يقتل من قبل مسلحي الجانب الشمالي فتبنى آل كابوني وساعده في تكوين اسمٍ كبيرٍ في عالمِ الجريمة، وأعطاه القيادة من بعده .

وسع آل كابوني نشاطه في تجارة الخمور من خلال وسائل العنف المتزايدة، وقد ساعد كابوني من خلال سُلطتهِ السياسيّ العمدة ويليام تومسون بالفوز بالانتخابات ما يعني أنه اصبح في مأمن من تطبيق القانون.

سلطت الأضواء على آل كابوني خصوصاً كما تبين من هتافات المتفرجين عندما ظهر في ألعاب الكرة، ومع أنه قدم تبرعات إلى جمعيات خيرية مختلفة واعتبره الكثيرون بأنه "روبن هود العصر الحديث"، لكن صورة شيكاغو وكابوني تضررت بعد أن قام بمذبحة يوم القديس فالنتين، التي قتل فيها سبعة من عصابة منافسة في وضح النهار، ما أدى إلى مطالبة عدد من المواطنين المؤثرين من الحكومة والصحف بأن تطلقا على آل كابوني عبارة "العدو العام رقم 1".

مشاكله مع السلطات وسجنه

في عام 1929 حاكَمته المحكمة الفيدرالية بسبب جرائِمه المختلفة، وسُجن في العام نفسه بسبب حيازته لمسدس خلال رحلةٍ له الى فيلاديلفيا، وقضى تسعةَ أشهر وراءَ القضبان.

في عام 1931، حُكِمَ على كابوني بالسجن بتهمةِ التهرُّب من دفع ضريبةِ الدخلِ، التي اعتبرت في ذلك الوقت جريمة فدرالية وبعدَ قضاءِ سنتين في سجنٍ قُرب أتلانتا، حوِّل الى سجن آلكاتراز الشهير وسُجن فيه لعدّة سنين.

لمن لا يعلم ما هوَ سجن آلكاتراز: هو سِجنٌ شديدُ الحِراسة موجود على جزيرةٍ نائية بعيداً عن العالم.

وخلال القضية التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، أعلن القاضي الحكم بعد أن اعترف آل كابوني بدخله وضرائبه غير المدفوعة خلال مفاوضات سابقة (ومجهضة في النهاية) لدفع الضرائب الحكومية. وحكم عليه بالسجن مدة 11 عاماً في السجن الاتحادي. بعد الإدانة، غيّر فريق الدفاع لديه بخبراء في قانون الضرائب، وعززت المحكمة العليا أسس الاستئناف بحكم من قبل المحكمة العليا، لكن الاستئناف فشل في النهاية.

آل كابوني ملهم صنّاع السينما

كثرت الروايات حول آل كابوني وشكلت سمعته مصدر إلهام للعديد من صنّاع السينما الذين نسجوا شخصية جمعت العديد من صفاته وبعضاً من الحكايات التي رويت عنه، وعلى الرغم من كونِه ينتمي إلى عائلةٍ فقيرة وأنَّه تركَ المدرسة في سنٍ مبكرةٍ، إلّا أنَّه تمكّن من أن يترك بصمةً وأن يُصبح ثريًا خلالَ سنواتٍ قليلةٍ.

وعلى الرغم من كونه زعيمَ مافيا، لكنه كان على الأرجح مهذبًا وخفيفَ الظلّ، كما تبيّن أيضًا أنّه شخصٌ سيّئ جدًا إذا ما وقفَ أحدٌ ضده.

أُنتِجَت العديد من الأفلام المستوحاة من قصّة آل كابوني رجلِ العصابات، منها The Godfather الذي نال شهرة كبيرة وأحد هذه الأفلام بعنوان "The Untouchable" عام 1984، ويَعرِض الفيلم الخطّة التي رسمتها شخصية عميلُ المخابرات الفيدرالية إليوت نيس الذي قام بتأديتها الممثل كيفين كوستنر للإيقاع بعصابة آل كابوني، بسبب إفشائِهم للفساد.

أصدر العميلُ إليوت كتابًا يروي فيه تفاصيل هذه العملية التي جعلته يقضي على أعمال عصابة آل كابوني.

شاركَ في بطولةِ الفيلمِ عمالقةُ هوليوود وقتَها ومنهم شون كونري وروبرت دي نيرو، وأخرجه بريان دي بالما.

فازَ شون كونري بأوسكار أفضلِ ممثلٍ في دور مساعد ورُشِّحَ الفيلم لثلاثِ جوائزَ أوسكار أخرى وحصل على جوائزَ أخرى في مهرجاناتٍ عالميةٍ منها البافتا و الغولدن غلوب.

​​​​​وفاة آل كابوني

عندما خرج كابوني من السجن كانَ يعاني من اضطرابٍ عقلي وأمراضٍ جسدية أخرى، فظهرت على آل كابوني علامات خرف الزهري العصبي في بداية عقوبته وبدت عليه علامات الوهن بشكل متزايد قبل إطلاق سراحه. أُصيبَ مبكرًا بمرض السفلس وتركَهُ من دون علاج، وعندما سُجن في آلكاتراز، تفاقم المرضُ وتدهورت حالَتُه الصحيّة.

خرج من السجن بعد ست سنوات ونُقِلَ إلى مستشفى في بالتيمور لِتَلقي العلاج النفسيّ، مَكثَ فيه حوالى ثلاثة أعوام، وفي النهاية استسلمَ كابوني للسكتةِ القلبيةِ بعد معاناته من السكتة الدماغية، وتوفيَ في 25 كانون الثاني/ يناير عام 1947 عن عمرٍ يناهز الـ 48 عاماً.