"الشرّ الأوسط" مسرحية للمخرج اللبناني جو قديح تعود للمرّة الثالثة بعد عرضها سابقاً عام 2003 في أميركا وعام 2008 في لبنان، تتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي والذي هو صراع وجود وحضارات بطريقة كوميدية سوداء.

تصوّر هذه المسرحية هذا الصراع من منطلق كون أحد الموضوعات المحرّمة التي تُقسّم شعوب الشرق الأوسط وتفرّق بينهم ألا وهو الدين، فتقدم شخصياتها الثلاث الأديان، فالإسلام يمثله طلال الجردي وهو الذي يسعى لبيع أرضه كي لا تسرق والمسيحية الذي يمثلها بيار شاماسيان وهو السمسار واليهودية التي يمثلها أنطوان بلابان وهو المشتري.

وبين هؤلاء الشخصيات الثلاث المتناقضة بأفكارها الدينية التي تتحكم بها، تكون هناك الشخصية الرابعة وهي الممثلة صولانج تراك تلك المرأة الأميركية التي تتحكم بهم عن بعد، فترمي لهم جثّة رجل حيث يقفون على الأرض التي يختلفون عليها لتبدأ نزاعاتهم على هذه الجثة بطريقة كوميدية حول عدّة مواضيع منها معرفة إن كان فلسطينياً أو يهودياً، وإن هو مسلم أو مسيحي أو يهودي وغيرها من الأمور.

هذه القصّة الواقعية والمؤسفة التي تصوّرها المسرحية لا تنتهي، وهذا ما نراه فيها حيث أنه بعد تقاسمهم للجثّة الأولى، يجدون جثة أخرى تُرمى عليهم لتبدأ جولة جديدة من الصراع.

وللوقوف أكثر على تفاصيل العمل كان لنا هذه اللقاءات على هامش حضورنا أحد العروض.

جو قديح

ما هي الأبعاد الجديدة التي تطرحها المسرحية اليوم بعرضها الثالث، وذلك بعد عرضها لأول مرّة في مدينة نيويورك الأميركية والمرّة الثانية في لبنان عام 2008؟

أولاً من خلال الممثلين الجدد، حيث أن الممثل يضيف إلى المسرحية من ذاته من دون أن يمسّ في جوهرها.

لماذا تمّ إختيار هؤلاء الممثلين وكيف كان التعاون بينهم؟

أنطوان بلابان شارك في المسرحية عام 2008، وطلال الجردي عرضت عليه الدور حينها لكنه رفض وأداه حينها الممثل عمار شلق واليوم أحببت أن ألعب الدور مجدداً مع طلال الذي أعطى أبعاداً جديدة للعمل.

شخصية "المسيحي" كنت محتاراً قليلاً في الكاستينغ حولها، وطوال عمري كنت أحب العمل مع بيار شاماسيان لأنه تربطني صداقة مع عائلته وهو إسم كبير جداً وخصوصاً في الكوميديا.

أما صولانج تراك فأيضاً تجمعنا صداقة ونحن نعمل سوياً في إدارة مسرح الجميزة وعرضت عليها الدور وقبلت ففاجأتني بالبعد الذي لعبت فيه الدور.

التعامل معهم كان جميلاً جداً ومتعباً أيضاً، ولكن في الوقت الذي كنا فيه نتشاجر ونختلف كنا نتخطى الموضوع بحرفية.

لماذا كانت إنطلاقة المسرحية من خارج لبنان؟

أنا أؤمن بالصدف، ففي العام 2001، أتت إلى لبنان سيدة عظيمة جداً هي ألين ستيوارت وإلتقيت بها عندما كنت ما زلت في الجامعة وطلبت مني أن أكون مساعداً لها لأنها تريد أن تقوم بمسرحية هنا، وبعدها كتبت مقالاً عن الموضوع في "دليل النهار" وأرسلته لها بالفاكس.

لأتفاجأ بعدها بإتصال منها تطلب مني أن أذهب إلى أميركا، فقلت لها أنني لا أملك فيزا وكان بوقتها اللبناني الذي يريد أن يأخذ فيزا عليه أن يذهب إلى الشام في سوريا.

في اليوم التالي تلقيت إتصالاً من السفارة الأميركية يطلبون مني أن أذهب لآخذ الفيزا بدعوة من ستيوارت، فذهبت وسافرت في اليوم التالي وشاركت هناك بمسرحيتين.

ثم سافرت بعد أحداث الـ11 من أيلول وطلبت من ستيوارت أن تحجز المسرح من أجل "الشرّ الأوسط"، فقالت لي إنه ليس هناك من حجوزات إلا لبعد 3 أشهر ووافقت.

هكذا قدمت المسرحية، وواجهت بعض الصعوبات في البداية، خاصة أنني عربي وكانت هناك مناهضة للعرب حينها بسبب أحداث الـ11 من أيلول ولم يكن الجمهور الأميركي على علم بالشرق الأوسط أو بلبنان أو كمسلم ومسيحي ويهودي في المنطقة ذاتها، إلا أنها أحدثت ضجة كبيرة وكُتب عنها في أهم الصحف والمجلات كـ"نيويورك بوست" وغيرها.

برأيك وإنطلاقاً من عنوان المسرحية، ما هو الشرّ الأخطر في الشرق الأوسط؟

نحن والسياسة، فالأديان السماوية مبنية أساساً على محبة الآخر، ولكن لسوء الحظ اليوم هذه الأديان بتطبيقها تعتمد على رفض الآخر، ومن الـ2003 حتى الـ2008 واليوم أيضاً هناك تعصّب أكثر من ذلك الوقت.

طلال الجردي

لماذا رفضت الدور في عام 2008 وقبلته اليوم؟

لم أرفضه، لكني لم أشعر حينها أنه مناسب للمسرحية، أما اليوم فهذا وقته مع بعض التعديلات حيث أن المحتوى لم يتغير إنطلاقاً من أن الأمور في منطقتنا لم تتغير.

برأيك ما هو الشرّ الأكبر في منطقتنا؟

نحن، كشعب وسياسة، وأبسط مثال على ذلك هي الإنتخابات التي حدثت مؤخراً، فنصف الناس لم يصوّت والذي إنتخب أعاد إنتخاب الأشخاص ذاتهم.

ما هي الرسالة التي تحاولون إيصالها من خلال هذه المسرحية؟

علينا أن نتعظ أن الدين مهم ولا أحد ضدّ الرسالات السماوية، ولكن الدين لم يوجد للخلاف بين الناس بل عليه أن يكون حافزاً للتقارب، والإثنيات الموجودة في المنطقة هنا تستطيع أن تدير أمورها بنفسها من دون أن تدير أذنها إلى هذا وذاك، فمن خلال العرض تلاحظ أنه هناك طرف خارجي يلعب بنا.

صولانج تراك

إلى أي مدى كان من الصعب أن تلعبي هكذا دور حساس وخاصةً أنك تؤدينه باللهجة الإنكليزية؟

جداً صعب، بغض النظر عن الموضوع الذي أنا منفصلة عنه، لكن لناحية أنك تعمل على تركيب كاريكتير فتغير صوتك وتغير لغتك واللكنة إضافة أنني أشارك إلى جانب ثلاثة ممثلين كبار على المسرح.

ما هي الرسالة التي تريد صولانج إيصالها من دورها ومن المسرحية ككل؟

من خلال دوري أظن أنه من الممكن أن يكون هناك أحياناً أشخاص في السلطة غير كفوئين ولكنهم يسيطرون على كل شيء، أما رسالة المسرحية فهي أننا نختلف على أمور صغيرة أما القصة الكبيرة هناك أناس يسيطرون عليها ويجب علينا أن نتفق ونتوحد.

بيار شاماسيان

كيف تصف لنا تجربتك في هذه المسرحية؟

هذا النوع من المسرح ليس "ستايلي" ولم أتعامل سابقاً مع جو قديح فعندما تحدث معي وأرسل لي النص شعرت أنه ليس مكاني، وقلت له أن الناس عندما تسمع ببيار شاماسيان يقولون "مشوا لنروح نضحك" وقلت له أنني سألعبها على طريقتي ووافق هو.

كيف كان التعامل بينك وبين الممثلين وجو قديح؟

أنا برأيي ودائماً ما كنت أقول، إنطلاقاً من أنه لدي أيضاً فرقة مسرحية وأنا أعمل في هذا المجال منذ حوالي الـ50 عاماً، أن الكواليس أهم من خشبة المسرح، فإن لم يكن هناك جو عائلي بين الممثلين وصداقة وكل العاملين في العمل فإنه لن ينجح وهذا هو ما يميزنا في هذه المسرحية.

أنطوان بلابان

واجهت صعوبة في لعب دور اليهودي؟

بالعكس، كان الدور مسلّ جداً، وكلما كانت الشخصية التي تقدمها بعيدة عنك كلما كان العمل جميل أكثر ويكون أكثر خلاقاً.