من أبرز المسرحيين اللبنانيين الذين ترجمت أعمالهم وعرضت في المسارح العالمية باللغات الألمانية والإنجليزية والأرمنية والإيرانية والفرنسية، وكان أبرزها "الرفيق سجعان"، هو كاتب ومخرج مسرحي، رائد المسرح السياسي في لبنان في ستينيات القرن الماضي، كتب دراسات عن المسرح والفنون في اللغتين الفرنسية والعربية، نشرت في لبنان والخارج، بالإضافة إلى نصوص نقدية في العربية والفرنسية.

بدأ الإخراج عام 1964 مع "رؤى سيمون ماشار" لبرتولت بريشت، تبعها إخراج 12 مسرحية له ولكتاب آخرين.

أسس المركز اللبناني للمؤسسة الدولية للمسرح "اليونسكو" وترأسه من عام 1969 حتى عام 1971.

ترأس لجنة مسرح دول العالم الثالث للمؤسسة الدولية للمسرح "اليونسكو" من عام 1973 حتى عام 1977.

علم المسرح في الجامعة اللبنانية من عام 1968 حتى عام 1981، وعلم المسرح وكتابة السيناريو في جامعة القديس من عام 1983 حتى 2012.

من أبرز مؤلفاته "ويزمانو، بن غوري وشركاه"، "جحا في القرى الأمامية"، "قبضاي"، "الرفيق سجعان"، "زلمك يا ريس"، "فخامة الرئيس"، "كذاب!..محاورات شاهين وطنسا"، "رزق الله يا بيروت"، "هنديّة، راهبة العشق"، "رحلة مُحتار إلى شرْي نَغار"، "خدني بحلمك مستر فرويد"، "يا ظريف أنا كيف" و "الطريق إلى قانا".

إنه جلال خوري، الذي رحل العام الماضي، تاركاً فراغاً كبيراً في المسرح، وفي لفتة وفاء له، إجتمعت عائلة وأصدقاء وزملاء المخرج والكاتب جلال خوري في مسرح المدينة لإحياء ذكراه السنوية الأولى، حيث خاطبوه وكأنه لازال بينهم، وإستذكروا أجمل اللحظات التي شاركوه إياها.

بداية اللقاء جلنا في معرض صور فوتوغرافية عن مسيرة جلال خوري المسرحية وحياته، تصميم إمانوئيل بول غيراكوسيان.

وإنطلق الحفل، الذي قدمته سنا أياس ختشريان، بوثائقي "عزيزي جلال" شهادة تلميذ جلال خوري المخرج هادي زكاك.

مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، ممثل وزير الثقافة الدكتور غطاس الخوري، قال :"عام على رحيل المسرحي الذي سأل عن مسار الروح، فخرج من من مفهوم للتبعية والنمطية شاهراً سيف التجدد، فكان مسرحه بريشتياً على ذائقة خصوصية تمتع بها عن سواه من أقران جيله، وقد راحت تساؤلاته تتعدى الأديان والكون، لتصل إلى معنى الروح والوجود".

وأضاف :"هو جلال خوري المسرحي المخضرم، والخياط الألمعي الذي حيذك بصماته المختلفة في الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا والكتابة على خشبة المسرح، وكان محط تساؤل عما حقق من خرق في المسرح بعد تأثره بالمسرح البريختي وتخطيه له نحو أسئلة وفضاءات تبسيطية وشعبوية ليؤلف حركته الجديدة في التغيير رغم تعثره بآراء رهبان المسرح وأساتذته".

أما الممثلة والمخرجة نضال الأشقر فقالت :"جلال، لا شك أنك كنت موجوداً بقوة على الساحة التي عبّدناها جميعاً بقدرتنا وثقتنا وإيماننا، ساحة إبتدعناها كي نلعب معاً، أنت تلعب، أنا ألعب، هو يلعب، هم يلعبون، لعب بلعب بلعب، ويا لها من لعبة أخذت طاقتك ووقتك وخيالك وفكرك ومجهودك وإيمانك حتى النهاية، كنت تخوض معارك وحروباً كانت من فكر وخيال وإبداع، كانت من نص ورقص وموسيقى وغناء وحركة، معارك كانت سيوفها من خشب ودماؤها من تلوين أحمر، لكن لها الوقع العميق في النفوس وفي المجتمع".

وأضافت :"وهكذا مضيت يا جلال منتصباً في ساحة الوغى المسرحية، ومشيت بين الحروف والحروب، وكنت حاضراً دائماً، إبتكرت لنفسك ساحة من الفكر والمخيلة، وخضت معارك جانبية، وخضت معارك رئيسية، كانت من نسج الخيال، دخلتها ومشيت منتصباً ولم تأبه لأحد، وآمنت بكل ما قمت به، وسعيت لأن يكون لك حيّز مختلف، فكان لك ما تريد، وسعيت لأن يكون لك مسرح مختلف، فكان لك ما تريد، وحظيت بإعجابنا جميعاً، وبإعجاب الجمهور، فليس عجباً أن تكون مسرحيتك الأخيرة عن سرجون الأكادي، وعن حضارة ما بين النهرين، فلقد وصلتَ إلى نبع الحضارات ونبع الأساطير والحكايات، تلك الأساطير التي كانت خميرة خيالنا وعطائنا، وصلت يا جلال إلى ما تبتغيه، فهنيئاً لك وهنيئاً لنا".

مقطع من مسرحية "وزيمانو، بن غوري وشكراؤه" أداء منير معاصري ورفعت طربيه.

كلمة الأصدقاء ألقاها مستشار وزير الخارجية والمغتربين أنطوان قسطنطين قائلاً :"مساء الخير يا أستاذ، جميعهم هنا، أين أنت؟ كلفوني أن ألقي كلمة الصحبة والصداقة، قلت في نفسي، طالما أنه هنا فلأتحدث معه، فأنا معتاد على ذلك منذ 35 عاماً، ومثلما كنت تقول، لأننا نحكي يصبح لدينا أفكار، كل عمرنا كنا نستمع إليك، ما بك تسكت؟ يدك على خدك وتتفرج علينا، اليوم جمعتهم كلهم، الذين هنا ينتظرونك، والذين هناك صوتهم مسموع، أسمع ضحكاً وكلاماً، والجدل يدور من خلف برداية العتم الطويل".

مقطع من مسرحية "سوق الفعالة" أداء رفعت طربيه ومنير معاصري.

وقفة موسيقية مقطع من "رحلة محتار إلى شري نغار" أداء سامي حواط.

كلمة أهل المسرح ألقاها الممثل والمخرج روجيه عساف وقال :"جلال خوري، الرجل الذي لا يمكن إلا أن نراه، الرجل الذي لا يمكن إلا أن نسمع صوته، كان عمري 20 عاماً عندما شاهدتك وسمعتك لأول مرة، إنضممت إلى هذه المجموعة التي كنت أنت واحداً منهم، والذين كانوا ينوون في المعهد الأدبي الفرنسي، أن يقدموا مسرحيات، مسرحاً جديداً، ومسرحاً حراً، مسرحاً شاباً، إنضممت إلى هذه المجموعة وصرت أحضر الإجتماعات والنشاطات، وأسمعك تتحدث، أنا كنت خجولاً ومهذباً، وأنت كنت تتكلم، وتحكي، تحكي عن المسرح، تفسّر المسرح، وتقول إن المسرح فيه فكر وموقف وموقع في الحياة والسياسة والتاريخ، وعجباه، وأنا بالنسبة لي المسرح هو تسلية، تسلية راقية، ولكنه تسلية، المسرح هو أن يعطوني دوراً أقرأه وأحفظه وأمثّل، وكنت أمثّل جيّداً، ما هو المسرح؟ المسرح فكر، المسرح معرفة، المسرح امر مهم في المجتمع وفي الحياة".

وأضاف :"كنت أقول لسنوات إني أريد أن أصبح مثله، أي أن أعرف أن أتحدث عن الشيء الذي أقوم به، أن أعرف أن أفسّر ماذا أفعل، وأن أعرف أن أعطي معنى للشيء الذي أقوم به، كان الموضوع صعباً ولم يكن سهلاً، كنت أستمع إليه، وهو لم يكن يشعر بأني كنت آخذ منه المعلومات، حول معنى أن يفكر الشخص بالمسرح، يعني أولاً أن تكون لديه ثقافة واسعة، يفهم التاريخ والمنطق السياسي الماركسية".

مقطع من مسرحية "جحا في القرى الأمامية" أداء رفعت طربيه ومنير معاصري وسنا أياس ختشريان.

وقفة موسيقية من "رحلة محتار إلى شري نغار" أداء سامي حواط.

مقطع من مسرحية "الرفيق سجعان" أداء منير معاصري ورفعت طربيه وسنا أياس ختشريان.

شهادة عمر قدمها المخرج شريف خازندار الذي حضر من فرنسا خصيصاً للمشاركة في هذا الإحتفال، وقال :"جئت لأوجه رسالة أخيرة لصديقي، لأخي جلال، منذ 57 عاماً بدأ جلال بالمسرح، لم أعد أتذكر كيف أدخلته في هذه المغامرة، كنا نلتقي في الحمرا مع أصدقائنا الكتاب والشعراء والرسامين".

وأضاف أن الكثير من المناسبات كان يحضرها مع جلال، منها حدث لوحة L'âne qui peint avec sa queue، ومساندة المغنية كاترين سوفاج حيث غنت في ملهى ليلي، "كنا نضحك كثيراً" .
وتابع :"زوجتي فرنسواز كانت لديها محبة خاصة لجلال، حيث كنا جلال وماري وفرنسواز وصديقنا الوفي جيرارد وأنا نقوم بسفر طويل لنحتفل في أرض الكتّاب بعيد زواجنا الـ50، وكان آخر إحتفال".

وختم كلمته قائلاً لجلال "أفكر بك".

مقطع من مسرحية "فخامة الرئيس" أداء رفعت طربيه ومنير معاصري.

كلمة العائلة ألقاها الأستاذ جاد أرسان، إبن شقيقة الراحل جلال خوري، والذي حضر خصيصاً من شنغهاي للمشاركة في الإحتفال :"جلال كان دائماً روح وحياة، وتبيّن لي خلال العام الذي مرّ كما أن مساهمته كانت مميزة، ودائماً موجود في حياتنا، بطريقته الخاصة كان يعبّر عن إهتمامه ومحبته لنا، ويشاركنا الهوايات التي تميز بها وبرز فيها، ويعملنا إياها، بداية كان هناك التصوير ومحبة الكاميرا وتقنياتها التي أعطانا إياها قبل أن يكون التصوير معمماً مثل اليوم، ولازال التصوير أفضل هواية عندي، وهناك أيضاً التسجيلات التي أصبحت فيديو والتي كان فيها كل روح المسرح والإخراج، وتعليم الدراجة الهوائية، وبعدها هواية السيارات التي ترجمت إلى تعليم القيادة والنظام".

أغنية ختامية "أنا كائن بذاك ساكن" من "رحلة محتار إلى شري نغار" أداء سامي حواط.

لقاء وداعي في المعرض الفوتوغرافي.

موقع "الفن" كان حاضراً، وعدنا بهذه الكلمات الخاصة.

الممثلة والمخرجة نضال الأشقر :"أنا أسمّي ما نقوم به اليوم إحتفال بجلال خوري لأن مسيرة 55 عاماً من العناد والمثابرة والكتابة والإخراج والإيمان بهذا الفن "اللي ما حدا فارقة معو بلبنان" خصوصاً الدولة اللبنانية، دولة جهلة، ليس هناك إرث في لبنان، ما من شيء يبقى، إذهب إلى الجامعات إسألهم عن عصام محفوظ لا يعرفونه، يعقوب الشدراوي أكبر مخرج، لا يعلمون شيئاً، يمكنك أن تعتبرنا جهلة، ونزرع الجهل في لبنان، لأنه ليس لدينا دولة تهمهما الثقافة، ليس هناك وزير تهمه الثقافة، ليس من الآن، بل أتحدث منذ الوقت الذي بدأنا فيه، للأسف لا أعرف ماذا سيحصل لهذا الإرث".

وأضافت :"لدينا فائق الإحترام لجلال خوري، لأنه ظل مؤمناً بهذا الفن، وبهذه المسيرة، وبقي مستمراً ومثابراً فيها، وظل يتردد إلى المسرح، "صار لي 25 عاماً فاتحة المسرح"، كان يأتي يحضر المسرحيات ويصور، ويعرف أنه ليس من الضروري أن يطلب إذناً، كان يصور مثلما يريد، ويحضر مثلما يشاء، كان لديه عندنا جميعاً محبة وإحترام، وكانت هناك ثقة متبادلة".

وتابعت الأشقر قائلة :"في العام 2017 أصبح لدي علاقة خاصة جداً مع جلال، صرنا نتحدث كل يوم ونتراسل عبر الواتساب، كان يرسل لي مقالات وبدوري أرسل له مقالات أيضاً، وبعدها أخبرني عن "سرجون الأكادي"، وهي المسرحية التي كتبها ولم يستطع إنهاءها بسبب وفاته، وقلت له "إن والدي أسد الأشقر كتب عن سرجون الأكادي وسأرسل لك الفصول التي لها علاقة بسرجون"، أنا لم ألحق أن أرسل له هذه الفصول، وهو لم يلحق أن يكمل المسرحية، لدي الكثير من الذكريات الجميلة مع جلال، كان يضحك كثيراً عندما كنت أقول له "دخلكن مرتك كيف طايقتك؟"، فكان يجيبني "والله ما بعرف، ما بعرف نضال"، كنا نضحك كثيراً، ونتسلى كثيراً".

وتابعت :"أنا لم أعمل أبداً مع جلال، فلم أقم بإخراج وهو مثّل، ولا هو قام بإخراج وأنا مثلت، كنا عالمَين مختلفين جداً، ولكن كان لدينا الكثير من المحبة والإحترام لبعضنا البعض".

الكاتب والممثل رفعت طربيه :"صداقة جلال تبقى في الذاكرة، أهم شيء في جلال أنه صديق، يقاتلك في وجهك، ويدافع عنك في غيابك، أول محطة لي معه كانت نتيجة نصيحة من صديق مشترك إسمه نزيه خاطر، وكانت في مسرحية "كذاب" حين لعبت دور "شاهين" الذي كان جلال قد كتبه مبدئياً له، في حين أن أنطوان كرباج لعب دور "طنسا"، وكرت السبحة فمثلت معه في "هندية"، وبعدها شاركت معه في "شكسبير إن حكى" الذي كان آخر عمل له حيث توفي جلال في فترة تقديمنا هذا العمل".

وأضاف :"جلال علّم في معهد للمسرح كنت أنا أديره، وكان إنساناً رائعاً، خصوصاً مع طلابه الذين هم اليوم ربما أكثر ناس يفتقدون لمعرفته وثقافته".

وتابع طربيه" برحيل جلال خوري خسر المسرح اللبناني إنساناً مثقفاً من الطراز الأول، وناقداً فنياً من الطراز الأول، ومخرجاً من الطراز الأول، ورائد المسرح السياسي في لبنان، هذا جلال خوري، المشكلة هي أنه مع غياب هؤلاء الكبار، رغم أن لدينا شباباً موهوبين جداً، لا أحد يحل مكانهم".

الممثل والمخرج منير معاصري :"أنا لم أعمل مع جلال، كان هناك كلام كثير لنعمل معاً في مسرحيتين هما "فخامة الرئيس" و "هندية"، ولكن صودف في المرتين أنه كان لدي سفر إلى الخارج، هو لم يستطع تأجيل المسرحيتين، وأنا لم أستطع أن أؤجل سفرتَي، حيث كنت ملتزماً بفيلم في البرازيل، لم يكن لدي حظ في العمل معه".

وأضاف :"جلال إنسان كبير، بصمته واضحة في المسرح اللبناني، وخصوصاً في المسرح الملتزم، جيلنا الذي بدأ العمل في المسرح في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان ينظر إلى المسرح بنظرة أخرى، كان هناك إلتزام بالإنسان وبقضايا المجتمع والسياسة والدين، هذه الأمور كانت مجبولة معاً في المسرح الذي كنا نقدمه، في مسرح اليوم هناك نوع من الترفيه، ويختارون مواضيع ليس فيها عمق، وتفتقد هويتها، وهذا ما يخيفني في المسرح أننا نفقد الهوية رويداً رويداً".

وتابع معاصري :"برحيل جلال خسرنا إنساناً مسرحياً، كاتباً ومخرجاً وفيلسوفاً مسرحياً، لأن جلال من ناحية النظرية ومفهومه للمسرح كان لدينا مخزون هائل من المعلومات، أكثر من مرة نصحناه بأن يسجل هذه المعلومات ويحفظها للتاريخ، ولكن ما من أحد توقع أن يغادرنا بهذه السرعة".

لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً إضغطهنا.