تصادف بعد غد، الذكرى السنوية الثانية لرحيل كبير من اعمدة الاغنية اللبنانية، عميد كلل الاغنية اللبنانية بالهوية وحب الارض مكملا رسالته الفريدة التي شكّلت مدرسة وحالة طربية وطنية عاشقة ملهمة ناصعة كبياض قلبه ومُشرّفة للعالم العربي أجمع.

هو الموسيقار ملحم بركات .. استذكر رحيله وكأنه لم يرحل .. ملحم الرجل الاستثنائي في المواقف كافة، الرجل الذي لن يتكرر، تلك الحالة التي جعلت من حولها هالة وسع المدى للنجومية، نفتقده وبشدة.

الساحة الفنية صامتة كالصمت الذي أنشدته ذات مرة وقلت "يا صمتي يا معذبني"، انما بمعادلة مختلفة هذه المرة. الصمت يقتل من احبك وعشق أغنياتك .. الصمت الذي يصارع صمت العالم ما عاد ليضج هيبة واناقة كرمى أغنياتك.

نعيش برحيل ملحم بركات فراغاً فنياً كبيراً .. نعم لقد كان ملحم بركات ملهما للساحة الفنية، كان مكملا غذائيا فيه كل فيتامينات ومعادن الحب والسعادة والفرح وكل الحالات التي تنتاب الانسانية.

في رحيل الموسيقار نفتقد مواقف الدفاع الشهمة عن الاغنية اللبنانية، ليس تعصباً او من باب العنصرية او رغبة في عدم الانفتاح على العالم، إنما من منطلق الهوية والارض وايماناً منه بالواجب بأن يكون في رصيد كل فنان لبناني أكبر عدد ممكن من الاغنيات اللبنانية على غرار الفنان المصري والخليجي والتونسي، وحفاظاً على الهوية اللبنانية.

ملحم بركات صاحب الباع الطويل في التلحين والاداء المحترف، ظل يطرب على المسرح بفضل خامته الصوتية المذهلة وكأنه في العشرين من عمره .. ملحم بركات غافل الزمن وانتصر عليه بألحانه والصوت الذي قهر العمر والوقت، فظل كما ولد وكبر .. ملحم بركات المطرب والموسيقار تمكن ومن خلال مسيرته ان يكون الحالة التي لن تتكرر .. وهنا استذكر يوم قدم آهات في أغنية "على بابي واقف قمرين" وجعلت منه موضع جدل بين ناقد حاقد وبين من وجد فيها عرباً تدرس .. ملحم بكل كيانه وأغنياته وحالاته وألحانه مدرسة لكل الاجيال القادمة .. مدرسة في التنوع وهو الذي تعاون مع الكبار نذكر منهم شفيق المغربي وتوفيق بركات ومنير عبد النور ونزار فرنسيس.

أستذكر ملحم بركات الوطني بإمتياز الذي كان وفي كل مرة يطلق أغنية وطنية يعبر عن الالم العميق الذي يعتريه. ومن منا لا يذكر أغنية "صار بدنا حريق" التي قدمها في أحلك الازمات وتم توقيفها فجن جنونه ووعد بتقديم أغنية أقوى من تلك التي عكست الواقع المزري الذي نعيشه في هذا الوطن.

أستذكر رحيل ملحم بركات وفي القلب غصة ولوعة الفراق وانا التي واكبته سنوات وسنوات نتخاصم نتحابب، لم نفسد يوماً لودنا قضية. أحبَّ ملحم المشاغبة واثارة الجدل، أحب اللعب بقلب طفل لم يكبر خطفه الموت، والحياة لم تشبع من حبه وشغفه وجنونه وابداعه.

ملحم بركات انت في الوجدان الماضي والحاضر والمستقبل .. انت في قلب كل عاشق ينبض حباً، وانت في قلب الوطن والهوية والعرض والكرامة.

ملحم بركات ألف رحمة على روحك .. ملحم بركات قاهر الازمنة، لن تموت ابدا.