تشبه حياتها قصة "السندريلا" التي عانت من قسوة زوجة الأب التي حوّلتها الى خادمة في المنزل، بدلاً من أن تكون إبنة صاحب البيت.

هذا ما حصل مع الفنانة والراقصة المصرية سامية جمال ولو كانت النهاية مختلفة، فربما لم تجد الأمير الذي يعوّضها عن القسوة التي عانتها والحياة العاطفية الفاشلة، الا أنها عوّضت كل عذابات الحياة بالنجومية والنجاح وحب الجمهور، وإستطاعت ان تُثبِت نفسها في تاريخ الفن المصري، كواحدة من أهم نجمات الرقص في مصر، اللواتي تميزن بالمزج بين الرقص الشرقي والإستعراضي في الوقت نفسه.

هربت من أسرتها ولجأت للفن وهذا أول راتب حصلت عليه
ولدت زينب خليل إبراهيم محفوظ في 5 آذار/مارس عام 1924 في محافظة سوهاج إحدى مدن الصعيد، وكانت تعيش مع والدها ووالدتها وزوجة ابيها، ولكن والدتها توفيت وهي في عمر الثامنة وقرر بعدها والدها ان ينتقل إلى القاهرة وهناك بدأت تعاني من قسوة زوجة ابيها، فقررت أن تهرب وتعيش مع شقيقتها المتزوجة لتجد نفس المعاملة! فقررت سامية جمال أن تهرب نهائيا فلجأت إلى تياترو بديعة مصابني التي أُعجبت برشاقتها وسمارها وأعطتها الفرصة كي ترقص منفردة بعد ان تم تدريبها، لكنها فشلت في البداية اذ كانت تشعر "بالتخشب" أمام الجمهور الذي صاح "أخيه أخيه رقص اونطة هاتوا فلوسنا" لتُبعدها مصابني، الا ان سامية جمال توسلتها فرصة أخرى، واتفقت مع مدرب الرقص ايزاك ديسكون أن يعلمها الرقص مقابل عشرة جنيهات على أن تدفع له خمسين قرشا شهريا. وبعد التدرب اشعلت المسرح برقصها، فباتت بديعة مصابني تعطيها 12 جنيها اجرا في الشهر، وبعد فترة باتت تحصل على 18 جنيها لتصبح من اغلى الراقصات في تلك الفترة.

بدايتها السينمائية وخطوات نحو العالمية وسر إنفصالها الفني عن فريد الأطرش
بدأت سامية جمال خطواتها نحو السينما عام 1939 بمشاركتها في فيلم "العزيمة"، وبعدها قدمت العديد من الأفلام مثل "أحمر شفايف" و"غرام المليونير"، وكانت النقلة بعد أن كوّنت ثنائيا فنيا مع الفنان فريد الأطرش وقدمت معه أكثر من فيلم منها "ماتقولش لحد" و"تعال سلم" و"آخر كدبة" و"احبك انت" و"عفريتة هانم"، وخلال الأعمال التي قدماها سويا قدمت سامية جمال تابلوهات راقصة على أنغام الأطرش وجمع بينهما الحب.
وقال فريد الأطرش في أحد لقاءاته عنها بأنه أحب ان يقدم افلاما مختلفة تحتاج الى مجهود كبير وقال "سامية جمال اسمها عايش في قلوبنا وكانت بتقدم رقصات جميلة كلاسيكية وتعبيرية وكانت بتقدم رقص شرقي مهذب بدون ابتذال. وقال ايضا إن الإنفصال الفني جاء بينهما ليؤكد بأنه فنان ناجح بدون سامية جمال وبأنها ليست السبب في نجاح أفلامه. وفي مذكراته التي كتبها قبل وفاته كان الأطرش قد ذكر بأنه أحب سامية جمال لأنها عوّضته عن فشل عاطفي مر فيه إلا انه لم يفكر بالزواج منها، بينما كانت سامية تشعر بالحرج وتسأله "هل ترفض الزواج مني لأنني فلاحة"؟ فالأطرش أكد في مذكراته أن الوحيدة التي فكر بالزواج منها هي الفنانة شادية.

شائعة قصة حب بينها وبين الملك فاروق
وفي رواية أخرى، يتردد بأن السر وراء عدم زواجها من الفنان فريد الأطرش كان حب الملك فاروق ملك مصر لها، وأنها اصبحت راقصة القصر في هذا الوقت حيث شاهدها الملك فاروق في احد المحلات مع فريد الأطرش وأُعجب فيها وأُطلق عليها اسم راقصة مصر الرسمية في هذا الوقت. وقد أُشيع أنها كانت تحلم بالزواج من الملك لكن زواجه بالملكة ناريمان جعلها تفقد الأمل في عام 1951 إلا انها نفت الأمر للمقربين منها قبل وفاتها.

خطوات سامية جمال نحو العالمية
بعد فشلها في قصة حبها من فريد الأطرش، قابلت الأميركي شيبارد كينج في فرنسا وتزوجته واهداها خاتم زواج قيمته 800 جنيه وقد اشهر اسلامه كي يتزوجها واصبح اسمه عبد الله وبدأت حياتها تأخذ منحنى آخر بعدما رقصت في أشهر مسارح الولايات المتحدة الأميركية حيث سافرت معه. وبعد اشهر من النجاح وتحقيق النجومية العالمية، حصل الانفصال من دون أن تحقق اي مكاسب مادية حيث رفض زوجها اعطاءها حقوقها التي وصلت الى حوالي 10 آلاف جنيه مصري مقابل رقصها في خمس ولايات اميركية! لتعود إلى مصر محملة بخيبة الأمل مجددا لتقف إلى جوارها صديقتها في هذا الوقت ليلى فوزي والتي عاشت عندها سامية جمال فترة قبل ان تشتري شقة في نفس العمارة بعد أن عاودت نشاطها الفني.
وأيضاً في حياة سامية جمال العاطفية، حبها لموسيقي إيطالي مغمور يدعى فرانكو فرانكي لكنها ابتعدت عنه بعدما شعرت أنه بخيل.

رشدي أباظة قصة على الشاشة تحولت الى حقيقة
اثناء تصويرها فيلم "الرجل الثاني"، بدأت قصة حب بين سامية جمال ورشدي أباظة الذي كان متزوجا في هذا الوقت من الأميركية باربرا الا انه انفصل عنها، وكانت سامية في هذا الوقت قد تقرّبت من ابنته قسمت التي أحبّت سامية كثيرا وقالت في تصريحات لها إن والدتها كانت شخصيتها جامدة في حين أن سامية جمال كانت تحضر الطعام لرشدي أباظة وتعامله بنعومة اثناء تصوير "الرجل الثاني" حتى مال اليها.
وبالفعل تزوج من سامية جمال لكن تحول فيلم "الرجل الثاني" الى حقيقة! ففي الفيلم يخونها رشدي اباظة مع الفنانة صباح وهو ما حدث بالفعل وبدأ الامر بدعابة بينهما فصباح قالت له إنه لا يمكن ان يتزوجها لأنه يخاف من سامية جمال وتحول الأمر الى حقيقة وتزوجا بعد ان استفاقا من اللعبة، وتم الطلاق بعدها باسبوعين وظلت صديقة لرشدي أباظة ووقتها قرأت سامية جمال الخبر من الصحف ولكنها حافظت على هدوئها. ويقول سمير صبري إن سامية جمال قالت إنها ستنتظر عودته في المطار فهو عائد الى منزله "اهلا وسهلا به"، وبعد وصوله، ذهبا الى المنزل وكأن شيئا لم يكن! ليقول عنها أباظة إنها لا تدير المعارك عند الخلاف.
استمر زواجها برشدي أباظة 18 عاما، خلالها قررت سامية جمال أن تكتفي بدور الزوجة والأم لابنته، فباتت تعيش لتنظم مواعيده وتهتم المنزل بينما ابتعدت عن الأضواء والشهرة، وبعد ‘نفصالهما حاول رشدي العودة اليها كثيرا من دون جدوى وبعد وفاته حضرت جنازته متخفية، وذهبت لقبره بعد أيام لتقول له: "كان نفسي تموت في حضني يا رشدي".

رفضت الزواج بثري عربي رغم ضيق الحال
على الرغم من إعتزالها، إلا أن سامية جمال عادت لترقص مع فرقة سمير صبري، مقابل 2000 جنيه لتسديد ديونها، التي تراكمت ولضيق الظروف التي مرت فيها، ولكنها شعرت أن الأمر لم يعد لائقا بها في هذه المرحلة العمرية وهو ما قالته لسمير صبري بعدها بأنه لا يمكن ان تضيع تاريخها الفني. وعلى الرغم من وضعها المادي الصعب، رفضت عرضا مغريا من احد الأثرياء العرب الذي طلب منها الزواج مقابل أن يهديها جناحا خاصا في احد الفنادق الكبرى لتعيش فيه.

رحيلها
توفيت سامية جمال يوم 1 كانون الأول/ديسمبر عام 1994، عن عمر ناهز الـ70 عاماً.
ببدلة رقص بسيطة وجسد ممشوق رسمت البهجة، فكان لها طابع خاص في رقصها، مزجت فيه بين الرقص الشرقي والرقص الغربي.