هي أمّ الاذاعات التي يكاد لا يصبح الاعلامي إعلاميا ما لم يمر عبر أثيرها ويتتلمذ على يد إعلامييها الكبار ومدرستها التي لا تتكرر.

وأن تشغل منصب مدير البرامج في هذه الاذاعة، ليس بالامر السهل الا اذا اقترن بالجهد والثقة والتمكن من اللغة والاداء الصحيح، اضافة الى الصوت الجميل والثقافة العالية والحضور المحبب، وبما ان كل ذلك موجود لديه، فقد حجز لنفسه تلقائيا هذا المكان وشغَلَه عن جدارة.
هو شادي معلوف، مدير البرامج في اذاعة صوت لبنان- الضبية، الذي كان لنا معه هذا اللقاء...

موقعك كمدير برامج في اذاعة صوت لبنان يحتّم عليك البحث الدائم عن افكار جديدة، كيف تقوم بذلك من دون الوقوع في التكرار؟
يمكن القول إن الافكار استُهلكت والبحث عما هو جديد أصبح يحتاج الى مجهود اكبر من السابق وكل الاعلام لم يعد كما في السابق بمعنى ان المادة التي تقدمينها تواجه المنافسة من اكثر من ناحية، من ضمنها الوسائل الاعلامية بحد ذاتها ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تلعب الدور الذي كانت تلعبه وسائل الاعلام.

هل تعتبر ان زمن الاذاعة تراجع بوجود السوشال ميديا، ام ان وجودها ساهم في دعم الاذاعات؟
لا لم يتراجع، لان ليس كل ما يقدَّم عبر الاذاعة يمكن تقديمه على وسائل التواصل الاجتماعي والعكس صحيح، وليس دور وسائل الاعلام التقليدية كالاذاعة والتلفزيون والصحف ان تقدم ما تقدمه السوشال ميديا، بل يجب ان تحافظ على مثاليتها ورسالتها ودورها في تقديم ما هو مُسلي وايضا مفيد للناس ومثقف. وهذا ليس دور السوشال ميديا لا ان يثقف الناس ولا ان يعطيهم مادة جدية، وربما في لبنان تعاملنا مع هذه الوسائل يختلف عن تعامل الاخرين معها في الخارج وعندنا الامور مختلطة ببعضها الببعض فلكل منها الحيّز من الاعمال الذي يجب ان يقدمه وهنا يمكن لوسائل الاعلام ان تستفيد منه لناحية الانتشار.

ما هو تحديدا الاختلاف في التعامل بين وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بين الخارج ولبنان؟
انا لا احبّذ وسائل الاعلام التي تعتمد كليا على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر لاخبارها، وأرى من الخطأ ان تصنع هذه الوسائل من اي احد اطلق صفحة على هذه الوسائل او لديه حسابا عليها وليست له اي حيثية، ان نصنع منه نجما على حساب من يعملون بجهد كبير في وسائل الاعلام للحصول على الخبر والسعي وراءه بمهنية فيما توجه الاضواء الى من يكتبون ما يريدون من دون جهد او احتراف ومصداقية وبنقل مجاني! ان كل ذلك يسيء الى المهنة.

من خلال افكار البرامج التي تُعرض عليك وخصوصا من قبل الخرّيجين الجدد؟ هل تشعر بتراجع الجهد المبذول لابتكار الافكار او التساهل في تقليد بعض البرامج مع اضفاء بعض الاختلاف عليها؟
هذا صحيح في جزء منه، الا اننا نجد من يستطيعون تقديم افكار جميلة ومبتكرة، الا ان اليوم منحى الحياة يتجه نحو السهولة لان كل شيء بات موجودا بين ايدينا ومن السهل ان نعرف ونطّلع ، وبإمكاننا ان نصل الى اي برنامج في الخارج وان نعرف ما الذي يقدمه غيرنا فنغير فيه قليلا وينتهي الامر. ان سهولة الحصول او التأثر بما هو موجود يجعل الناس كسولة وغير متحمسة على التفكير وبذل الجهد في سبيل تقديم ما هو جديد.

واليوم ايضا تغيرت نظرة من يعملون في هذه المهنة للمهنة بذاتها، ففي الاجيال السابقة كان الاعلامي يهتم بمضمون المادة التي يقدمها ويسعى بجهد كبير للحصول عليها، انما اليوم ما يهم الجيل الاعلامي الجديد هو الشهرة، حتى ان البعض لا يتقبلون توجيه الملاحظات اليهم في ما يخص الاداء واللغة وكل ما له علاقة بصميم المهنة، وقد تتحمل الوسائل الاعلامية التي يعمل لديها هؤلاء المسؤولية الى حد ما، من ناحية لان من يتقنون هذه المميزات الضرورية باتوا قلة ولن يقبلوا بالعمل بمردود مادي ضئيل، ومن ناحية ثانية لان الاحوال الاقتصادية المتردية تجعلهم لا يرغبون بتكبد الاموال على اعلامييهم فيختارونهم يمتلكون الحد الادنى من حيث الصوت والاداء ويغضون النظر عن التفاصيل الاخرى التي لم تعد ذات اهمية كبيرة لدى الاعلامي كما في السابق.

علما ان بعض وسائل الاعلام تجد نفسها مرغمة ولعدة اسباب على التماشي مع الوضع كما هو، فيما وسائل اخرى تتخذ هذا الاختيار لانها تعتبر موضوع الصوت واللغة السليمة والاداء مدرسة قديمة لا تأخذها كثيرا بالاعتبار او تكترث لها.

ولكن الارتباط كبير بين ما يُعجب المستمعين ويشدهم الى الاستماع والمادة التي تُقدم اليهم وطريقة تقديمها، كيف تفسر متابعة الناس لبرامج ومقدمين لا يمتلكون الحد الادنى من المقومات التي كانت اساسية في السابق؟
لان الموضوع هو سلسلة مترابطة والتراجع لا يشمل ناحية واحدة فقط، فحين ينخفض مستوى الاعلام عندها ينخفض مستوى السياسة والفن والاقتصاد والصحافة فالدول تمر في اوقات من السقوط والتراجع والدليل على ذلك ما نمر فيه اليوم في كل القطاعات....

ولكن حتى حين تعود وتتحسن الامور، فهي لن ترجع الى الحال الذي يفترض فيها ان تكون عليه، بل يصبح الواقع هو القاعدة، فنفقد بالتالي الثوابت والمعايير التي لطالما واكبت الاعلام الراقي، المُثقّف والهادف؟؟
لن يستطيع اعادة ذلك الا نهضة جديدة الا اذا اصبح السائد هو الشائع ولا احد يرغب او يسعى الى تغييره، فهو بات "المدرسة الجديدة في هذه المهنة"، والزمن وحده كفيل بتحديد ما اذا كان سيحصل اي تغيير على هذا الصعيد.

وأين يأتي دور القُدامى وأرباب هذه المهنة؟
بل من تبقى منهم.... بحكم قدرة وسائل الاعلام على استيعابهم وبحكم التقدم في السن، وبحكم مدى استمرار وسائل الاعلام باتباع الاسلوب الذي تتبعه اليوم، حيث يمكننا القول ان الصح اليوم هو الخطأ لان وسائل الاعلام مرغمة على مواكبة الواقع لناحية الوضع الاقتصادي الصعب والمنافسة ولان في لبنان عدد وسائل الاعلام يفوق سوقها الاعلاني فتضطر الى تقديم بعض التنازلات...

في اختيارك للاغنيات التي يمكن ان تمر عبر اثير اذاعة صوت لبنان، لا تهمك الاغنيات الضاربة، بل الاغنيات ذاتالمستوى، الا يؤثر ذلك على نسبة المستمعين؟
ما تقولينه صحيح ولكن الى حد ما. هناك مستوى من الاغاني بشكل حتمي لن يمر ان من حيث الصوت او الكلام وما الى هنالك! "مين ما كان صار قادر ينزّل غنية"! في هذا العالم اليوم الامور اصبحت سهلة وفي بعض الاحيان يشعر من يريدون اطلاق اغنية انهم ليسوا بحاجة الى الاذاعة، فصفحة على الفايسبوك او صفحة مدفوعة من "سبونسور"، تجعلهم يشعرون انهم وصلوا الى الجمهور، وبالنسبة اليهم الاذاعة ليست ذات اهمية كبيرة، وبالتالي الامر متبادل بيننا. ولكن ما آسف عليه، ان بعض الفنانين المهمين اصبحوا لا يتعاملون مع الاذاعات كما يجب ويعتبرونها درجة ثانية، فالاذاعات هي من أطلقت عددا كبيرا منهم وهي من أوصلت اغنياتهم الى الناس واليوم باتوا يجعلونها تسعى لان تحصل على اعمالهم بدلا من ان يرسلوا اليها هذه الاعمال، علما ان العمل الناجح يدفعنا احيانا الى المبادرة والسعي للحصول عليه، الا انني أتوجه الى هؤلاء بأن يعيدوا النظر برؤيتهم أقله من ناحية التعاطي الانساني، لانني اعتبر ان نجاح الفنان ليس بأغنية والفنانين الكبار الذين بقوا ويستمرون اليوم على الساحة، اعمالهم الجميلة هي التي فرضت بقاءهم، اضافة الى علاقاتهم الانسانية والشخصية مع الاعلام والصحافة ومع الجمهور، هذا ما سيؤثر كثيرا على استمراريته، فهو يوما ما سيعتزل وما سوف يبقى منه هو العلاقة التي بناها مع الناس والاعلام وتواصله مع الجميع. هم يقصّرون في هذا الشأن علما ان الاذاعات تواكب التكنولوجيا ويمكن سماعها في اي وقت ومكان وهي بالتالي ليست اقل شأنا في انتشارهم واستمراريتهم، ومعظم الناس يمضون وقتهم على الطرقات، وهنا نجد الاكثرية تستمع الى الاذاعة.

هل تلقيت يوما عروض عمل تجعلك تحتار في الاختيار ما بين البقاء او الانتقال الى عمل جديد؟
كلا لم يحصل ذلك، الا انني اقوم ببعض الاعمال الى جانب عملي في الاذاعة والتي لا تتعارض معه. وما يستفزني اكثر من عرض ينقلني من اذاعة الى اذاعة اخرى، هو عرض ينقلني الى مجال عمل آخر!

تفكر اذا في الابتعاد عن الاعلام؟!
في ظل ما يشهده مستوى الاعلام اليوم و مهنيا، نعم افكر بذلك! المهنة اليوم لم تعد تمنحني كل الشغف الذي كان يوجد لديّ تجاهها، وذلك بسبب كل نقاط الضعف التي تمر فيها في ايامنا هذه والتي ذكرناها في حديثنا، والتي جعلتني انظر اليها بنظرة مختلفة عن تلك التي كنت انظر اليها فيها في السابق.

وما هي الاعمال التي تقوم فيها الى جانب كونك مدير البرامج في الاذاعة؟
Voice over، كتابة نصوص، اعداد، تعليم اللغة العربية وبعض المشاريع التي ترتبط بمهنة الاعلام.

منذ متى بدأت في اذاعة صوت لبنان؟
منذ العام 2000.

من هو اكثر من تأثرت فيه في الاذاعة؟
اكثر من أثّر بي مهنيا وفي نظرتي الى هذه المهنة، وردة.

هل تتمنى لو انها تعود اليوم الى الاذاعة؟
اتمنى ان تعود اليوم الى الاذاعة؟ ليس الامر ان اتمنى فهذا كان خيارها، وهي بالطبع من تقرر في هذا الموضوع. اما في ما يتعلق بي، فلقد كنت سعيدا جدا في المرحلة التي عملت فيها في الاذاعة وكانت هي فيها ، لانني من خلالها اكتسبت تفاصيل المهنة، من خلال متابعتي ومراقبتي لها ولطريقة عملها وطريقة ادارتها للبرامج في الاذاعة من حيث ابتكار الافكار والتعامل مع "الهوا".

ومن برأيك اجمل الاصوات الاذاعية التي مرت او ما زالت في صوت لبنان؟
أجمل صوت اذاعي بالنسبة لي في صوت لبنان هو صوت نوال ليشع عبود، ولينا توما وممن غادروا الاذاعة جورج صليبي.

عدد كبير من الاسماء كان لها اسمها في اذاعة صوت لبنان تركت ثم عادت الى الاذاعة، أذكر منها ربيكا ابو ناضر وجوني الصدّيق. الذي عاد اليها مؤخرا، ماذا تقول عن ذلك؟
كل الاسماء التي ارتبطت بصوت لبنان سواء التي كانت حين بدأت في الاذاعة او التي لا تزال موجودة فيها حتى اليوم، كلها اسماء نستفيد منها ومن خبرتها ومن طريقتها بالتعامل مع هواء الاذاعة، وكيف يتم التعامل مع الهواء ، فربما اليوم يستسهلون ذلك مع انه ليس بالامر السهل تدارك الاخطاء وسرعة البديهة في معالجة الوضع وعدم الارتباك، وما الى هنالك من مواقف نتعلمها ونكتسبها ممن مروا بهذه المهنة قبلنا والذين نكتسب منهم ومن خبراتهم وخصوصا في ظل الظروف التي عملوا فيها في الماضي حيث كان جمع المعلومات ليس بالامر السهل ويتم التحضير لوقت طويل مع الضيف، ويضطر المذيع في بعض الاحيان لاطالة الكلام كي تجهز المادة المسجلة، في الماضي كان "ممنوع الغلط"، اما اليوم ومع التطور التقني، فبات الخطأ يمر بسهولة اكبر، اليوم الاعلامي يخطىء ويبتسم، تغيّرت المهنة، في اعلام اليوم الصح صار هوي الغلط !

أخبرنا عن مؤلّفك الاول، وهل انت بصدد الاعداد لكتاب جديد؟
كتابي حمل اسم " من الاول"، وفيه أحببت ان ادون واحتفظ بالدرجة الاولى ببعض الامور التي اجدها جميلة والتي مررت بها في بداياتي في هذه المهنة، واحببت ان تكون نوعا من تذكير ببعض الشخصيات التي استضفتها في برامجي الاولى او الشخصيات التي في مكان ما، تركت اثرا في شخص كان ببدايات مسيرته الاعلامية. هو بالدرجة الاولى كان شيئا انا احببت ان اقوم به، ومن ناحية احببت ان احفظ فيه هذه المرحلة من حياتي. لم يكن الهدف منه تسويقيّ بل كنت اكتب بين الحين والاخر، وحين اعتبرت انه يمكن ان يصدر ككتيّب قمت بذلك، ولم أُقم مِهرجانا لاطلاقه! بل فقط كان في اطار الاصدقاء والمقربين .

ليس هناك من اصدار جديد، هناك بعض الافكار التي يمكن ان يُعمَل عليها.

هل من اطلالات تلفزيونية؟ وماذا عن جديدك بعيدا من الكتابة؟
كلا ما من شيء في الافق. واعمل على فكرة برنامج جديد، لانني اشعر انني بحاجة الى تقديم ما هو مختلف كليا عن كل ما سبق وقدمته وانا بصدد العمل على ايجاد ما ابحث عنه.

لقد انطلقت من التلفزيون، هل تقبل اليوم بتقديم برنامج تلفزيوني في مقابل التضحية بعملك وموقعك في الاذاعة؟
أحب التلفزيون في عمل جدّي لانني لا اتماشى مع ما هو رائج اليوم من برامج خفيفة، ولا اشعر ان ما هو مطلوب اليوم هو البرامج الجدية، وما هو غير ذلك لا احبه ولا يعني لي، قد أنجح فيه الا انني لا احبه.

ماذا تقول في الختام؟
أشكرك، وأشكر موقع الفن والاعلامية الكبيرة هلا المر التي تملك تاريخا كبيرا في العمل الاعلامي والتي كان صوتها حين كانت في المجال الاذاعي محفورا في آذاننا، يعطيكم الف عافية لان استمرارية موقع الكتروني ونجاحه في هذا الزمن وفي ظل الميديا الجيدة وغير الجيدة وفي ظل استباحة انشاء المواقع الالكترونية من قِبَل "اللي بيسوى واللي ما بيسوى"، يتطلب مجهودا كبيرا، شكرا لكم .