لبنان، الوطن الذي يأبى الركود، ينهض دائما ليُظهر صورته الحقيقية التي تمزج الثقافة والتراث والحضارة، كاسرا بذلك الانطباع المهمّش عنه، محاربا ايادي السوء.

فهو الذي يحوي عددا كبيرا من الأماكن المقدّسة الأثريّة، والتي بغالبيتها غير معروفة من الكثيرين، تزيده اصالة وعراقة، ليغدو مصدر القدّيسين والرسل.

برعاية وزارة السياحة اللبنانية، أُقيمت جولة مميزة للتعرّف على المناطق الأثرية غير المعروفة في لبنان، والهدف منها التشجيع على السياحة الدينية فيه.

ولذلك اختارت الوزارة يوم السبت الماضي، القيام بجولة على منطقة صور وقانا الجليل، الموجودة في الجنوب اللبناني، المنطقة التي تُعدّ ركنا اساسيا للمقدّسات، حيث ان المسيح كان يزورها، وأقام أعجوبته الأولى فيها بطلب من والدته السيدة العذراء مريم، حيث حوّل الماء إلى خمر.

في البداية توجّهنا الى المغارة منبع القداسة والايمان، كما رأينا المحفورات على الصخر التي ترمز الى المسيح وتلامذته، مشهد يبعث على الرهبة و يحاكي الروح، ويعكس الايمان الحقيقي.

بعدها زرنا الأجران التي حوّل المسيح الماء فيها الى خمر، وذلك في احد الأعراس هناك، وتعدّ هذه المعجزة الأولى له.

وقد أشيع في السابق ان بلدة المعجزة الأولى هي كفركنا في فلسطين، الى ان تعرّف المؤرخون على منطقة قانا الجليل في لبنان واكّدوا حينها انها هي بلدة المعجزة الأولى المذكورة في الانجيل المقدّس.

ومن ثم قمنا بزيارة منطقة "القليلة الجنوبية" لرؤية مقام النبي عمران، حيث تطالع الزائر هناك السبحات والشموع.

بعدها توجّهنا الى مدينة صور وتحديدا الى كنيسة سيدة البحار المارونية المتواجدة في حي المسيحيين، وهو حيّ جميل كلوحة فنية آسرة، يقصدها العديد من المواطنين للتمتّع بمنظره الخلاب.

وللكنيسة قيمة مقدسة خاصة وميزة اثرية كبيرة. تتألف من عدّة طبقاتو فيها الأحجار الرومانية. ويقال ان الشهداء المسيحيين الأوائل يدفنون فيها.

ختام هذه الجولة كان في قلعة صور الأثريّة وهي من اهمّ القلاع في لبنان، وتعدّ ركنا أساسيا من تاريخ صور وعراقتها، وتعرف بـ "برج المباركة"، وقد تعرّضت هذه القلعة لعدّة نكسات من بينها زلزال عام 1957، اضافة الى اعتداءات العدوّ الاسرائيلي قديما.

وكان لموقع الفن لقاء خاص مع رئيس بلدية قانا الجليل محمد عطية الذي قال ان قانا هي بلدة جنوبية مقدّسة وفيها حوّل المسيح بمعجزته الأولى الماء الى خمر، كما وصفها البطريرك الراعي انها مهد المسيحية ومهد لبنان، وان آثار قانا الجليل موجودة منذ حقبات زمنية قديمة، مشيرا الى ان عددا من المؤرخين اللبنانيين اجروا العديد من الدراسات التي اكّدت نتائجها ان هذه الأثار موجودة منذ زمن المسيح وما بعد زمن المسيح بقليل، وتؤكّد ان هذه المنطقة هي التي ذكرها الإنجيل المقدّس، وليست كفركنّا في فلسطين المحتلّة.

وطالب بضرورة الملاحقة من الادارات لاعداد ملف علمي كاف وواف، لتظهر قانا على لائحة السياحة الدينية العالمية، خصوصا وان كل الدراسات الجديدة التي اجريت في فلسطين تؤكد ايضا انها ليست الأماكن المذكورة في الانجيل.

وذَكَر ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد أخذ الملفّ الى الفاتيكان للمطالبة بهذا الموضوع، وتمنى المتابعة في هذا الأمر.

كما كان لنا لقاء مع رئيسة دائرة الاستقبال والاستعلامات في وزارة السياحة رشا أبو عليوي، التي قالت انه برعاية وزير السياحة، قمنا بهذه الخطوة للإضاءة على السياحة الداخلية التي تعكس الارث اللبناني وثقافته، اضافة الى السياحة الدينية، وهذه الأماكن التي قمنا بزيارتها هي اماكن غير معروفة للكثيرين.