أثارت إطلالة السيدة ماجدة الرومي على جمهورها العريض خلال مهرجانات الأرز هذا العام ردود أفعال مختلفة بين محبّيها والمتابعين لأعمالها بشغف وبين محترفي تدريب الأصوات، وذلك بسبب التغيّر الواضح في أدائها أثناء الغناء.

ومن هنا، كان لا بد من الوقوف عند رأي التينور ومدرّب الأصوات المحترف غبريال عبد النور الذي يمتلك خبرة بارزة في هذا المجال والاستيضاح منه عن بعض الأمور التقنية.

بداية، أدلى شقيق الفنانة ماجدة الرومي ومدير أعمالها عوض الرومي بتصريحات هاجم خلالها منتقديها، مشيراً إلى أنه (تمّ شراؤهم بحفنة من الفضة)، ما رأيكم بذلك؟

ليس غريباً أن تتعرّض قامة فنية كالسيدة ماجدة للرومي للانتقاد، وهذا الأمر طبيعي وإلا فليكتفِ الفنانون بالغناء في منازلهم. كثير من كبار الفنانين تعرّضوا للانتقاد خلال مسيرتهم الفنية وحكي عن تراجع في أصواتهم وأذكر هنا ماريا كالاس التي تعتبر من أهم مغنيات الأوبرا، ناهيكم عن أم كلثوم، فيروز، صباح، وديع الصافي (مع حفظ الألقاب طبعاً). وهنا أتساءل: هل حافظ معظم أبناء جيل ماجدة الرومي على أصواتهم ونقاوتها 100%؟!

صرّحت أستاذة الموسيقى أراكس شيكيجيان "أن الهرمون الذي يحافظ على توازن الجسد يضعف مع تقدم السن، وعدم إفرازه يؤثر سلباً على الصّوت بعد عمر الخمسين". هل يعقل أن يكون هذا هو السبب فقط؟

من الطبيعي أن يتأثر الصوت بالهرمون ويتطلب تمارين مستدامة لتحافظ الفنانة على رشاقة صوتها. وكما حافظت السيدة ماجدة الرومي على رشاقة جسدها، بعد تخطيها لعمر الخمسين، لا تزال محافظة على المدى الكامل لصوتها، ومن خلال تدريبي لها منذ فترة أستطيع القول إن صوتها يتخطى 3 أوكتاف ليصل إلى حدود 3 أوكتاف ونصف وهذا مدى كبير بالنسبة للأصوات. المشكلة لديها لا تتعلق بالمدى أو بالعمر، وإنما بدأت منذ منتصف التسيعينات، وتحديداً بعد ألبوم "إبحث عني"، إذ بدأ صوتها يتخذ منحى مختلفاً بوضعيته وبالتقنية الصوتية التي تراجعت. صوت ماجدة في ألبوم "رسائل" ليس نفسه في "كلمات"، والسبب يعود إلى تقديمها أولاً أغنية "عم بحلمك يا حلم يا لبنان"، وكانت حينذاك فتاة يافعة بسن الـ 18 عاماً، والتي تتطلب طبقات عالية وحادّة في وقت لم تكن متمكنة من التقنيات الصوتية بعد وصوتها "خام". هذه الأغنية، وعلى الرغم من روعتها وهي من كلمات الشاعر سعيد عقل ولحن الموسيقار إلياس الرحباني وتركت بصمة كبيرة في تاريخها الفني، كانت صعبة جداً عليها وتركت تأثيراً على صوتها لذا نادراً ما كانت تؤديها بشكل كامل على المسرح في الثمانينيات وإنما بدأت بذلك في التسعينيات مع تمكنها من التقنيات الصوتية. وأعتقد أن والدها الراحل حليم الرومي كان على فراش المرض حينذاك لذلك لم ينتبه إلى أن الأغنية تفوق مقدرات إبنته الصوتية.

لكنها في تلك المرحلة تعاونت مع أبرز الملحنين... أيعقل ألا ينتبهوا إلى هذه المشكلة؟

هنا تبرز علاقة الملحنين ومدرّبي الصوت مع صوتها الذي يمتلك شخصية خاصة، إذ لا ينتمي إلى الغناء الأوبرالي وليس بإمكانه الغوص في المقامات الشرقية الصعبة، وإنما لديه شخصية مختلفة وخاصة. لم يتعاملوا معها بطريقة صحيحة في ظل عدم وجود مراجع بإمكانها تبنّي هذا الصوت ومساعدته حينها. ولهذا أجد أن السيدة ماجدة الرومي كانت بمثابة "حقل تجارب بحق حالها"، كانت تقوم بتجربة صوتها وتحاول تطويره والبحث عما يفيدها ويناسبها، وهذا الأمر لم يترك مجالاً لتواجد أشخاص حولها يقدمون لها التقنيات الصوتية التي تخدمها دائما بالطريقة المناسبة.

إختيارها للأغنيات الصعبة هو السبب إذاً؟

بعض أغنياتها استهلكت صوتها وأتعبته وأرهقته مثل "ست الدنيا يا بيروت" و"طوق الياسمين" و"مع جريدة"، فاستخدام المدى الكبير في الصوت على المسرح مع نوتات أوبرالية حادّة ومن دون أن يكون الفنان جاهزاً بشكل كامل، نفسياً وجسدياً، يؤذي الصوت. أعتقد أن ثمة ملحنين لم يدركوا الهوية الحقيقية لصوتها وبالتالي لم يعرفوا كيفية التعامل معه وهذا ما ترك أثراً على صوتها ونقله أحياناً إلى أماكن أخرى أضاعت هويته وآذت تقنياته.

ولكن من الطبيعي أن يقدّم لها الملحنون أعمالاً تتطلّب صوتاً واسع المدى....

كان هناك صراع بين الملحنين لتقديم أعمال لها تتطلّب طبقات حادّة لأن صوتها من نوع السوبرانو والطبقات العالية فيه واضحة وسهلة لكن هذا الأمر جعلها تخسر من العرض في صوتها على الرغم من ثبات النوتات المنخفضة فيه. العمل الدائم على استخدام النوتات العالية تسبّب في ولادة هذه المشكلة لديها.

ولكن هناك مَن عزا السبب إلى رداءة الحالة الجوية...

لا يتوقف الأمر عند درجة الحرارة المنخفضة جداً في منطقة الأرز والصالة الجليدية التي أحيت حفلاً فيها ضمن "هلا فبراير"، بل تكرّر الأمر مراراً معها سواء في "إهدنيات" أو"بيت الدين" أو"البترون" أو"جونيه" ودائما ثمة أعذار تقدّم إما بحجة ارتفاع الحرارة أو الرطوبة... باختصار المشكلة واضحة وجلية منذ زمن وليست حديثة.

هل من الممكن أن تستفيد اليوم من تقنيات التدريب الخاصة بمطربات الأوبرا، كما صرّحت مدرّبتها؟

التقنيات مهمة جداً في مكان ما، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أصوات مثل صوت ماجدة الرومي وجوليا ونجوى كرم، تؤدي الغناء باستخدام الحروف العربية. من خلال دراساتي حول تقنيات الأوبرا والتجويد وغيرها، يجب الانتباه إلى كيفية استخدام الحروف العربية من دون تشويهها، فالسيدة أراكس عاجزة عن إتقان مخارج الحروف العربية وهذا ما سيسبب نقصاً لمن يغني باللغة العربية لأنه ليس بإمكاننا التعاطي مع الصوت الذي يؤدي باللغة الأجنبية الحديثة أو "غناءً شرقياً" كما نتعامل مع صوت يتخصص بالغناء الأوبرالي فقط.

وماذا عن مخارج الحروف في أغنيات السيدة ماجدة الرومي. أليست سليمة؟

ثمة ضعف في لفظ مخارج الحروف لدى غنائها، وهذا ما بدا واضحاً في الأوبريت الافتتاحية للمهرجان، وكذلك في أغنية "الدبكة"، حيث نلاحظ وجود كلمات عديدة لم نتمكن من فهمها.

تقول أراكس، أستاذة الموسيقى، إن ماجدة الرومي تمكنت من الوصول إلى ثاني أوكتاف في أغنية "ست الدنيا". ألا يجب اعتبار ذلك أمراً هاماً؟

سبق وأن ذكرت لك أن مدى الصوت لديها لا يزال كاملاً، ووصلت هذه المرة إلى نوطة (سي بي كار)، الموجودة في الأغنية، على الرغم من أنها غيّرت النوتة في حفلها الأخير في "بيت الدين" وأخفضتها، وقدّمتها هذه المرة كما هي ولكن بانفعال واضح وانتباه فائق ومجهود بارز.

هل تجوز المقارنة بين صوتيّ جوليا وماجدة الرومي في ظل عدم تأثر الأول بالتغيرات المذكورة سابقاً؟

جوليا لم تستهلك صوتها ولم تؤد ّبمساحات صوتية تحتاج إلى تقنيات عالية كما حدث مع السيدة ماجدة. البيانو إذا لم تتم (دوزنته) بشكل دائم يتأثر بالعوامل، فكيف بالأحرى بصوت بشريّ هو جزء من هموم الإنسان ومتاعبه وظروفه الصعبة. وللأسف، فكرة "التأليه" المعتمدة حالياً في الإعلام يجب التخفيف منها لأنها تؤذي الفنان، ويجب الاعتماد على العلم لدى انتقادنا لأي عمل فني لإفادة الفنان أكثر.

أتنصح السيدة ماجدة الرومي بالاعتزال؟

بالطبع لا، فهي قدوة لنا في تقديم الفن الراقي والمحترم، وأنا من الأشخاص المتأثرين بها شخصياً وبمسيرتها التي جاهدت لأجلها وضحّت بالشق الإنساني من حياتها لصالح الفن، ولطالما كانت راهبة في الفن والغناء. وأقول لها: بما أنك صورة نقية وبهية لبلدنا من الطبيعي أن تتعرّضي للانتقاد وأن يتأثر صوتك الذي أجهدته في سبيل تقديم الفن الراقي وإبراز صورة الفنانة اللبنانية المحترمة التي نفخر بها.