بإطلالة عفويّة جدًّا وبسيطة، وقفت سعاد ماسي على مسرح المدرجات الرّومانية في زوق مكايل. بلوزة بيضاء، بنطال اسود وحذاء أبيض وغيتار تعزف عليه بنفسها.

هي ليست من الفنانات اللّواتي يعتمدْنَ عناصر الإبهار لجذب الانتباه. قوّتها في الكلمة واللّحن الذيْن يأخذانِكَ إلى الماضي المليء بالحب والعبر وتجارب تعلّمت منها.

تقول الفنانة الجزائرية :"أحب لبنان كثيراً، الآن هو بلدي الثالث، بعد الجزائر حيث ولدت، وفرنسا حيث أعيش، ولبنان حيث أغني اليوم".

اختصرت ماضيها بثلاث جمل حملت معها معان كثيرة، فهي قد عرفت أولى نجاحاتها بعدما تركت بلدها الجزائر، وانتقلت للعيش في فرنسا هرباً من التهديدات، فأصدرت ألبوم "راوي" الذي تحوّل إلى ظاهرة عالمية، بفضل الاغنية التي تحمل العنوان نفسه لكنّها لم تؤدّها في المهرجان وحاول الجمهور أن يطالبها بالأغنية مراراً إلا أن لجنة المهرجانات فضلت الإستغناء عنها. في عام 2015، وبعيدا عن السياسة والحب أحبّت أن تعود الى نصوص شعرية عربية بدءاً من المتنبي وصولاً الى أبو القاسم الشابي، فأصدرت ألبوم "المتكلمون"، لتسليط الضوء على الحضارة الشّعرية العربية ومحاربة الإرهاب.

سكتت الموسيقى وانطلقت ايقاعات العازف رابح خلفة على "الدّربكة"، وهي كانت كفيلة في ان تجعل كل من جلس لساعة وربع من متذوّقي الفنّ، يقف ويتمايل على وقعها. إيقاعات شرقيّة خطفت سمع السّيدات وأوساطهنَّ، رقص وتفاعل رافقهما الغناء والتصفيق، حضور لافت للسّيدة منى الهراوي في الحفل وعدد من فعاليات المنطقة.

خمسينيّة ذات شعر ابيض استسلمت للايقاع والموسيقى فشقّت طريقها بخطوات واثقة حتّى وصلت إلى أمام المسرح حيث رقصت بعفوية. ما يدل على مدى قوة الايقاع والحماس الذي يبثّه في الحضور ما دفع هذه المرأة الى التعبير عن إصرارها على حبّ الحياة والمرح والتعبير عن ذلك بشغف كبير.

عادت سعاد الى المسرح لتشكر الفرقة الموسيقيّة José cortes على Drums وGuy Nsangue على الغيتار الأكوستيك و Mahdi Dalil على الجيتار الكلاسيكي ، وهذه المرّة حملت معها الدّفّ.

"واقفة على عتبة الباب مع الفجر مغبونة تلفلي التدبير خاطيني الكدب و الغش و الغدر و نصبح على وجوه الخير"، كلمات باللهجة الجزائرية ترجمتها ايقاعات الدرامز والجيتار والدربكة من أغنية "طلت ع البير"، حتى الأنين على الماضي استطاعت أن تحوّله الى طاقة إيجابيّة مع الإيقاع السريع وعزفها على الدّف، في ظل موسيقى الـ Jazz التي تجعل الجميع يرقص ويصفق.

وعلى الرغم من انها ليست مشهورة كثيرا في لبنان، الا انه كان هناك من نادوا باسماء اغنيات لها يريدون الاستماع اليها، وخصوصا أغنية "الراوي"، و"غير انت"، التي بدأت بشعر من العازف رابح خلفة وإشارة إلى "الحب المزيف "الحب ما بيجيش بالمال المال" ،" الربيع ما يدوم والورد يبال" عادت سعاد لتكمل الغناء " ديرني في بالك، يا لي نهواك أنا قلبي اختارك، قلبي اختارك وما صبت دواك"،قد تكون هذه الاغنية الوحيدة التي حفظها الجمهور الذي تابع الأغنية مردّداً"غير أنت، غير أنت، غير أنت الي دخلت لقلبي غير أنت، الي ساكن قلبي"، الجمهور يحاول التواصل مع الفنانة الجزائرية في المقاطع العربية لكن سرعان ما يفقد الغناء مع دخول اللّهجة الجزائرية الى الأغنية. فور انتهائها "بيس بيس بيس" عبارة يرددها الجمهور لإعادة الأغنية لكن ماسي رفضت قائلة "لدينا اغنيات اخرى".

وما ان انهت حفلتها وباتت تستعد لالقاء التحية، اقتربت سيدة الى المسرح وطلبت من سعاد إعادة اغنية "غير انت"، هذه الاغنية لاقت تفاعلاً مميزاً في هذه الامسية سألت سعاد الحضور: "السّيدة هنا طلبت مني أن أعيد أغنية "غير انت" هل توافقون؟ الإجابة جاءت حاسمة ومؤكدة، عادت الفرقة الموسيقية الى أماكنها وماسي استرجعت من الماضي من سكن قلبها، لا أحد غيره هو سكن قلبها.

بعد تلك الليلة لن نسترجع سواها هي سعاد ماسي في "غير انت" وايقاع رابح خلفة.

لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً، إضغط هنا .