هو شاعر الكلمة التي لا تموت، كتب الحب والأم والجيش والوطن، وكتب وكتب، وعندما سكت القلم، بقيت كلماته أجمل ذكرى، تحاكي كل المناسبات، تفرح لفرحنا وتبكي لوجعنا، وهو الذي لم ينسَ الخالق حيث كتب الكثير من القصائد التي أصبحت ترانيم لمختلف المناسبات الدينية.

هو الياس ناصر، الذي كتب أكثر من ألف قصيدة وقصيدة، منها ما أصبح أغنيات، ومنها قصائد قيلت في مختلف المناسبات، ومنها قصائد لم تبصر النور بعد، وهي بجعبة عائلته.

وتخليداً لذكراه، برعاية وحضور الأباتي مارون أبو جودة، رئيس عام الرهبانية الأنطونية المارونية، خرّج المعهد الفني الأنطوني طلاب الدفعة التاسعة للمعهد، والتي حملت إسم الشاعر الراحل الياس ناصر تكريماً له، وذلك في مركز الرئاسة العامة للرهبانية، دير مار روكز في ضهر الحصين.

بدأ الحفل بالنشيد الوطني اللبناني الذي أنشده الفنان غبريال عبد النور، والذي عاد وأطل مقدماً أغنيتين من كلمات الشاعر الياس ناصر "في ناس عم تموت" و"إنت رفيقي يا صديقي".

قدم الحفل الإعلامي بسام براك الذي قال :"لا أعلم حين أتحدث عن هذا الرجل الأثر، لماذا أسمع الموسيقى تخرج من تلقائها في نهر كلماته، وكيف يسير الحب الهوينا على وقع حروفه، وبأي وهج يلقي القمر ضوءه على جبين ليل أغنياته؟ ولا أدرك كيف بعبارة شعرية يدنو البعيد من القريب في وطني ويغني "إنت رفيقي يا صديقي"، فتطل من غيابه ملائكة شعره، ولولا ملاكه لما رفرف الحب فوق رأس الوقت والعشاق، والفرح العمر لما غمر الدار، وضحك صوت صباح لشعره السيف".

وأضاف :"هي ألف، بل أكثر من الأغنيات بأصوات جيل وجيلين من الفنانين، كلهم عبرتَ بحناجرهم، كلماتك صارت الثابت في الأغنية، وصرت أنا الشاعر للأغنية اللبنانية، وخلفك مذ رحلتَ، قبل خمس من السنين، يتنقل شريط الذاكرة كل يوم، مستعيداً من خزانتك، عبق كلماتك للمرأة التي أحببت عيونها، وترجع أباً "ع إيدك ربيت فلذاتك"، لا أعرف حين أود التكلم عن عصر نهضة الأغنية اللبنانية، عن صدق الوطنية، كيف تعود إليّ أوبريت "حكاية وطن" وتحرير الأرض بومضة شعرك".

وتابع براك :"في كل ما قلت، أشعر الليلة أننا نذرف الذكرى فرحاً، على رجل يختصر قامة القصيدة بقامة قلمه، وننقش على جدارية هذا اللقاء، أيقونة نعلق على أهدابها ضوء شاعر كبير تتسمى على إسمه هذه الدورة إنه الشاعر الحاضر الغائب الياس ناصر".

وكانت كلمات لكل من مدير المعد الفني الأنطوني الأب شربل بو عبود، الملحن والموزع الموسيقي إحسان المنذر، الأستاذ بشارة راشد، السيدة المتخرجة منى سعادة وهي زوجة الشاعر الياس ناصر، حيث أجمعت الكلمات على الرسالة المتميزة التي يقوم بها المعهد، وعلى فكر وشعر الياس ناصر، ثم عرض شريط مصوّر عن المكرّم من إعداد الزميل زكريا فحام.

الأباتي مارون أبو جودة قال في كلمته :"يا لها من مناسبة جميلة تحمل في طياتها فرحاً كبيراً، بعد مرحلة تعليمية تابعها المتخرجون في الحقل الفني، حيث تدربوا على صقل مواهبهم الفنية، فأصبح بإمكانهم اليوم التعبير عن مشاعرهم، وإشراك الآخرين بها، من خلال تحف ترقى بالإنسان إلى ما فوق عالم المادة، الذي وللأسف الشديد، أصبح اليوم الهدف الأول في عصرنا، الذي بات يحارب القيم الأخلاقية والروحية".

وأضاف :"ها أنتم اليوم أيها المتخرجون الأحباء صوت صارخ بوجه كل من يريد أن يشد مجتمعنا اللبناني إلى الأسفل، لتقولوا له "لا، نحن شعب يرقى إلى الأعلى ويأبى أن يبقى في عداد الدول المصنفة في طور التقدم"، نعم أيها الأحباء، وطننا هو موطن الأبجدية التي طوّرت العالم بأسره، فلا يجوز لنا اليوم إلا أن نكون في الطليعة".

موقع "الفن" الذي كان حاضراً في الحفل، عاد بهذه التصريحات.

مدير المعهد الفني الأنطوني الأب شربل بو عبود قال :"هذا التخرج فريد من نوعه لأن المتخرجين هم أساتذة وربات ومنزل ومثقفون، وهم يهتمون بالفن في لبنان، ويعلون من شأن الوطن من خلال الموزاييك أو كتابة الأيقونات، نعتبر هذا التخرج مميزاً على صعيد لبنان لأن هؤلاء الأشخاص المتخرجين هم من صلب المجتمع، ولهم مراكزهم وأعمالهم، وهذا أمر جديد على المعهد الذي يحتفل هذا العام بعيده العاشر".

وأضاف :"إخترنا تكريم الشاعر الراحل الياس ناصر لأنه شاعر كبير وأعطى الكثير من الإنيات لكبار الفنانين، ولأن زوجته منى تدرس في المعهد، ومنذ سنتين، كتابة الأيقونات، وهي تتلقى كل الدورات الدراسية".

السيدة منى سعادة ناصر قالت :"أنا أصلاً في مجال الفن، الشعر والرسم، بدأت أرسم منذ 5 سنوات، ولكن لم أكن أكتب حينها أيقونات،ومثلما ترسم بالكلام صوراً شعرية وتلونها بأفكارك حين تقرأها، كذلك الأيقونة هي كتابة وقراءة وشعر، وأنت تلونها بالريشة والألوان، وحين تنظر إليها تقرأها، كما تقرأ الشعر".

وأضافت :"المعهد الأنطوني هو معهد عريق وكبير جداً، وأنا أشكرهم على هذه اللفتة الجميلة، لأن دورة التخرج تحمل إسم زوجي الشاعر الراحل الياس ناصر، وسنوزع اليوم بعد إنتهاء الحفل cd "يوميات شاعر كسول" بصوت الياس، والذي لم نصدره في السوق من قبل، وكذلك سنوزع كتيّب "من صلوات الياس ناصر".

الملحن والموزع الموسيقي إحسان المنذر قال :"الياس ناصر كان صديقاً قبل كل شيء، كنا نعمل سوياً بصداقة ومحبة، وكنا صريحين جداً في أعمالنا، فحين كنا نريد أن نقدم عملاً جديداً كنا نتسابق لكي نقدمه، ما من مناسبة وطنية أو عمل جديد إلا وعملنا عليه بكل محبة وإخلاص، وأنا حزنت كثيراً عند رحيله، فلو كان لازال حياً لغاية اليوم لكان أعطى الكثير، فهو كان يعيش كل الأجواء".

وأضاف :"الياس ناصر أطلق فنانين كثيرين من خلال كلماته، منهم دينا حايك، وقدم أغاني لـ إليسا في بداياتها، ولكن كلماته، خصوصاً التي غناها الفنان الراحل عازار حبيب، هي أغنيات لا تموت أبداً وكل الناس يرددونها".

الملحن والموزع الموسيقي جو بارودجيان قال :"كل يوم عند الساعة العاشرة صباحاً كان يجب على الياس أن يكون موجوداً في الستديو، وركوة القهوة إلى جانبه، كنا نجلس معاً لغاية الساعة الواحدة بعد الظهر، ونتحدث عن الفن ونعمل ونؤلف، والفن خسر الكثير برحيل الياس ناصر لأنه من كبار الشعراء".