كازانوفا.

.رجل اشتهر على مر التاريخ لكونه زير نساء وأغلب الروايات تتحدث أنه أقام علاقات عاطفية مع نساء بلغ عددهن 220 امرأة على الأقل، هو جياكومو كازانوفا الذي ولد في البندقية في 2 نيسان (أبريل) 1725، جال في بلاد كثيرة وكانت له صلات وثيقة مع أشخاص رفيعي المستوى منهم فولتير وغوتيه وموزار.

وعلى الرغم من أنه حصل على شهادة في القانون، فضل أن يعيش حياة الفنانين والشعراء وأنجز كتاباً يروي فيه قصة حياته بكل تفاصيلها.

بدأكازانوفاحياته متجولاً في مدن إيطاليا حتى سجن بتهمة التجديف، فهرب إلى باريس ومنها إلى برلين وبعدها إلى روسيا حيث استقبلته أبرز الشخصيات وحيث التقى إمبراطورة روسيا كاثرين الثانية عام 1764.

سر تعلق النساء به

كان هذا الإيطالي، وفقاً للقصص التي دارت حوله، جذاباً ويعرف طرقاً كثيرة للإغواء. لكنه كان ينصف المرأة ويدعو إلى المساواة بين الجنسين. وكان يقول دائماً إن العنف ضد النساء هو شيء خاطئ وعلى الرجال أن يعرفوا كيف يسعدون نساءهم. وخلال تجواله في أوروبا، تعلم كازانوفا اللاتينية واليونانية والفرنسية والعبرية والإسبانية والإنكليزية. أما شخصيته، فكانت غامضة وساحرة، ما جعل النساء يغرمن به ولم تستطع أي منهن أن ترفضه أو أن لا تغرم به. عرف بفضوله الكبير وحبه الاسكتشاف والمغامرات، ما قد يفسر ولعه بالنساء وبـ «اكتشافهن".

أفلام أنتجت حول كازانوفا

يحتفل هذا العام بـ 100 سنة على إنتاج فيلم "كازانوفا" (عام 1918) الذي أخرجه النمسوي ألفريد دييزي، واعتبر من أكثر الأفلام التي تدور حول "كازانوفا" شهرة وروعة.

بعد موته، أُنجزت أفلام كثيرة تناولت قصة حياته المثيرة كان أهمها "Casanova" عام 1918 إخراج ألفرد دييزي، و"The Loves of Casanova" عام 1927 إخراج ألكسندر فولكوف، و"Fellini’s Casanova" عام 1976 إخراج فيديريكو فيلليني، و "Le Retour de Casanova" عام 1992 إخراج إدوار نييرمان، و "Casanova" عام 2005 إخراج لاس هالستروم.

مذكراته

مذكراتكازانوفاتُعد قطعة فنية رائعة بصرف النظر عن صدق ما جاء فيها من عدمه !، فمنذ السطور الأولى تجد نفسك أمام شخص طيب وديع لم يبحث عن المتعة ولم يكن شهوانياً كما يشاع !، بل كان ضحية النساء منذ صغره!، يحكى أن «كازانوفا » كان يتمتع بذكاء كبير وأن أحد أساتذة الموسيقى والرسم الكبار اكتشف مواهبه المبكرة واصطحبه إلى منزله الجميل، وتولت شقيقته رعايته ونظافته لكنه فوجىء بالسيدة « تينا» التى تكبره بسنوات تقع فى غرامه : « فاجأتني ذات صباح وأنا فى الفراش وكانت قد صنعت جوربين من نسج يديها وأرادت أن تقيسهما بنفسها، وفيما كانت تفعل لاحظتْ أن ساقي قذرتان فعمدتْ إلى تنظيفهما بنفسها وأخذت تتمادى فى النظافة ، فنهرتها حتى شعرتْ بالخجل فليس من المعقول خيانة أستاذي الذي يتولى رعايتي وتربيتي"!

​​​​​​​مغامرات كازانوفا

وهكذا يروي "كازانوفا" قصصاً أو أكاذيب لذيذة عن المغامرات العجيبة التى عاشها ، بل ونجده يضيف إلى نفسه صفات المُحب والعاشق العذري النبيل الذى يرفض استغلال البراءة ، فيروي أنه تعرف إلى عائلة ملكية مكونة من الأب والأم وابنتهما الفاتنة التي لا تتجاوز السابعة عشرة بينما كان هو يخطو نحو الأربعين ، وفوجئ بالفتاة الصغيرة تُرسل إليه نظرات الحب والهوى كلما دخل قصر العائلة زائراً ، لكنه رفض مجاراتها في ذلك واقترب منها ليقوم بدور الأب الذى تشعر بافتقاده !.

ورغم المجهود الذى يبذله "كازانوفا" فى تلك القصة لاقناع قارئ مذكراته بأنه رجل بريء وطيب ومتيقظ الضمير ، إلا انه ينسى نفسه وهو يكتب هذا المشهد واصفاً تلك الفتاة : "كانت صغيرة شعرها في لون الليل وعيناها تشعان لهبا وكان ثوبها القصير يكشف عن ساقين بديعتي الالتفاف وقدمين دقيقتين وحكمتُ من النظرة الأولى بأنني أمام أبهى جمال رأيته في حياتي "(!!) هل يعقل أن يكتب الأب الأربعيني تلك الأوصاف في فتاة اعتبرها ابنته يا كازانوفا !

العاشق المسكين

عموماً فإن أكاذيب كازانوفا اللذيذة تجاوزت هذا الحد ، فهو ليس رجلاً وديعاً ونبيلاً فحسب بل إنه "عاشق مسكين" !، ويروي قصة حب عاشها بكل جوارحه لم يستطع الزواج من محبوبته بسبب ظروف درامية قاسية ،تبدأ تلك المأساة عندما تعرف على صديق جديد وتوطدت العلاقة بينهما وأصبحا لا يفترقان خاصة وأن والدة صديقه سيدة فاضلة رفضت العشرات من عروض الزواج وحافظت على احترامها لزوجها رغم انه تركها وفضل أخرى عليها.

​​​​​​​وكان لهذا الصديق شقيقة صغيرة وجميلة وتتمتع بأخلاق رفيعة رغم أنوثتها ، ووقع كازانوفا في غرامها من أول نظرة وأصبح لا يستطيع الحياة بعيداً عنها وراح يكرر زياراته حتى يفوز بنظرة أوابتسامة منها ، لكنه بدأ يكتشف صفات الخسة والندالة في هذا الصديق فكثيراً ما كان يدعوه "لتناول الغداء منفرداً بصحبة خطيبته وأحياناً كان يعرض عليه أن يراقصها ،وكان كازانوفا يفعل بحُسن نية وصدق ، لكنه لاحظ أن الصديق وخطيبته يستدرجانه للرذيلة طمعاً في أمواله التي لم تكن تكفي سوى تكاليف تلك النزهات ،ولاحظ أيضاً أن الخطيبة تتعمد إظهار مفاتنها أمامه وتتفن في إغرائه (!) ، ولم تسمح أخلاق كازانوفا بتلك التصرفات ،وكثيراً ما فكر في انهاء علاقته بهذا الصديق الوضيع ، لكنه لم يستطع لأنه كان سيضحي بالمحبوبة الصغيرة وبوالدتها الطيبة، وظل متمسكاً بالعلاقة خوفاً عليهما من السقوط في دائرة هذا الوغد :"وأسفت على أن تكون مثل هذه العذراء الجميلة ، وأمها الوقور الطيبة على قرابة بوغد كهذا .. بيد أن انتباهي إلى هذه الحقيقة جعلني أتيقن أن الشخص لن يمانع في بيع اخته لمن يدفع أكثر ومن ثم فقد يوقع بها تحت رحمة عابث لا يرعى ذمة ولا ضميراً ،في حين أنني لن أجسر على أن ألحق بها الضرر ،لأن حبي لها يمنعني من إيذائها".

​​​​​​​طلب الزواج والنهاية التعيسة

وقرر أن تكون هذه العذراء زوجة المستقبل التى لن يجد مثيلتها فى العالم ، وتقدم لخطبتها ورحبت والدتها وطلبت انتظار موافقة «الأب» لانه كان مصراً على أن لا يزوجها إلا لتاجر كبير وبعد أن تبلغ الثامنة عشرة ،وحضر الوالد ورفض زواج ابنته وقرر إرسالها إلى أحد الأديرة لتقضي السنوات الأربع السابقة على سن الزواج هناك ! ،ويروي كازنوفا ما حدث له بعد تلك النهاية المأسوية لقصة حبه وكأنه قيس بن الملوح: «فأقبلتُ على الخمر والميسر حتى فقدت كل ما أملك وتركتُ المدينة وذهبت إلى ميلانو كى أحاول النسيان"!، وهناك وافق كازانوفا على العمل مع شاب يدير حلقة للمقامرة في داره ليجد ما يشغله عن هوى محبوبته والتفكير فيها ، لكنه لم يستمر لأنه اكتشف أن الغرض الأول لهذه الحلقة هو ابتزاز أموال الناس (!!).

​​​​​​قصصه من نسج خياله؟ أم حقيقة

وهكذا تمضي حكايات قصص الهوى والغرام والهروب الدائم من السقوط في الرذيلة وقد استهوت الحكايات كثير من المخرجين وتم إنتاج فيلم سينمائي شهير يحمل اسم هذا العاشق الشهير ولعب دوره الممثل الذي رحل شاباً هيث ليدجر بمشاركة الجميلة سينر ميلر والفاتنة ناتالي دورمير .

فالرجل المعروف بغزواته ومغامراته الليلية لم يكن مجرد زير نساء حيواني الشهوة بل هو رقيق وواسع الخيال ورائع حتى ولو كان يكذب ، أما لماذا ظهر على تلك الصورة في المذكرات التي تجمها حلمي مراد الذي نشر تلك المذكرات ضمن سلسلة رفيعة المستوى وعظيمة الشأن اسمها "كنوز التراث".