جورج خباز، المسرحي اللبناني الكبير، هو بمثابة ناطق رسمي بلسان هذا الشعب المقهور الذي يرى ما يراه ويعاني ما يعانيه من صعوبات وغبن وغش، فيصمت صمت التأمل الكبير الذي يتبعه تعليق على ما يجري، يكون في غالبية الاحيان مبكيا من الضحك، مُلطّفا للواقع المر خلف قناع الفُكاهة والا فكيف لهذا الشعب ان يستمر بعنفوان حين يعجز عن التغيير!
هو الكاتب المواطن الذي ينقُل الواقع بأسلوبه الطريف فيلقى الاعجاب والرضى والتجاوب الكبير من قبل الجمهور الذي ينتظر اعماله ويحضرها بشوق وحماس، وآخر اعماله التي انتهى عرضها منذ وقت قصير مسرحية"الا اذا"، التي تحدثنا عنها في لقائنا معه الذي تطرقنا خلاله الى العديد من الموضوعات ومن ضمنها عرض "الا اذا" في بعلبك.

....

غالبية آراء من حضروا مسرحيتك الاخيرة، أجمعت على انها مختلفة عن مسرحياتك السابقة، الى اي مدى تعتبر ذلك صحيحا؟
بالطبع هي مختلفة فهي ذات نمط جديد وللمرة الاولى نتكلم في السياسة في عناوينها الكبيرة ويمكن ان نسميها "وطنية انسانية" اكثر منها سياسية، تتحدث عن مبنى يعيش فيه أناس من مختلف الطوائف والاحزاب، والمبنى متواجد في مكان غير محسوب على احد وهو على وشك السقوط الا ان لجنة البناية غير قادرة على الاتفاق لمنع حصول الاسوأ.

الوضع يشبه وضع البلد الى حد ما، اذا؟
ليس فقط وضع البلد، بل وضع العالم العربي ايضا.

هل كنت لتغير اي شيء في نص هذه المسرحية لو انك كتبته الان، اي بعد حصول الانتخابات النيابية؟
لم اكن لاغير اي شيء، فأنا بدأت في كتابتها في شباط 2017، ولم تكن الانتخابات واردة في حينها، ولكن كل من حضرها شعر وكأنها كُتبت لهذه اللحظات بالذات. الامر حقا غريب، لانني حين كتبتها لم اكن اقصد مرحلة معينة.

وكيف طعّمتها بالكوميديا، اذا صح التعبير؟
المسرحية برمتها كوميدية ويمكن القول انها كوميديا سوداء، الشخصيات والعلاقة في ما بينها، العبثية في بلدنا مضحكة مبكية عبثية غريبة عجيبة!

كيف تستطيع ان تخلق كوميديا من وضع تراجيدي؟
هذا احد ارقى انواع الفنون، واذا عدنا الى الفنانين الكبار الذين تعلمت منهم مثل شابلن، دريد لحام، زياد الرحباني، ووودي الن، كلهم حوّلوا المأساة الى سخرية ما، وهي تكون بداية الى حل او على الاقل الى التصالح مع المشكلة، تحويل المأساة الى ملهاة موجود بشكل كبير في عالمنا العربي حيث يوجد هذا التناقض بشكل كبير ودائما نجد الدمعة في عينينا والبسمة على شفاهنا، نحن في توق دائم الى البسمة والفرح والحياة ، ولكن الظروف تعاكسنا وتنعكس على حياتنا ويومياتنا ومن الطبيعي ان اعكس ذلك في اعمالي المسرحية.
انا أحكي كفنان بلسان الناس معاناتهم، ولكن بشكل مضحك وساخر....
والناس ايضا يعبّرون عن طريق السوشال ميديا، فاللبناني بشكل عام ساخر، وإذا حصل إنفجار، هو يملك القدرة على تحويل المأساة الى آلاف النكات حول الموضوع، نحن شعب نمتلك حس السخرية ، ولكن "سخرية عن سخرية بتفرق"، فهناك السخرية الجارحة والتي لا تكون في مكانها وسخرية بنّاءة هادفة.

هل يمكن ان تستوحي مما يُكتب على السوشال ميديا ما قد تستعين به في مسرحياتك؟
بصراحة لا، لان ما يُكتب ينتشر بشكل سريع وكبير جدا بين الناس فيصبح مستهلكا كثيرا، ولست بحاجة لان استعين فيه.

من خلال تجاربك المسرحية العديدة، هل تعتبر ان المسرح باستطاعته لوحده ان يقدم مردودا كافيا للكاتب والمؤلف المسرحي، ام يحتاج الى عمل آخر بجانبة ليتمكن من الاستمرار؟
من خلال تجربتي الشخصية، اجده كافيا وتجربتي يمكن القول انها استثنائية لان الناس مستعدة ان تأتي لتحضر عملي الذي أعرضه ستة أشهر، ولكن تجربتي فريدة من نوعها وانا اخترت نوعا من المسرح يطلبه الجمهور الذي تربطني به علاقة روحية، ومسرحي يمكن ان يقدم لي مردودا ماديا ومعنويا، ولكن لا ينطبق على الجميع وعلى واقع المسرح اللبناني بشكل عام، وانا اعتبر ان لدينا مسرحيين مهمين ولكن ليس لدينا مسرح بمعنى عَجَلَة المسرح، لذلك اعتقد انه بحاجة الى عمل آخر بجانبه للدعم المادي.

لقد قدمت اعمالا نالت نصيبا كبيرا من النجاح وحب الناس، ولكنك توقفت عن تقديم برامج تلفزيونية والناس يفتقدونك على الشاشة الصغيرة، الا تعدهم بأي عمل جديد؟
لا يمكنني ابدا ان انكر فضل التلفزيون عليّ، ولكن المشكلة بالنسبة للاعمال التلفزيونية، انها تحتاج الى الكثير من الوقت والمسرح يستنفد كل وقتي وطاقتي الجسدية والذهنية، فكان علي ّ ان اختار بين المسرح والتلفزيون فاخترت المسرح لانه الادمان الايجابي والشغف في حياتي، آثرت ان اعتكف قليلا عن التلفزيون كي اعطي المسرح حقه، العروض المسرحية يوميا ليست بالامر السهل ويجب ان اوقف العمل المسرحي عاما او عامين لتقديم مسلسل "على ذوقي".

اي ان يكون العمل بأكمله لك؟ الا تقدم عملا ليس من تأليفك؟
اذا عُرض عليّ نص جميل مع احد بإمكانه ان يمثّله كما يجب، ولكن حتى الان لم يُعرض عليّ ما يشفي غليلي، وبالطبع في لبنان لانني لا يمكنني ان اغادر بسبب ارتباطي بالمسرح.

هل فُتحت امامك ابواب مصر يوما؟؟
بالطبع وايضا ابواب سوريا...

مع دريد لحام؟؟
مع دريد لحام ومع الليث حجّو ومع تامر اسحق...في اعمال تلفزيونية. مع هؤلاء المخرجين الكبار ولكن لا يمكنني الخروج من لبنان لفترة طويلة بسبب ارتباطي بالمسرح كما ذكرت، الا في حال مكثت لتصوير مسلسل مثلا يتطلب ان اتواجد هناك ثلاثة اشهر، اما في اثناء عرض اعمالي، فلا استطيع الغياب خارج لبنان في وقت ان عطلة المسرح هي ليوم واحد فقط الاثنين من كل اسبوع!

ما هو الاثر الذي تركه لديك الفنان الكبير دريد لحام في ضوء تعاملك معه في اكثر من عمل؟
دريد لحام أثّر في الجميع وليس بي فقط، أثّر في كل جيلنا من خلال اعماله، فزرع فينا الوطنية، زرع فينا حس الفكاهة، زرع فينا الانسانية وتقبّل الاخر، هو ظاهرة لن تتكرر.

كم استمر عرض "الا اذا"؟
ستة اشهر، ولكنني بدأت عرضها قبل موعدي المعتاد لانني اخذت في الاعتبار ان تنتهي قبل الانتخابات النيابية وقبل شهر رمضان المبارك.

ماذا تُعدّ على صعيد السينما؟
أُعد لفيلم "الواوي"، مع امين درة وغبريال شمعون، وأنا على ثقة انه سيعجب الجمهور...

علمنا انك تُعد لاطلالتين على جانب كبير من الاهمية في مهرجانات بعلبك الدولية لهذا العام...أخبرنا عنهما.
صحيح...نستعد هذا العام لاحياء ليلتين في "مهرجانات بعلبك الدولية 2018 "، هناك "خبرية حلوة كثير لجمهوري"، فأنا سوف أعرض مسرحيتي " الا اذا" في بعلبك، المسرحية بأكملها والموسيقى التي تتضمنها، سوف تتحول الى عرض مباشر مع اوركسترا مؤلفة من 35 عازفا، وفرقة رقص مؤلفة من 20 راقصا، سوف يكون عملاً استعراضيا موسيقياً كوميدياً فنياً من نوع Musical، سيكون عملا ضخما ورائعا، وخصوصا في ظل ما يعنيه لي ان أطل في عمل في بعلبك، انتظرونا في عمل مميز في 10 و 11 آب 2018.

على اي مسارح عالمية تطمح ان تقدم مسرحياتك؟
في لبنان اولا، واذا تقدمت لي عروض مهمة في بلدان اخرى، علما انني قدمت عددا كبيرا من اعمالي في العديد من البلدان مثل اميركا وكندا واوستراليا وفرنسا والعالم العربي في دبي وابو ظبي وقطر، وأطمح ايضا الى عرض مسرحياتي في لندن، ولكن باللغة العربية المترجمة الى الانكليزية.