هو جوزيف جعجع، حامل الأمانة في إدارة متحف الأديب والرسام جبران خليل جبران، وهو المثقف الذي يحكي لك، وبكل شغف، عن كل مؤلف ولوحة لجبران، ويحمل لبنان في قلبه كما حمله جبران لكل العالم، وهو الفيلسوف الذي سبق عصره.

وفي متحف جبران في بشري، إرث ثقافي وفكري كبير تركه الأديب والرسام ليكون مدرسة في للرسم والأدب، وعبرة للفكر.

موقع "الفن" إلتقى مدير متحف جبران جوزيف جعجع، وكان لنا معه هذا اللقاء المميز.

كيف تحافظون على المتحف، بعد مرور كل هذه السنوات وخصوصاً أن هناك فضلاً لأهالي بشري في ذلك، وإلى أي مدى تدخلونه ضمن برنامج السياحة؟

المتحف كما قلتِ ممسوك من قبل مؤسسة إسمها "لجنة جبران الوطنية" والتي هي مسؤولة عن المتحف وعن إرث جبران، ونحن من واجبنا أن نكمل المسيرة التي بدأها قبلنا الراحل وهيب كيروز بالشكل الذي يمكننا أن نعطي الصورة الحقيقية عن جبران، وتحديداً جبران الفنان.

فمن المعروف حول العالم أنه عندما يذكر إسم جبران، سريعاً ما يبادر إلى الأذهان كتابه "النبي" والذي ترجم إلى 104 لغات، وكان هناك في شهر كانون الثاني مؤتمر عالمي عن جبران، وهو المؤتمر الثالث بالتعاون مع مؤسسة التراث اللبناني التي يرأسها هنري زغيب وبالتواصل مع مي روحاني والتي يكون عمّها الأديب أمين الريحاني وهي التي ترأس اليوم كرسي جبران في جامعة ميريلاند.

وكان عقد أول مؤتمر في أميركا والثاني في جامعة ميريلاند بأميركا أيضاً، وفي 6 كانون الثاني 2018 في ذكرى ولادة جبران إستضفنا كل المحاضرين فيه من أميركا وأستراليا والدول العربية ولبنان.

لذا بإختصار هذه النشاطات الأخيرة، ولكن نحن الآن في المتحف نتابع الفن الجبراني بطريقة نستطيع أن نوصل هذه الرسالة إلى الناس لأنه يهمنا أن تعرف كل الناس أن جبران قبل أن يكون فيلسوفاً وكاتباً وشاعراً وروائياً، كان فناناً، ودخل عالم الشهرة من خلال فنه قبل كتابته.

أنت تقصد بالفن أي رسوماته؟

نعم.

ولكنه كأديب كم مؤلف لديه؟

جبران ليس لديه كتب كثيرة، لديه 9 باللغة العربية و9 باللغة الإنكليزية، في المقابل لديه الكثير من المخطوطات بعضها نشر والبعض الآخر لم ينشر، أما اللوحات والتي يضمها المتحف فهي 440 لوحة من أصل مجموعة أعتقد أنها تصل إلى حوالى الـ700.

هناك مجموعتان كبيرتان، الأولى يمكلها متحف "تيلفير" في أميركا وهي المجموعة التي بقيت مع ماري هاسكل التي نفذت وصية جبران بإرسال هذه المجموعة الكبيرة إلى لبنان بناءً لرغبته، والمجموعة التي بقيت في المنزل الذي كانت تسكنه شقيقته ماريانا، وبعد وفاتها أتى شخص من عائلة جبران عمل على حفظ هذه المجموعة، وبقيت معه لفترة طويلة.

إلى أن أتى كارلوس سليم إلى لبنان واشتراها ونقلها من بوسطن إلى متحف إسمه "سمية" في المكسيك وتحديداً في العاصمة، لذا هؤلاء هم المجموعات الثلاث التي نتحدث عنها دائماً.

هذه الرسومات هي الرسومات بخط يده، ماذا بالنسبة للمخطوطات، هل هي لديكم أيضاً بخط يده؟

طبعاً، لدينا القسم الذي يشكل حوالى الـ50 دفتراً والذي هو عبارة عن 50 ورقة جبران مدوّن عليها مخطوطات، ولعل أهمها ما كتبه جبران "لو لم يكن لبنان وطني لإخترت لبنان وطناً لي"، وأيضاً لدينا "الويلات التسع" التي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية ولكن نحن نملكها باللغة العربية والتي كتبها جبران بخط يده.

كيف تحافظون عليها؟ فالمحافظة عليها تكلف الكثير من المال، من يموّلكم؟

ليست التكلفة الأساسية بالورق فهي لربما تحتاج لإعادة نظر كل 20 عاماً، ولكن الترميم الأساسي هو في اللوحات، فكل عام لدينا مجموعة لوحات بحاجة إلى ترميم وهنا التكلفة الكبيرة.

كم هي التكلفة تقريباً؟

التكلفة تأتي بحسب الضرر في اللوحة، فمن الممكن أن تبدأ من 2000 دولار وقد تصل إلى 15000 دولار.

داخل متحف جبران، هل تتعرض اللوحات إلى الأذى؟ وخصوصاً لناحية تغيّر الطقس بين الشتاء والصيف؟

كلا، لدينا ماكينات تحافظ على حرارة معينة ورطوبة معينة، فنحن تكلفنا 100 ألف دولار على هذه الماكينات للمحافظة على حرارة ورطوبة معينة كي تبقى هذه اللوحات ونحافظ عليها قدر المستطاع، لكن هذا لا يعني أنه من وقت لآخر لا يكون هناك أذى في بعض اللوحات.

هل تخرجون اللوحات من المتحف؟

طبعاً، فنحن منذ 8 سنوات في نشاط سنوي فكل عام لدينا معرض في إحدى عواصم العالم.

ما هو الهدف من هذه المعارض؟ التعريف بجبران، أم هدف مادي، أم نشر الحضارة اللبنانية؟

هناك أكثر من هدف، أولاً نشر فن جبران والذي هو جداً أساسي بالنسبة لنا.

جبران الذي عاش في أميركا، هذه القارة الكبيرة التي قدرته، هل هو بحاجة إلى إنتشار فيها اليوم لهذه الدرجة؟

نحن نتحدث هنا عن فنه، فكتاباته بغنى عن التعريف والكلام، وهي تدرس في مناهج مدرسية ليس فقط في أميركا بل أيضاً في كوريا والصين وأكثرية دول العالم، وأيضاً هناك جامعات في أميركا لديها قسم داخلها يدرّس فيه عن جبران بفكره وفنه.

الهدف الثاني، هذه المعارض التي تقام يخلق حولها نقاشات وحوارات نستطيع من خلالها أن نتحدث عن جبران بشكل أوسع من حيث حياته وفنه وكتاباته، ونستطيع أن نجمع هذا المغترب اللبناني تحديداً حول جبران، لأننا كلنا ندرك أن جبران مُحترم من قبل الجميع، ولاسيما من قبل المغتربين أينما كانوا.

الهدف الثالث يتعلق بالمردود المادي، وإن كان ليس كبيراً يعود للمتحف من أجل الحفاظ على اللوحات.

هذه الأرض التي يوجد فيها المتحف لمن؟

كانت للآباء الكرمليين، كان هناك رهبان يسكنون هنا، وجبران إشترى المحيط بأكمله، فنحن جالسون في أرضه وبيته.

جبران هو الفنان والأديب اللبناني الوحيد الذي أقيم له شيء لتخليد ذكراه، فأنا أتأسف على ميخائيل نعيمة وأمين الريحاني حيث يُعمل على شيء من أجلهما ولكن بشكل محدود.

نحن نفتخر بأنه كان هناك رجال في بشري إستطاعوا أن يقيموا هذه المؤسسة.

أنت تقرّبت كثيراً من فكر جبران وتعمّقت فيه حتى بعد رحيله، على ماذا تتأسف اليوم؟ وإن أردت أن ترسل رساله له حول الحال اليوم في لبنان، تتأسف على الأرز الذي يتآكل أم على السياسة؟

أقول له إن كل ما قلته منذ 100 عام كان معك حق فيه لأنه لم يتغيّر شيء، وهو "النبي".

لماذا لم يعد هناك الليالي الجبرانية التي كنتم تدعون فيها السفارات وتقيمون الإحتفالات لكل بلد ببلده؟

نحن كنا ناشطين لحوالى الـ10 سنوات في هذا الموضوع، إلى أن أصبح هناك ثقل مادي وأصبح بحاجة إلى تمويل كبير، هذا هو السبب الأساسي الذي جعلنا في آخر سنتين لا نتابع هذه النشاطات، ولكن أنا متأكد من أنه مع لجنة جديدة ونظرة جديدة نستطيع إعادة إحياء هذه النشاطات.

ماذا تقول لقراء موقع "الفن" الذين سيأتون لزيارة متحف جبران.

أنا أدعيهم جميعاً للقدوم وزيارة المتحف لأنها زيارة فيها من الفكر والفن والروح ما يكفي، ولمست ذلك من أكثر من زائر أنه يدخل المتحف بإنطباع ويخرج بإنطباع مختلف كلياً، وهو إنطباع روحاني عميق بشكل لا يوصف.

​​​​​​​