نجيب الريحانيممثل فكاهي مصري من أصل عراقي، يُعد أحد أبرز رُوَّاد المسرح والسينما في العالم العربي عموماً ومصر خصوصاً، ومن أشهر الكوميديين في تاريخ الفنون المرئية العربية.
ولد‏ ‏نجيب‏ ‏أبو‏ ‏إلياس‏ ‏ريحان‏ ‏يوم 21 كانون الثاني/يناير عام‏ 1889، ‏بدرب‏ ‏مصطفى‏ في باب‏ ‏الشعرية‏، والده ‏ينحدر‏ ‏من‏ ‏بلدة‏ ‏ريحان‏ ‏بالعراق‏‏، وأمه‏ ‏لطيفة‏ ‏مصرية‏ ‏من‏ ‏صعيد‏ ‏مصر.
ألحقه‏ والده ‏بمدرسة‏ ‏الفرير‏ ‏في الخرنفش‏ ‏لتعلم‏ ‏اللغة‏ ‏الفرنسية، فأتقنها ‏ ‏وكانت‏ ‏أحد‏ ‏أسباب‏ ‏شهرته، وبعد وفاة والده إضطر نجيب لترك دراسته بعدما حرم الأب زوجته وأولاده من الميراث وترك كل ما يملك لشقيقته مما جعل نجيب يستاء كثيراً، حتى أنه حين كتب مذكراته لم يذكر فيها والده.

حياته العملية

التحق‏ ‏بوظيفة‏ ‏كاتب‏ ‏حسابات‏ ‏في‏ ‏البنك‏ ‏الزراعي‏، والتقى ‏هناك‏ ‏بالفنان‏ ‏عزيز‏ ‏عيد ‏وانضم‏ ‏إلى‏ ‏فرقته‏ ‏واضطره‏ ‏هذا‏ ‏إلى‏ ‏السهر‏ ‏والتأخر‏ ‏في‏ ‏النوم‏،‏ والغياب‏ ‏عن‏ ‏العمل‏، ‏وكانت‏ ‏النتيجة‏ ‏أنه‏ ‏تم‏ ‏فصله‏ ‏من‏ ‏البنك‏.‏
ثم إلتحقنجيب ‏الريحاني‏ ‏بفرقة‏ ‏سليم‏ ‏عطا‏ ‏الله‏ ‏ولكن‏ ‏تم‏ ‏الاستغناء‏ ‏عنه‏ ‏وقرر‏ ‏ترك‏ ‏الفن،‏ ‏فعينه‏ ‏خاله‏ بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد، لكنه ما لبث أن إستقال منها وعاد إلى القاهرة، ومن‏ ‏هنا‏ ‏بدأ‏ ‏مشوار‏ه‏ ‏الفعلي‏ ‏مع‏ ‏التمثيل، ‏وإنضم‏ ‏إلى‏ ‏الفرقة‏ ‏روز‏ ‏اليوسف‏.‏
وما لبث أن ‏كوّن‏ ‏فرقة‏ ‏تمثيلية‏ ‏تحمل‏ ‏إسمه‏، ‏وإنضم‏ ‏إليه‏ ‏سيد‏ ‏درويش‏ ‏وبديع‏ ‏خيري، ‏ولم‏ ‏يستمر‏ ‏عمل‏ه ‏مع‏ ‏فرقته‏ ‏طويلا‏ً، ‏وفشلت‏ ‏التجربة‏ ‏الأولى ‏وعاد‏ ‏إلى‏ ‏مقهى‏ ‏برنتانيا،‏ ثم ‏إشترى‏ ‏مقهى‏ ‏بشارع‏ ‏عماد‏ ‏الدين‏ ‏مجاورا‏ً ‏لسينما‏ ‏ستديو‏ ‏مصر‏، وقام‏ ‏بهدم‏ ‏المقهى‏ ‏لإقامة‏ ‏المسرح‏ ‏في‏ ‏شارع‏ ‏عماد‏ ‏الدين،‏ ‏وأطلق‏ ‏عليه‏ ‏مسرح‏ ‏الإجيبيسيانة‏-‏الذي‏ ‏أصبح‏ ‏يحمل‏ ‏اسمه‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏-‏وكانت‏ ‏أول‏ ‏مسرحية‏ ‏تقدم‏ ‏عليه‏ ‏هي "حمار‏ ‏وحلاوة"، وكانت‏ ‏نقطة‏ ‏تحول‏ ‏في‏ ‏تاريخ‏ ‏المسرح‏ ‏الإستعراضي‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏والعالم‏ ‏العربي‏، كما إستعان‏ ‏براقصات‏ ‏إستعراض‏ ‏أجنبيات‏ .‏

قام‏نجيب ‏الريحاني‏ ‏وفرقته‏ ‏بجولة‏ ‏إلى‏ ‏تونس‏ ‏والجزائر‏، وقدّم‏ ‏عددا‏ ‏من‏ ‏الروايات‏ ‏من‏ ‏تأليف‏ ‏بديع‏ ‏خيري‏-‏وكان‏ ‏رفيق‏ ‏نجيب،‏ ‏حتى‏ ‏وفاته، ‏منها الدنيا‏ ‏لما‏ ‏تضحك الشايب‏ ‏لما‏ ‏يدلع‏، حتى ‏آخر‏ ‏مسرحياته "حسن‏ ‏ومرقص‏ ‏وكوهين‏" ‏كانت‏ ‏مسرحياته‏ ‏تعري‏ ‏المجتمع‏ ‏وتفضح‏ ‏مشاكله‏.
إبتعد ‏لفترة‏ ‏عن‏ ‏السينما‏، ‏ثم‏ ‏عاد‏ ‏ليقدم‏ "‏صاحب‏ ‏السعادة‏ ‏كشكش‏ ‏بيه" و"سلامه‏ ‏في‏ ‏خير"، "سي‏ ‏عمر‏" ‏و"لعبة‏ ‏الست" و"أحمر‏ ‏شفايف" و"أبو‏ ‏حلموس‏".‏

تعاونه مع ليلى مراد

توقف‏ ‏لمدة‏ ‏عامين‏ ‏وفي‏ ‏لقاء‏ ‏صنعته‏ ‏الصدفة،‏ ‏تقابل‏ نجيب ‏الريحاني‏ ‏مع‏ الفنانة ‏ليلى ‏مراد،‏ ‏في‏ ‏مصعد‏ ‏عمارة‏ ‏الإيموبليا،‏ ‏التي‏ ‏كانا‏ ‏يسكنان‏ ‏فيها،‏ ‏وقال‏ ‏لها‏ ‏يا‏ ‏ست‏ ‏ليلى‏ ‏أنا‏ ‏نفسي‏ ‏أمثل‏ ‏معاك‏ ‏فيلم‏، ‏فردت‏ ‏على‏ ‏الفور‏ ‏وأنا‏ ‏كمان‏، ‏ثم تم‏ ‏الإتفاق‏ ‏وإنضم‏ ‏إليهما‏ ‏الممثل أنور‏ ‏وجدي‏ ‏في‏ ‏فيلم "غزل‏ ‏البنات"‏، ‏وشاءت‏ ‏الأقدار‏ ‏أن‏ ‏يرحل‏ ‏نجيب‏ ‏قبل‏ ‏عرض‏ ‏الفيلم‏ ‏بشهر‏ ‏عام‏ 1949، وتم‏ ‏اختياره‏ ‏ضمن‏ ‏أحسن‏ ‏50‏ ‏فيلما‏ ‏في‏ ‏العالم عام‏ 1950‏.

حياته الشخصية

إشترى‏ نجيب ‏الريحاني‏ ‏بكل‏ ‏أمواله‏ ‏العملات‏ الأجنبية، ‏وتعرض‏ ‏لإنهيار‏ ‏مالي‏ ‏أثر‏ ‏على‏ ‏معنوياته‏ و‏إفترق‏ ‏عن‏ ‏محبوبته‏ ‏ ‏بوسي،‏ ‏التي‏ ‏وقفت‏ ‏إلى‏ ‏جانبه‏، ‏ و‏أمين‏ ‏عطا‏ ‏الله‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏يعمل‏ ‏معه‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏ ‏سرق‏ ‏رواياته‏ ‏وألحانه‏ ‏وشخصية‏ ‏كشكش‏ ‏بيه‏، ‏ليقوم‏ ‏بتمثيلها‏ ‏في‏ ‏بلده‏ ‏سوريا‏، ‏وإستطاع‏ ‏أن‏ ‏يوهم‏ ‏الناس‏ ‏أن‏ ‏الريحاني‏ ‏إقتبس‏ ‏منه‏ ‏شخصية‏ ‏كشكش‏ ‏بيه‏ ‏وهو‏ ‏التقليد، ‏بينما‏ ‏هو‏-‏أمين‏ ‏عطا‏ ‏الله‏- ‏الأصل‏ .‏
إلتقى بالفنانة بديعة مصابني، ‏التي‏ ‏أحبته، ‏وعاد معها إلى مصر‏، ‏واشتركت‏ ‏أمامه‏ ‏في‏ ‏بطولة‏ ‏مسرحياته‏.‏
وقرر‏ ‏السفر‏ ‏ليقدم‏ ‏عروضا‏ ‏للجالية‏ ‏العربية‏ ‏في‏ ‏البرازيل،‏ ‏وعرض‏ ‏الأمر‏ ‏على‏ ‏بديعة‏ ‏مشترطة‏ ‏الزواج‏ ‏منه، ‏فتم‏ ‏الزواج‏ ‏كما‏ ‏إشترطت‏ ‏أن‏ ‏تبقي‏ ‏معها‏ إابنتها‏ ‏بالتبني‏ ‏جوليت‏، ‏ولا بد‏ ‏أن‏ ‏يكتبها‏ ‏على‏ ‏جواز‏ ‏سفره‏ ‏على‏ ‏أنها‏ إبنته‏ ‏فوافق‏ ‏الريحاني‏ ‏وبدأت‏ ‏الرحلة، ثم ما لبثا أن‏ ‏قررا‏ ‏إنهاء‏ ‏حياتهما‏ ‏الزوجية‏، ‏وبالفعل‏ ‏طلق‏ ‏الريحاني‏ ‏بديعة‏ ‏قبل‏ ‏وفاته‏ ‏بعامين‏.‏
وتحسنت أحواله المادية، فإشترى قطعة أرض بنى عليها قصراً وأوصى أن تصبح بعد وفاته مكاناً لإقامة الممثلين العجزة، بعدما شاهده من معاناتهم مع الشيخوخة، خصوصاً أنهم لم يتقاضوا رواتب.
إعتزل المسرح عام 1946، بعد أن قدم مع بديع خيري صديق عمره وتوأمه في الكوميديا 33 مسرحية، وفي السينما كانت له فيها عشرة الأفلام.

أسرار وفاته الغامضة

مرض‏ ‏نجيب الريحاني‏ ‏بالحمى‏ ‏وأوصى‏ ‏الطبيب‏ ‏بإحضار‏ ‏الاكتشاف‏ ‏الجديد‏ ‏من‏ ‏الخارج‏ ‏وهو‏ ‏دواء‏ ‏البنسلين‏، ‏وكان‏ ‏يلزم‏ ‏إعداده‏ ‏على ‏يد‏ ‏الطبيب‏ ‏المعالج‏، ‏أراد‏ ‏نجيب‏ ‏أن‏ ‏يحضر‏ ‏مندوب‏ ‏الشهر‏ ‏العقاري‏ ‏ليكتب‏ ‏وصيته،‏ ‏ولكن‏ ‏تأخر‏ ‏الطبيب‏ ‏عن‏ ‏موعد‏ ‏الحقنة‏ ‏فألح‏ ‏على‏ ‏الممرضة‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏هي‏ ‏بذلك،‏ ‏وتحت‏ ‏إصرار‏ ‏نجيب‏ ‏والخوف‏ ‏على‏ ‏حياته‏ ‏حقنته‏ ‏الممرضة‏ ‏وفارق‏ ‏‏الحياة‏ ‏ضحية‏ ‏للبنسلين‏، يوم 8 حزيران/يونيو عام‏ 1949‏.
​​​​​​

بعد الوفاة أبدى الدكتور اليوناني رأيه فقال إنه يعتقد أن الضرورة كانت تقضي بالحكمة في إستعمال الدواء، وأن الكمية التي تناولها الريحاني كانت من الكثرة، بحيث أصبحت خطراً على رجل مريض بالقلب.
ونشرت صحيفة "الأهرام العربي" شهادات لخبراء الطب الشرعي، قالوا فيها إن نجيب الريحاني مات نتيجة التسمم بهذه الأقراص، التي كان يجب أن يأخذها على جرعات، وليس دفعة واحدة.
نجيب الريحاني صانع ‏الضحكات‏ ‏والإبتسامات‏.. ‏لا زال‏ ‏يضحكنا‏ ‏ويبكينا‏ بأعماله.