مُخرج سينمائي كبير قدم عشرات الأفلام السينمائية المهمة والتي كانت شاهدة على فترات صعبة من تاريخ مصر من بينها "الكرنك" و "شفيقة ومتولي" و "الرغبة" و "الجوع" و "أرض النفاق" وغيرها.

تزوج من الممثلة سعاد حسني عند تصوير والده المخرج احمد بدرخان لفيلمه مع سعاد حسني، وتتلمذ على يد كبار المخرجين وأبرزهم يوسف شاهين الذي درس له الفن بمعهد الفنون المسرحية وكأن الزمن يُعيد نفسه ليعود هو للتدريس بعد سنوات طويلة من دراسته هناك.. هو المخرج علي بدرخان الذي يتحدث لـ"الفن" عن كواليس مشواره وأعماله الفنية وتفاصيل علاقته بالراحل يوسف شاهين، ويكشف لنا كيف قادته الصدفة لتقديم فيلم "شفيقة ومتولي"، وعن تكريمه بمهرجان شرم الشيخ السينمائي وتفاصيل كثيرة في اللقاء التالي:

قابلنا المخرج الكبير علي بدرخان على هامش فعاليات مهرجان شرم الشيخ السينمائي، وسألناه عن إنطباعه عن التكريم واطلاق إسمه على الدورة الثانية؟
فقال: "سعيد للغاية بتكريمي من المهرجان، وأشكر من سعوا إلى ذلك حينما تحدثت لي إدارة المهرجان وطلبوا مني أن أجلس معهم، وقمت بإستضافتهم بمكتبي وتحدثوا لي وكنت سعيدا للغاية بالدعوة للتكريم، ولكن سعادتي الأكبر كانت حين شاهدت الجمهور يُصفق لي وسعيد بتكريمي، فلهذه التكريمات دعم معنوي كبير لا يشعر به إلا من يتم تكريمه.

كيف استطعت التوفيق والجمع بين عملك كمدرس في معهد الفنون المسرحية وعملك كمخرج سينمائي متميز رصد تاريخ مصر في أعماله؟
قصة التدريس ونقل المعلومة هي حالة خاصة بالنسبة لي، ومن الممكن أن يكون فنان كبير درس التمثيل ولديه الكثير من المعلومات، ولكن الموضوع خاص للغاية ويعود إلى فكرة التواصل بين المدرس وتلاميذه وأساسه هو التفاهم والتواصل بين جيل الكبار والصغار من حيث التفاهم، ولابد من أن يكون في العملية التعليمية نوع من التفاعل ما بين الأستاذ والطلبة بحيث يكون لديهم إستمتاع بالعملية التعليمية حتى لا تكون ثقيلة الدم، من ناحية ثانية، درست بمعهد الفنون المسرحية وكانت هناك طلاسم تقف أمامي وكان علي حفظها من دون السؤال عنها وشعرت بهذه المشكلة وقت دراستي، ولكنني الآن أحاول الحديث بلغة بسيطة مفهومة لأن كل الحكاية أن تصل له المعلومة ويكون قادرا على إستعمالها بما يُفيده بعمله وليس مُجرد حفظ تعابير ومصطلحات، إضافة الى أن هناك نقطة مهمة وأحب أن أُركز عليها وهي أنه لا يوجد فن يتم تعليمه بالورقة والقلم بل الموضوع عملي وليس نظريا.

وماذا عن إسم "دُقدق" الذي أطلقه عليك المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين في بداية مشوارك الفني..أخبرنا عن هذه الفترة؟
كُنت طالبا شقيا وفي المحاضرات أُناقش كثيرا، والأستاذ يوسف شاهين لم يكن يحفظ أسماء الطلاب وكان ينادي الكل بـ"دُقدق" وناداني بهذا الإسم، ومنذ تلك اللحظة أطلقوا عليّ هذه الكلمة.

ولكن كيف قبلت العمل مع المخرج يوسف شاهين كمساعد في حين انك مُخرج وقمت بإخراج بعض الأفلام؟
معروف أن والدي احمد بدرخان كان أستاذي في المنزل وفي كل مكان، وأكثر إستفادة حصلت عليها كانت من خلال التعاون مع يوسف شاهين والأستاذ سعيد الشيخ، وهؤلاء ممن تعلمت منهم الكثير في مشواري كمخرج سينمائي وأعتبرهم الأساس في التكوين الفكري والسينمائي لي، فالأستاذ يوسف درّسني بالمعهد وبعدما إنتهيت من دراستي وذهبت اليه أطلب منه التعاون معه من دون أن يتدخل والدي وكان ذلك بفيلم "الأرض" للفنان محمود المليجي وكانت المرة الأولى التي أرى فيها فن الديكوباج عمليا أمامي، عملت معه وقت التحضير للعمل وليس أثناء التنفيذ لأنني سافرت وقتها في منحة تدريبية، واكتشفت أن التفكير في مشهد ما وتقديمه يحتاج لتفكير وخيال كبير وإكتشفت مع نفسي قدرة التعبير البصري عن المعنى والنص والسيناريو، فالمهم هو تخيل الوضع العام للحركة الخاصة بكل مشهد، وعُدت من منحتي ووجدته يعمل على فيلم "الإختيار" في استديو مصر وتعلمت منه الكثير.

وما هي المواقف الطريفة التي جمعتك بالمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين؟
خطه في الكتابة كان صعبا والقراءة أو التفسير من بعده كان صعبا اذ انه كان يكتب على شكل رموز وكان الأمر صعبا عليّ للغاية، وذات مرة كان يحمل سيناريو عمل وأعطاني إياه وقال لي: "خليك انت المساعد الأول"! هناك مواقف طريفة كثيرة جمعتني به ولا أستطيع أن أنساها.

لم يكن هناك من تخطيط مسبق لأن تقوم بإخراج فيلم "شفيقة ومتولي" ولكن الصدفة دفعتك لذلك.. حدّثنا عن كواليس ما حدث وقتها؟
كان يوسف شاهين يعاني من مشكلة في القلب عند تصوير فيلم "شفيقة ومتولي" وطلبت منه العمل معه وقت التصوير، وبالصدفة تركني أصور مشهدا في العمل بحسب إدراكي لتفاصيل الأمور لأنه كان يريد ان يذهب لمقابلة أحد الوزراء ولا أذكر السبب وقتها، وكانت هذه الفرصة الأولى لي، وبعد عشرة أيام قال لي إنه مرهق ومريض وطلب مني تصوير بقية الفيلم وإخراجه، وطلبت منه رؤية السيناريو وكان رده: "انت هتعدّل علي"، فقلت له: "لا أنت اللي معلمنا كده"، وبعدها قمنا بتصوير الفيلم بأفضل شكل مُمكن.

أيضا قدمت فيلم "الكرنك" في وقت صعب بسبب لأحداث السياسية والإعتقالات.. فما الذي دفعك الى ذلك؟
كُنت قد قرأت رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ ونالت إعجابا شديدا وقتها، وحينها إتصلت به لأطلب منه السماح بتقديم الرواية في عمل سينمائي وإكتشفت أنني تأخرت لأنه باعها للُمنتج الراحل ممدوح الليثي، ولم أيأس وقتها بل طلبت الليثي وتواصلت معه حتى قُمنا بتقديم هذه القصة، ولكن ما دفعني لتقديم هذا العمل هي حالة الإعتقالات التي نالت من الكثير من الناس في ذلك الوقت وكان من ضمنهم أصدقائي المُقرّبين.

درست في معهد الفنون المسرحية وكثر يعتبرون ان التمثيل على المسرح أصعب من السينما..هل هذا صحيح؟
اعترض تماما على هذا الأمر لأن التمثيل على المسرح ليس أصعب من السينما، وهذه المقولة فيها لغط كبير وهي منتشرة ويتم تردادها كثيرا في مجال الفن. ولكنني أحب أن أوضح أن التمثيل السينمائي صعب للغاية وأكثر من المسرح الذي أعتبره سهل بالنسبة للسينما.

أرجو توضيح مدى الصعوبة ما بين السينما والمسرح؟
المسرح صعوبته الوحيدة تكمن في طيلة فترة التحضيرات والعروض اليومية، ولكن هذا يجعلك ثابتا في إحساسك بتقديم الشخصية التي تُقدمها من دون خلل. الصعوبة برأيي تكمن في السينما التي يتم التصوير بها على فترات متقطعة وهناك أفلام تستغرق أكثر من عام لتصويرها.. فكيف يُمكن للممثل أن يحافظ على نفس إحساسه وأدائه في التمثيل من دون أن يتغير؟؟ هنا تكمن الصعوبة بالنسبة للتمثيلالسينمائي.

وفي النهاية.. هل أنت راضِِ عن مشوارك كمخرج سينمائي وما قدمته من أعمال؟
بالتأكيد.. أشعر برضا كبير حيال ما قدمته من أفلام مهمة أشاد بها الجميع ومازالت تعيش بيننا حتى الآن، فالسينما هي مرآة للواقع ومن الضروري أن نُقدم قيمة فنية للجمهور وقضايا مجتمعية قريبة منهم وهذا ما قمت به في أعمالي، كما أن وجود والدي في حياتي أفادني كثيرا بتوجيهاته إلى جانب التعاون مع كبار المخرجين أمثال يوسف شاهين وكنت أحضر تصوير الأفلام وأُشاهد الكواليس ليتم طبعها في خيالي وتستمر هذه القواعد التي تعلمتها في مسيرتي الإخراجية.