على الرغم من الانتحار الذي تعيشه السينما وتنفسها الصعداء من وقت إلى آخر، تبرز بعض المحاولات التي تسعى إلى اعادة الاعتبار الى السينما اللبنانية.

بعض هذه الافلام وكلمة حق تقال، شكل منعطفاً في تاريخ السينما اللبنانية وحصد العديد من الجوائز في العديد من المسابقات العالمية.
اما حدث اليوم، فهو ترشيح فيلم "قضية رقم 23" للمخرج زياد دويري ليكون ضمن المنافسين على جوائز "أوسكار".
نعم... سيكون فيلم "قضية رقم 23"، من بين الأفلام الخمسة الطامحة إلى نيل الجائزة العريقة عن فئة أفضل فيلم أجنبي، خلال الحفل التسعين لتوزيع هذه الجوائز في آذار المقبل، وفق الترشيحات التي أعلنتها الاكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها، التي تمنح جوائز "أوسكار".
وسيتنافس "قضية رقم 23" على الجائزة مع فيلم A fantastic woman (تشيلي) لسيباستيان ليليو، و The square( السويد) للمخرج روبن أوستلوند، الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان "كانّ"، وOn Body and soul (المَجَر) للمجرية إيلديكو إينييدي، والفائز بجائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين.

ومما لاشك فيه، ان هذا الفيلم ومنذ طرحه في صالات السينما اللبنانية، حقق نسبة مشاهدة عالية جدا نظراً إلى حساسية الموضوع الذي يعالجه. فالمخرج الذي قرر الانطلاق من جملة رددها الممثل عادل كرم في الفيلم "يا ريت شارون محاكن عن بكرة ابيكن" وتداعياتها، وبكل ما تمت اليه الى للحرب اللبنانية بصلة، قرر وضع الاصبع على جرح الحرب التي لم تندمل آثارها حتى اليوم. ومن الواضح ان الدويري لا يخشى على الاطلاق الغوص في القضايا التي تثير حساسية المجتمع اللبناني من منطلق انه لا بد من معالجة الماضي وقبحه كي نتمكن من الوصول إلى مرحلة متقدمة من الشفاء.

ومن تابع الفيلم لاحظ ان أحداثه تدور في قاعة المحكمة، وتتحول المحاكمة من محاولة البت في حادث فردي إلى البت في تاريخ الحرب اللبنانية بأسرها. وطبعاً لكل طرف حججه وجروحه التي لم تندمل على الرغم من مرور الزمن، تلك الجروح الكفيلة بإعادتنا وبرمشة عين إلى الماضي الحافل بحرب اهلية لم يخرج منها منتصراً إلا الشيطان.

وان أكثر ما لفتنا في هذا العمل ما يسمى "النأي بالنفس"، فالمخرج والكاتبة جويل توما، تجنبا قدر المستطاع تقسيم اللبنانيين في العمل بين اخيار واشرار او القاء اللوم على أحد.

ومما لا شك فيه، ان هذه المعالجة الدقيقة والمترفعة عن الكثير من الاخطاء التي نلاحظها في بعض الافلام السينمائية، تدفع بنا إلى رفع القبعة لمخرج في جعبته الكثير من الافكار والثقافة والرؤية ان على صعيد الاخراج او على صعيد المعالجة.

زياد دويري، اللبناني المبدع والذي يعيد اليوم الى السينما اللبنانية من خلال فيلمه اللبناني البحت، يعيد الينا مشهدية لم تكن في الحسبان على الإطلاق. يوم احتشد طلاب من جامعة القديس يوسف للاعتراض على محاضرة كان يلقيها المخرج في حرم الجامعة والمطالبة بطرده واتهامه بالتطبيع.
هو نفسه المخرج الذي اشعل فتيل حرب وهمية على مواقع التواصل، هو نفسه مرشح وبقوة لنيل جائزة الأوسكار. وهو نفسه المخرج الذياحتشد لاجل طرده طلاب يفترض انهم من خيرة أهل المعرفة والعلم والذين نعوّل عليهم لبناء مستقبل لهذا البلد بعيداً من الطائفية، هو نفسه يضع السينما اللبنانية على خارطة الأفلام السينمائية العالمية التي تستحق التكريم والثناء.

وأكثر ما يحزننا في الموضوع، اننا مازلنا وبشدة شعب تواق إلى الجهل فنحن لم نتعلم يوما من اخطاء الماضي ولا من حاضرنا... وبدلا من الاحتشاد على باب الجامعة للمطالبة بطرد فكر سينمائي من لبنان، ينبغي الاعتذار اليوم قبل الغد على تلك الاساءة. ولنرتقي إلى شعب يحترم الرأي الآخر بعيداً من الاسترسال في الصاق التهم جزافاً واعتباطيا ولنتحرر من تبعية الانتماءات الغوغائية.

واذا فاز العمل بجائزة اوسكار، فحتما سيكون فخراً للبنان وللسينما التي تحتضر في الكثير من الأوجه وحتما سيشكل حافزا للمواهب الشابة التي تعلّق املا على قارعة المستقبل.

وفي المناسبة وتعليقا على ترشيح الفيلم لجائزة الأوسكار، توجه بعض السياسيين والفنانين بالتهنئة إلى مخرج العمل ومنهم:

وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي قال: "أهنّئ كلّ فريق عمل "قضية رقم 23"، على ترشيح الفيلم لجائزة أوسكار، أفضل فيلم أجنبي. هو فكرة قويّة، وخيمة الحريّة والتنوّع في الشرق، وبحماية الفنّ والإبداع نحمي لبنان ونفرض احترامنا على العالم".

وزير الثقافة غطاس خوري الذي قال على احد وسائل التواصل: "لبنان للمرة الأولى ضمن النهائيات على جوائز الأوسكار، إذ اختير فيلم "قضية رقم 23" للمخرج زياد دويري بين الأفلام الخمسة الطامحة إلى نيل الجائزة العريقة عن فئة أفضل فيلم أجنبي خلال الحفل التسعين لتوزيع هذه الجوائز في الرابع من آذار المقبل. مبروك للسينما اللبنانية. مبروك للبنان".

إليسا اعربت عن فخرها بالانجاز الذي حققه فريق العمل وقالت على احد المواقع: "فخر كبير للبنان أن يتم ترشيح فيلم في جوائز "أوسكار". إحدى اللحظات التي أشعر فيها بالفخر بمواهبنا اللبنانية."

بطل الفيلم، الممثل عادل كرم، نشر مقطع فيديو في حسابه على احد مواقع التواصل الاعلامي عن لحظة ترشيح الفيلم، كاتبا: "للمرة الأولى في تاريخ السينما اللبنانية".

فيما احتفلت بطلة العمل ريتا حايك مع زوجها بالمناسبة، ونشرت صورة في حسابها، حيث كتبت:" الكثير من الفرح، أحتفل بمناسبة ترشح فيلم "قضية رقم 23" إلى أوسكار."