صحيح أن مصلحة الفرد لا يمكن للآخر أن يتعدّى عليها و لا أن يمنعها ، لكن يمكن نقدها و مناقشتها في كل الأحوال، لأن مصلحة الفرد لم تكن يوماً حكراً عليه و إنما مؤثّرة و مؤثِرة بالوطن الذي ينتمي إليه و الذي صنعه بشهرته و ماله ومجده.

في كل مرّةٍ تتعرض فيها مصر الحبيبة إلى ايّ إعتداءٍ آثم ، يضرّ بمواطنيها على مدى قصير مثل الإنفجار و إطلاق النار و قتل الأجانب، كما على المدى البعيد بضرب السياحة و التي هي المورد الأكبر لأرض الكنانة، و حرصاً من الفنانين المصريين على سلامة هذا القطاع لما فيه من مصلحة وطنيّة عامة، يتجمهرون في أكبر الإحتفالات الفنيّة، السينمائيّة، السياحيّة و يتظاهرون بأرقى صورة ، يجنّدون مواقعهم على وسائل التواصل الإجتماعي كما الإعلام القديم من تلفزيون و صحافة ، لنقل أجمل صورة حضارية عن مصر. وما حصل مؤخرأً في مدينة "الجونة" المصريّة هو ليس إلا دليلا واحدا من ضمن أدلّة عدّة على هذا الموضوع ( مهرجان السينما – إفتتاح المدن السياحيّة كشرم الشيخ- حفلات فنّية داعمة لقضايا إجتماعيّة ...) وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على منسوب الوطنيّة المرتفع في نفوس الفنانين المصريين، على عكس ما يحدث هنا في لبنان. الفنان اللبناني منشغلٌ بحساباتهِ المصرفيّة أكثر من إنتماءاته الوطنيّة، فبعد أصغر خللٍ حدث منذ عدة اسابيع حين قدّم رئيس الحكومة سعد الحريري إستقالتهُ من الحكومة و دخل لبنان في المجهول، كان الفنانون اللبنانيون "بالهريبة كالغزال"، وضّبوا الشنط و هربوا لأن الهريبة لا شيء فيها من المراجل. بدل أن يصرّوا على البقاء هنا، لجذب السياح من المعجبين العرب و الأجانب، و إرسال رسالة واضحة للكون برمّته على أن لبنان بأفضل حالاته و لا تزال الحياةُ نابضة بشرايينه، فضّلوا الغناء بالخارج لأن في ذلك ربحا أكبر يؤمن لهم حاجاتهم من البوتوكس و ليالي الملاح المعروفة.

ولو بربحٍ أقلّ، نبقى هنا. هذا الشعار رفعه عدة فنانين قرروا البقاء هنا لإحياء حفلات رأس السنة في لبنان ، ولهم ألف تحيّةٍ صحافيّةٍ حرّة، لأنهم ببقائهم يضخون الدم في أوردة الإقتصاد اللبناني كما بنفوس اللبنانيين الصامدين بهذا البلد بالرغم من جلاميد المشاكل التي لا تنتهي. لهم ألف تحيّة ، تحية لـ عاصي الحلاني، مروان خوري، كارول سماحة، ميشال قزي، ناجي أسطا، جوزيف عطية، نادر الأتات، أيمن زبيب، سعد رمضان، مروان الشامي، معين شريف ولكل فنان أحب أن يستقبل العام الجديد في لبنان .

ربما أن الفنانين اللبنانيين الذين سيستقبلون العام الجديد خارج لبنان جاءتهم فرصة أكبر من فرصة بلادهم من حيث المردود وهذا حقهم الطبيعي، ولكن من قصد الخارج بنتيجة مادية ستكون نفسها في لبنان، كان يجب عليه أن يبقى في بلده، مع محبتنا لجماهير كل فنانينا اللبنانيين في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.