من دون مقدمات، هكذا رغبت أن أبدأ الكلام، فالكلامُ عن الواقع لا يحملُ لا تجميلاً و لا تلطيفاً، الحقيقة تُقال كما هي ولتجرح كما تشاء.

في إحدى المقابلات الصحافيّة للفنان الشاب ميشال قزّي، و عند سؤال المحاور له عن إبتعاده الواضح عن وسائل التواصل الإجتماعي و خصوصاً عند إصدار أيّ عملٍ جديد كغيره من الفنانين، وعن عدم إنصياعه للموضة السائدة في التهنئة و ردّ التهنئة بالشكر وخصوصاً ضمن نادي المشاهير بين بعضهم، جاوب ميشال بغير المتوقّع، أجاب بلهجة الواقع المرير. قال أن هذا العالم الإفتراضي لا يعنيه، من يريد أن يبارك لهعلى عملٍ جديد فليهاتفه كما يفعل هو مع زملائه، كما أن الموضة اليوم هي أن يتّفق أحد المشاهير مع زميل أو زميلة له بأن يكلّمه عبر تويتر أو ينشر صورة معه عبر إنستغرام لكي يقوم الطرف الثاني بنشر التعليق أو إعادة نشر الصورة، و بهذه الطريقة يتبادلان المعجبين أيّ الـ Followers ، مما يعني أنهم يشحذون المعجبين من بعضهم البعض. وهذه الموضة لا تستهويه، حقاً كلام جريء لميشال قزّي الذي وضعهم جميعاً ، أيّ الزملاء، تحت مجهر كشف فيروسات حب الأضواء و هوس الشهرة. ما يحدث في أيامنا هذه هو أن التهنئة و المواسات في الأحزان ، كما المجاملات و تلميع "الطناجر" لم تعد مناطةً بلغة الجسد و تعابير الوجه، لم تعد بهدف تبادل المشاعر و الأحاسيس، إيجابيةً كانت أم سلبيّة. اليوم هي حصريّة بهذا العالم الإفتراضي، و بهدف واحد "شحذ الناس"،فأصبح هدف الكثير من الصحافيين و متسلقي سلّم الشهرة، يتوجّهون بالكلام للفنان المشهور و بنتظرون منه الردّ أو إعادة نشر الكلام ليس بهدف ملاقاته بالحدث و إنما بهدف كسب معجبيه و متابعيه عبر وسائل التواصل الإجتماعي. فعلاً إنها لمهزلة ، أصبحنا مبرمجين على النفاق الرقمي بعد أن كنا من جماعة منافقي اللقاءات الإجتماعيّة، بتنا من الوصولين الإفتراضيين بعد أن كنا تجار مصالح بالسلام و الكلام و العناق و التقبيل اليوضاسي. إنها سابقة، أوّل فنان يضع الإصبع على الجرح، و يحرّكه لكي يؤلمنا ربما نشعر به و ننتبه أكثر لهذا النزيف الإجتماعي الذي لا يندمل إلا بالقليل من دواء الصراحة و الحقيقة.

​​​​​​​"عملّي follow تأعملّك" ، "عمليّ retweet تيلحقوني الناس يلي عندك" ، "نزّل صورة إلنا تتشهري شوي" ، "باركلي تباركلك"..كلها تعابير أصبحت سائدة بين العاملين بمجال الفن و الإعلام، يشحذون المتابعين ، يبحثون عن أضواء و لو إفتراضيّة، كما أن ما يُكتب مغايرٌ جداً لما يُقال في الحقيقة ، ما يُنشر من صور لا يُعبر عن ربع حقيقة اللقاء و المشهد، ما يظهر من إبتساماتٍ على الأفواه ليست إلا تغطية لتكشيراتٍ في القلوب. لذا ليس من المستغرب أن يُسمى عالماً إفتراضيّاً، فالواقع معاكس، و الحقيقة مغايرة.

ميشال قزّي كان صريحاً ، علّى و عسى أن يحذو حذوه الزملاء، و يبقّوا البحصة قبل أن تخنقهم.