بعد الكلام والسؤال والحنين الى الماضي الجميل ايام اذاعة جبل لبنان والمكان المحفوظ في الذاكرة "لهيديك الايام"، في قلب وبال الفنانة القديرة ماري سليمان، أعددنا العدّة للانطلاق في حديث شامل يُقلّب أوراق الماضي ويبث في الحاضر نبض فن مشتاق للأصالة والرقيّ بعيدا عن تزلّف فن اليوم وادعاءاته.

..

قد لا تخلو اي مقابلة اجريتِها من الحديث عن انطلاقتك من برنامج استديو الفن، ولكن سؤالي لك هذه المرة هو عما اذا كنت لتشاركي في البرنامج لو انك كنت تعلمين انك لن تتفرغي للفن؟
نعم بالطبع كنت لاشارك لانني كنت واثقة من قدراتي ومن اختياري، وحين قررت ان ابتعد كنت مقتنعة جدا بقراري ومتصالحة مع نفسي ومع الفن الذي اريد وليس الذي يفرض عليّ ممن يريدون التحكم بالامور انطلاقا من قناعاتهم.

اين هي ماري سليمان اليوم وما الذي يشغلها؟
انا دائما في قلب الفن، الفن هو شغلي وهوايتي وحبي الكبير، وفي كل مرة اجد ما يناسبني وما يستحق ان اطل من خلاله على الناس، لا اتردد في ذلك. منذ بداية مسيرتي اثبتّ وجودي وحققت الكثير وتركت اثرا كبيرا لدى الناس ووصلت الى ما اريد، وحين كان عليّ الاختيار بين فن لا يناسب قناعاتي وشركات انتاج تعمل لمصالحها وليس لمصلحة الفنان والمستوى الذي يريده، اخترت ما يحفظ كرامتي وكرامة الفن الغالي كثيرا على قلبي، فالاجواء التي سادت هذا المجال لم تناسبني والفن الذي اخترت دربه لا يلتقي مع المستويات الذي أُخذ اليها.

بماذا شعرت بعد رجوعك بعد غياب طويل بألبوم :"بكرا منشوف"؟
انا لا اعتبر انني غبت، فالفن هو دائما معي ، وبالطبع فرحت بهذا العمل لانني اعرف كم تشتاق الناس الي، واكثر ما لمست ذلك بعد اطلالتي التلفزيونية منذ شهرين، لقد تعرّف عليّ الجيل الجديد في هذه المقابلة وأصبح يستمع الى اغنياتي ويُبدي اعجابه في فني الذي لم يعهده في هذا الزمن. الناس يميزون بدقة الفن الجيد من الفن الردىء. اينما التقى الناس بي يسألونني لماذا انت بعيدة؟ اذا لم تغنّ انت فمن هم الذين سيغنّون؟ انني اشعر بمحبتهم وغيرتهم عليّ في كل مرة يتمكنون فيها من التواصل معي، فبعد مقابلتي الاخيرة مثلا ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات وتعابير الحب والاشتياق والسعادة برؤيتي من بعد غياب.

الا تُعدّين لعمل جديد؟
نعم، اني اعمل على اغنية جديدة ، ولكنني لن افصح عن اي معلومات بخصوصها، الا بعد ان يصبح الامر جاهزا.

كنت من اول من قام بفيديو كليب وكان من اخراج باسم كريستو، هل انت ممن يحبّذون الفيديو كليب؟
اذا ارتبط الفيديو كليب بأن اضطر الى تغيير شكلي والغاء عمري واجراء عمليات تجميل لكي اناسب العمل، عندها انا ضدّه، لان المطلوب ان نُري الحقيقة للناس فلو غيّروا بأنفسهم وبشكلهم فان الصوت سوف يفضحهم لانه يتغيّر مع التقدم في السن، من تريد ان تسجّل فيديو كليب، عليها ان تكون على طبيعتها، الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية صوّرت فيديو كليب وهي كانت قد تجاوزت الستين من العمر ورغم ذلك بدت رائعة، هنا يكمن الامر في الطبيعية وان يكون الفنان على سجيّته وكما هو على حقيقته.

هل تلقّيت يوما عروضا جعلتك تقولين ليتني لم ابتعد عن الفن؟
لا على الاطلاق، لم اشك ولو لمرّة بأني أخطأت بالابتعاد، واكبر دليل على ذلك "الخلطة"، الموجودة اليوم، ومع احترامي للجميع اني اجد ان الاماكن الاثرية والمعالم الكبرى التي كانت تشهد اهم المهرجانات التي يقصدها الناس من الشرق والغرب والعرب والاجانب ليشاهدوا ويسمعوا كبارنا ممن أغنوا الفن باصواتهم واعمالهم، أجدها تفقد اليوم قيمتها، لا بل للاسف، انهم يُفقدونها خصوصيتها ومكانتها اللائقة. ومع احترامي للجميع، من هم الذين يحلّون اليوم مكان كبارنا من الخالدين الذين كانت ترتعش لهم الاماكن وتنحني احتراما؟؟!! كم اتمنى لو انهم حافظوا على قيمة وأهمية ومعنى معالمنا الخالدة بالكبار الذين مرّوا فيها.

​​​​​​​أجدها مناسبة لأسالك رأيك بفنّاني اليوم؟
وهنا تقول ماري سليمان:أكتبي عن جوابي على هذا السؤال انّي تمنّعت عن الاجابة!

​​​​​​​هل تعتبرين نفسك محظوظة لأنك انطلقت في الثمانينيات وليس في يومنا هذا؟
بالطبع،ما نشهده اليوم ليس فنا بل تجارة، والبعض لا يعدمون وسيلة لتحقيق الشهرة والانتشار ولا يستطيعون، لان الامر لا يكون بهذه الطريقة، فن اليوم هو "حَرفيا"، مهنة فيها مساومات وخدمات متبادلة! أُلغيت كل المقاييس التي برز من خلالها ابناء جيلي من حضور وكفاءة وموهبة وصدق وطموح، هناك شيء مفقود، ولا يهمني ابدا ان اكون من هذا الجيل الفني لانني عملت لاكثر من 24 سنة وصنعت لنفسي اسما وغنّيت في اهم المهرجانات وامام اجمل جمهور ولا شيء يجعلني ابدل الامس باليوم.

​​​​​​​لماذا لا تصدرين اغنيات وطنية خصوصا مع طفرة الاغنيات الوطنية التي نشهدها والتي لا تبلغ في معظمها مستوىً جيدا؟
لقد اصدرت اكثر من اغنية وطنية تعاملت فيها مع اهم الاسماء مثل العظماء الكبار: ايلي شويري، الياس الرحباني، الشاعر عصام زغيب، زكي ناصيف، جورج جرداق، فيلمون وهبة، ملحم بركات وغيرهم، الا انها لا تأخذ حقّها في الاذاعات كما ان شركات الانتاج تسوّق ما يناسبها. وأذكر من انياتي الوطنية:عصافير النار، نجمة الشرق، علاليك وغيرها.

​​​​​​​ماذا تقولين ختاما لمن يحبونك ويتابعون اخبارك ولم يمحوك ابدا من بالهم؟​​​​​​​
اقول لهم اني انا ايضا احبهم ولم أمحهم من بالي يوما، وانني لن اغيب عنهم طويلا وسوف اطل قريبا، انا دائما موجودة ولكنني لا اساوم ابدا ولا اراهن على المستوى الفني الذي حافظت عليه ولست نادمة على شيء.