ما الذي قد يدفع بشخص يعشق الحياة الى لإنتحار؟! الإجابة نفسها تتلخص في السبب الذي يدفع قيمة وقامة فنية كبيرة تعشق الفن وشغوفة به لأقصى الدرجات، لأن تتخلى عن أكثر ما يُثير شغفها وتضطر لاعتزال الفن خوفا من مستوى هابط لا يليق بتاريخها الفني الذي يُعادل تاريخ عشرات الفنانين ممن أغرتهم الشهرة والنجومية وأصبحوا يتعاملون مع أنفسهم على أنهم نجوم صف أول.

يوسف شعبان، فنان ونجم سينمائي قدّم كلاسيكيات وأفضل أعمال السينما المصرية مع ألمع النجوم، وعاش أدوار الرجل الشرير المُحيّر قلوب الفتيات، "زقاق المدق" و "ثرثرة فوق النيل" و "ميرامار" و "الثلاثة يحبونها" و "في بيتنا رجل" و "حمام الملاطيلي"، والكثير الكثير من الأعمال الشاهدة على تاريخ فني عريق حقّقه الفنان القدير يوسف شعبان، الذي أعلن قرار إعتزاله منذ ايام قليلة.

وذكر شعبان، أن اعتزاله جاء لرؤيته وإحساسه أن صُنّاع الفن إستغنوا عنه ولأنه لا يستطيع العمل في وقت لا يتم فيه تقدير الفنانين الكبار إضافة الى أنه لا يستطيع التخلي عن مبادئه أو الظهور بأعمال تضر بأرشيفه الفني، وبدا حديثه معي حين سارعت الى الإتصال به فور أن علمت بخبر إعتزاله وكأنما ملامح صوته قد تجلّت قوية وغير مهزوزة، وطلبت منه ألا يحزن فأكد لي أنه غير حزين على اتخاذ قرار الإعتزال.. يكفي أنه واحد ممن يُقدّرون كل من حولهم بغض النظر عن أعمارهم ودرجة ثقافتهم وهذا يتناقض مع غرور الفنانين الشباب الذين يتعاملون مع الصحافة والإعلام بتعالي وغرور، وللأسف أشباه الصحافيين، يقبلون هذه الطريقة السمجة ممن لا قيمة لهم.

على الرغم من "تغييب" الفنان يوسف شعبان المُتكرر عن الساحة الفنية ولسنوات، بقي في إنتظار انفراجة في السوق وفي عقول المتخلّفين الذين أصابوا الفن بهبوط حاد، الى ان عُرض عليه فيلم "الهرم الرابع"، وقَبِل المشاركة فيه بدور صغير من أجل العودة. ومنذ ذلك الحين، لم يُشارك في أي أعمال أخرى من دون أي أسباب واضحة.

والمفروض، أن تشجيع القيم الفنية وكبار النجوم حتى ولو بمشاركات صغيرة، هو من اولويات المنتجين والمخرجين، لا ألوم الجيل الجديد على هذا الأمر لأن توارث الأجيال هو من طبيعة الحياة ولكن نحن لسنا أقل من العالم الغربي في الإنسانية والتفكير في مشاعر الآخرين، فهم يشركون نجومهم الكبار بأعمالهم الفنية من خلال مساحات من الأدوار تُترك لهم في غالبية الاعمال، ومن بينهم على سبيل المثال: ليام نيسون وإد هاريس وغيرهم. فيا ليتنا نحذو حذوهم كي تبقى لكبارنا فُسحة امل.....فُسحة حياة....