إنطلق مهرجان "إهدنيات"، في الـ29 من تموز، في عرض ضخم وإستثنائي لم يشهد لبنان مثيلا له من قبل، حفل بعنوان: "Cine Orchestre".

قُدّم الحدث، في مشهدية ضخمة وبحضور عدد كبير من الفعاليات، كان أبرزها السيدة ريما فرنجية، والرئيس سليمان فرنجية. جمعت هذه الامسية، الفن السابع والموسيقى من جهة، بالنغمة الجميلة والمشاهد التي تشكل جزءا من ذاكرتنا، من جهة ثانية، وذلك بقيادة أوركسترا لبنان بعلبكي، وإعداد وإخراج الفنان جورج خباز.

لاحظنا في بداية العرض، علامات الاستفهام التي رُسمت على وجه غالبية الحضور، ربما لانه ليس حفلا عاديا لفنان يقدّم أغانيه، فالبعض اعتقد أنه سيشاهد مسرحية، فيما ظنّ البعض الآخر ان ا لاوركسترا سوف تعزف سيمفونية رائدة!

أعادنا هذا العمل الى العام 1936 مع شارلي شابلن، الذي رُبط بشكل وثيق مع أفلام أيامنا هذه، آخرها فيلم:" غدي"، الذي يعود للعام 2013. وذلك من دون مرور الأفلام بشكل متسلسل مع الفترة الزمنية الخاصة بها، ولكن مع مشهدية درامية، حماسية، رومانسية وكوميدية بطريقة لا تجعل المشاهد يملّ ، وفي الوقت ذاته لا تسمح بأن يتعدّى أيّ نوع على النوع الأخر. كل نوع من الافلام أخذ حقه، ففي الفقرة الكوميدية مثلا، جُمع فيلم: "شارلي شابلن"، مع جزء من فيلم:" هلأ لوين"، حيث الكوميديا الساخرة.

المفاجأة كانت في اللقاء الذي مزج بين السينما والموسيقى، وتحديداً، عزف 16 مقطوعة لأشهر وأهم الأفلام المحفورة بذاكرتنا من قبل الاوركسترا على المسرح، وسط متابعة لأبرز مشاهدها على شاشة عملاقة"curved"، صُمّمت بهذا الشكل كي يتمكن الجميع من رؤيتها، وذلك مع بعض المشهديّات المُمسرحة التي ترجمها جورج خبّاز وفريق عمله غناءً ورقصاً وأداءً، لتتماشى مع المشاهِد والأنغام. والتي جاءت في مكانها، مانحة رونقاً خاصاً للعرض ومضفية عليه بعضا من الحركة من خلال دخول المؤدّين الممتع وخروجهم المدروس، ساحرة الجمهور الذي لم يتوقعها.

كما كان هناك نثر شعري ساخر عن الوضع الحالي في لبنان، في قصة تحاكي وجع المواطن اللبناني بصوت جورج خباز، إستخدم فيها أسماء عدد كبير من أرشيف أفلام السينما اللبنانية، من أبرزها: "سفر برلك"، "ناطورة المفاتيح"، "المحطة"، "المؤامرة مستمرة"، "البوسطة"، "تحت القصف"، "غدي"، "هلأ لوين"، وغيرها.

صبي صغير (بطرس خليفة)، لعب دور صلة الربط والوصل بين المقطوعات، لم يمر مرور الكرام، فهو سرق قلوب الحاضرين بخفته وذكائه، مع صوت راوٍ يخبر الجمهور قصته مع السينما منذ طفولته، وكأنها قصة هذا الولد الذي أصبح كبيراً اليوم.

ال "إليانز"، دخلوا المسرح خلال مشهدية: "Star wars"، مؤدّين رقصة لهم، تتماشى مع الموسيقى الخاصة بالفيلم.

"سوبر مان"، يقطع كسيخ من نار فوق الحضور، خلال عرض فيلم:" سوبر مان"، الامر الذي تفاعل معه الجمهور بشكل واضح...لمشاهدته إضغط هنا.

ومما اضفى قيمة وتميّزا على المهرجان، تكريمٌ للكبيرين عاصي ومنصور الرحباني من خلال قصيدة كتبها جورج خباز وقدّمها بصوته.

وكذلك، مرور الممثل اللبناني القدير عبدلله حمصي المعروف بـ"أسعد"، خلال عرض فيلم: "سفربرلك"، في لفتة تكريمية جميلة من المهرجان، حيث "رندح" مقطعا له من أحد أشهر أفلامه وتحديداً موّاله الشهير: "عيني ما تشوف النوم يا ديب حاكمها قلق ونعاس"، الموّال الذي يتّهم فيه العثمانيين بسرقة حماره، وهذا المشهد دفع الناس الى الضحك من صميم القلب.

تانيا صالح، غنّت: "مرايتي يا مراتي"، "يمكن لو" و"حشيشة قلبي"، وسط تفاعل الجمهور معها خصوصاً مع أدائها أغنية: "حشيشة قلبي"، حيث صفّق الناس بحرارة وهم يردّدونها بشغف كبير. وقد ترافقت الاغنية مع رقصة على المسرح بطلها ذلك الطفل الصغير.

جورج خباز، غنّى على المسرح: "أحلى شب بكل الحي"، في ظلّ عرض مشاهد من فيلمه :"غدي"، حيث إستقبله الناس بالحب والترحاب، وخصوصا بعد ان استقبل على المسرح "إيمانيول"، بطل فيلم: "غدي"، الذي أصبح اليوم شاباً كبيراً.

الاوبرالي "بافو"، تقدم على المسرح وغنى أحد أشهر أغاني أفلام "شارلي شابلن"، مع لهفة الجمهور لهذا الفنان وضحكهم، حيث رافقه على المسرح ذلك الطفل بخفّة دمه. أنهى "بافو" وصلته الغنائية في "أفشة مهضومة"، على المسرح خلال العرض تحدث فيها عن زيارة منطقة زغرتا بشكل عام وأكل "الكبة الزغرتاوية".

ولكن قبل دخول "بافو"، وبدء مقطوعة "شارلي شابلن"، تقدّم الطفل الصغير نفسه، وقدّم ل"بعلبكي"،(قائد الاوركسترا)، قبّعة، تشبه تلك التي اشتهر بإرتدائها "شابلن"، ليضعها بعلبكي وجميع أعضاء الفرقة الأوركسترالية. وضحك الناس كثيرا لهذه المفاجأة الخفيفة واللطيفة.

اما المكان الى جانب المسرح، فتحوّل الى مسار للخيول تواكب خلال تجوالها مشهدية فيلم:"إنديانا جونز".

وفي الختام، أضحى مسرح إهدنيات، طريقا عاما تهطل فيه الأمطار وترقص فيه الفرقة تحت المطر حاملة المظلاّت، وتَرافق ذلك مع مشهدية كوميدية واكبت عرض فيلم "Singing in the rain".

البرنامج والأغاني

Cinema Paradiso، Singing In the Rain، Romeo And Juliet، The Godfather، Star Wars، Indiana Jones، Les Miserables، Superman، "غدي"، "كاراميل"، "سفربرلك"، "هلّق لوين"، وغيرها من الأفلام العالميّة واللبنانيّة، كلها نشرت أجواء الفرح على المدرجّات ولاحظنا تفاعل الجمهور مع الافلام اللبنانية بشكل واضح وهو أمر طبيعي.

هذه الامسية أحيت ذاكرتنا وحنيننا إلى أيام بداية السينما في العالم وتتطورها عبر الزمن حيث اختلفت نوعية الصورة وطريقة الإخراج، وتحوّلت الكاميرا من الثابتة أيام "شارلي شابلن"، والصورة بالابيض والاسود، إلى الكاميرا المتحركة مع أفلام الأكشن، والصورة الملونة في فيلم "إينديانا جونز"، مثلا، إضافةً الى المؤثّرات البصرية وال Science fiction في فيلم "Star wars".

قد يكون الطابع الأوركسترالي الضخم، قد أخفى عن الحضور ملاحظة هذا التطور والإختلاف، ولكن أقل ما يمكننا قوله، أن الجميع خرج منبهر، إذ إستطاع المهرجان أن يقدّم أمسية ناجحة ومميزة ومختلفة عن كل أنواع الاعمال التي شاهدناها في مختلف المهرجانات اللبنانية، وكم نتمنى ان يُقدّم هذا العمل وسط مدينة بيروت لأنه حقا عمل يليق بها.