جاءت من عالم المصارف والاموال الى عالم الكلمة والاعلام فكانت رائدة من رائدات الشاشة الصغيرة، اعلامية مطرزة بالكياسة والثقافة، وسيدة الكلمة المرصوصة فوق حفافي وجدان الذاكرة، تحاور مُجيدة فن الحوار، فتسكب كلماتها في عطر الذاكرة .

ريما كركي تهدهد الكلمة فترسم حدود وطن اعلامي مشرف، هذه هي صفات ضيفتنا في حوار نوافذه مفتوحة على الصراحة والصدق.

ما هي التغييرات التي طرأت على صيغة الاعلام بكافة مرافقه اليوم ؟ وما هو الاتجاه الذي اتخذه؟

الاعلام يحمل اكثر من وجه واكثر من صفة متناقضة، فهناك من يعمل بجد وبصدق وهناك من لديه حساباته، وهناك من هو مسيّس بعشوائية عمياء، وهناك من يتقن اسلوب الثعالب المتلون، الاعلام مكبّل وابن السلطة وابن "من يموّل" في كثير من الاحيان، وصدى النزاعات التي نشهدها، الاعلام الحر الصادق بات نادرا واثمانه باهظة، الاعلام يتخبّط بين الحقائق الفعلية والحقائق الشخصية وما هو مفروض عليه ان يسمّيه حقائق، لذا بات المتلقي، ان كان ساذجا او ميّالا من دون منطق، يترك الريح تأخذه حيث شاءت، وان كان ذكيا وحرا يبحث بنفسه ويقارن ويستنتج.

ماذا غيرت ريما كركي الاعلامية في توليفة برنامج للنشر؟

عندما قبلت عرض "الجديد"، سألت اذا ما كان مضمون البرنامج سيبقى نفسه، وأصريت بعدها على ان يبقى الاسم نفسه، رغم نصيحة الكثيرين بضرورة تغييره لتجنّب المقارنات، لكنني اخترت ان لا اختبىء وراء تسمية اخرى طالما نحن في المحطة نفسها، فمعظم البرامج لا تفرّقها عن بعضها الا بالتسمية فقط ، ومن الصدق ان لا نضحك على انفسنا. أما عن التغيير، فكل انسان يضع من ذاته بطريقة مختلفة حتى على نفس "الطبخة"، الطبق نفسه يتغيّر طعمه بين طبّاخ وآخر، لن أتحدث عن تغيير لان كلّاً يراه على طريقته، وانما انا اؤمن بان البرنامج الاجتماعي كمهنة الطبيب لا تقتصر على العيادة او المستشفى، بل ان قضايا الناس تلازمك في اي مكان او زمان، فيظهر تورطك العاطفي او حكمك غير الموضوعي احيانا كثيرة، أو حماستك للعدل او للانسانية، وانا اؤمن بمحاولة ايجاد الحلول للقضايا المطروحة. للنشر قدم الكثير من الحلول واضاء على مواضيع لا تشبه طبيعة هذه البرامج، كالارهاب وحاجات المناطق والسجن والالغام والسيدا على سبيل المثال ، كما انه ناقش "التابوهات" بطريقة هادفة، وجريئة ومختلفة، فلا موضوع ممنوع او ضيف ممنوع انما الاسلوب هو سر كل اعلامي، ولكن قد يكون خياري التواجد في الميدان، خارج الستديو بشكل مكثف طبع البرنامج باسلوب معين ، فأن تعد تقارير بأسلوبك ولا تكتفي بالستديو، يجعلك تلمس وجع الناس وتنقله بطريقة أصدق، والصدق قوة، السؤال ماذا غيّر في شخصيتي برنامج للنشر.

​​​​​​​ماذا غيّر؟

الكثير، أولاَ عزز إيماني بالتحدي، فانا أملّ بسرعة اذا لم يكن هناك تحدٍّ، وعزز إيماني بان الخيارات التي تبدو صعبة، هي بالحقيقة مغامرة جميلة، ولا شيء يحلّي ذاتنا بقدر ما تفعله المغامرة، جرت العادة ان أتخذ قراراً بعدم الاستمرار في برنامج اكثر من سنة او سنتين، لان الجمهور المحلي يمل والقدرات الانتاجية محدودة في البلد وتحتّم عليك التغيير، وكنت اطلب بنفسي ايقاف برامجي وهي في ذروة نجاحها، كي لا اسقط في الرتابة، اما مع للنشر وعلى ابواب السنة الرابعة منه، فانا اعيش صراعاَ، بين الهروب من المآسي حين ندرك مرارة الواقع وألم الناس، وبين احساسي بانني اكتسب اهمية بعين ذاتي، كلما انغمست اكثر في همومهم وافراحهم. بت متورطة بحبي وكرهي في آن لـ "للنشر"، اكتسبت نضجا كبيرا في التعاطي مع محيطي، فبات كره البعض لي واختراعاتهم حولي ، يسلّيني ويضحكني، واحساسي بالشفقة عليهم يزيد، بت اشكر الله اكثر على ما عندي بالمقارنة مع ما ارى، بت اشعر بزهد من تفاصيل يغرق فيها البعض في مجالنا، فعندما ترى الكثير من آلام الناس، تتحسن قدراتك واخلاقك وصبرك، مرّت ايام أطلق الكثيرون شائعات وعتّم آخرون على انجازات، فيما نحن منهمكون في حل مشاكل لأناس لا نستفيد منهم على الشاشة ولا نظهرهم في البرنامج، بل نساعد لانو "هيك مركّبين"، وهذا وحده يختصر النضج اليومي المكتسب مما نختبره.

ماذا بعد للنشر؟

برنامج مرح ممكن، مرح جدا، وقدمت في السابق برامج مرحة، فارتفع "استثمار" كل جوانب شخصيتي، البعض يراني جدية او قاسية ، لان البرنامج تفرض قضاياه صورة معينة، البرنامج المرح ما زلت ابحث عن صيغة له، او انتظره، لكنني بانتظار ان يضعف غرامي بـ"للنشر".

تجربتك الاعلامية كانت ركنا من اركان نجاحك في برنامج للنشر؟

كانت لي برامج عدّة :"بدون زعل"،"انا واياك" و"لايك هالحكي"،"امور شخصية"، "عالم الصباح"، الانسان مزيج من خبرات عديدة في مجالات مختلفة، المهم ان يكون هو صاحب سؤاله ويعرف عمّا يبحث خلف السؤال، لكن برأيي الركن الاساسي لنجاح للنشر هو روح التعاون السائدة بيننا كفريق العمل، والنشاط والاخلاص فيما بيننا، وانسجام اهدافنا من البرنامج.

​​​​​​​برأيك الاعلامي اليوم لم يعد ملك موهبته بل اصبح رهينة "الرايتينغ" ؟

"الرايتينغ" ليست كلمة سيئة او شريرة، كما يصورها البعض، هي انعكاس لما يراه الناس ويشاهدونه، والتلفزيون مؤسسة تجارية تحتاج ان تربح لتستمر، التحدي في ان لا تكون "رهينة" كي لا تنحدر، لأن الانحدار سيخسرك كل شيء ولو بعد حين، سيخسرك نفسك ومصداقيتك وصورتك وسيخسرك الرايتينغ ايضاً، هناك رايتينغ لكثير من المواضيع الناصعة، تبنيه تدريجياَ ليثبت ان الناس تتجاوب مع الجودة، أما في المواضيع الحساسة أو التي تحتّم ضيفاَ قد يراه البعض منفّراَ او مرفوضاَ، فعليك طرحها باسلوب ناصع ومفيد.

هل تؤيدين من وجهة نظرك الاعلامية نوعية البرامج الطويلة الامد؟

اثبتت تجربة كثير من البرامج التي شهدت نجاحاَ مدوياَ، انها لم تستمر بالوهج نفسه، في السوق الخارجي قد تنجح برامج لمدة طويلة لقدرات انتاجية ضخمة وسوق مشاهدة واسع، لكن على الصعيد المحلي اعتقد اننا نحتاج دائما لعناصر تغيير، فترى الضيف نفسه احيانا في اكثر من محطة، يكرر نفس الكلام ، في الاسبوع نفسه!

نلاحظ في بعض الملفات على الشاشة تعاطفا كبيرا منك في بعض القضايا كقضايا الاطفال او النساء وتحديدا الحالات النافرة فهل يحق للمحاور الانحياز لفرد من ضيوفه؟

قد لا يحق له، لكنني انحاز بكل فخر، حيث الموضوعية تبدو تافهة او باهتة، اي في قضايا يكون فيها الظلم واضحاَ، فلا موضوعية في حضور صاحب حق، او طفل معنّف، او امرأة مضطهدة تتعرض للابتزاز او للاغتصاب او رجل سرقت امواله من غول مال نصب عليه واتكل على من يسنده من "أصنام" السلطة، الموضوعية هنا خيانة، لا يهمني الاحتراف والقواعد والكتب والارشادات المهنية حينما تكون وجهاَ لوجه امام الانسان والانسانية، "انا مش محترفة ولا موضوعية".

أخيراً، هل علمت السيدة فيروز انك صاحبة فكرة الجدارية التي تحمل صورتها على حائط تلفزيون الجديد؟

لا أعرف لكنني اعتقد انها شعرت بذلك، فهي تشعر بحب كل منّا لها، هي من تجعل الوطن احلى والحب اصفى والانسان ارقى، كلنا نحبها ويكفي، "هي بتعرف الباقي".

​​​​​​​المرأة إن حكمت والسلطة بيدها يكون حكمها بفعل القلب ام العقل؟

جربنا الرجال، فلماذا لا نجرّب النساء مع أنه برأيي ينطبق السؤال على الاثنين فكلنا مزيج عقل وقلب، انما المرأة ذاكرتها قوية وهذا ضروري لعدم نسيان الاثمان الباهظة التي دفعناها نتيجة اخطائنا في بعض الحسابات وهي كذلك ضليعة في التفاصيل، وعاطفتها من نوع خاص، العاطفة قوة وليست ضعفاَ كما يظن البعض، فالعاطفة هي من تجعلك اشرس في الدفاع عن وطنك، وهي وقودك لحماية ناسك واهلك، فمن قال ان العقل وحده يكفي، كي تحكم بطريقة صائبة، القلب يحميك من العقل احياناَ، ويجمّل الخطة ويجبر العقل على ان يكون خلاقاَ في سبيل اسلوب أفضل في ادارة السلطة، فالقلب بلا عقل قد يتهوّر والعقل بلا قلب قد يتسلّط ويتجبّر، معا حتما "بتكون أكمل".

​​​​​​​ما هي مدائن الاحلام التي تسافر اليها ريما عندما تنفرد بنفسها؟

انا مسكونة بالطموح، الى درجة المرض، لذا فالاحلام لا تتوقف بل تتوالد وبتوجع الراس.

ما هو في منظورك الفرق بين الشفقة والرحمة؟

الشفقة فيها تعالٍ ضمناَ، وقد تكون مهينة لكرامة الآخر، اما الرحمة ففيها واجب تجاهه وتجاه ضميرنا نحن، بالشفقة تطعم وتساعد، بالرحمة تنمو وتنهض مع الآخرين.

هل تضحك ريما كركي بعيدا عن الشاشة؟

الضحك ليس غائباً عن الشاشة أصلاَ وقد ظهر في كثير من البرامج التي قدمتها، وهوكذلك لا يغيب خارجها، أنا اضحك حتى على مشاكلي، "يلّي ما بيعرف يضحك على الدنيا، بتاكلو همومها".