عندما صُنّفت السينما بمرتبة الفن السابع، لم يأت التصنيفُ إستناداً إلى جمال الممثلين، ولا إلى مردود العمل من مالٍ وشهرة.

فالسينما هي واجهة مجتمعٍ بأكملهِ، مرآة العصر الذي ساد خلال فترة التصوير أو زمن القصة، السينما وجع، ثورة، نجاحٌ وخيبة، تخلّف، تمدّن، جمالٌ وقباحة. هي كل شيء، من على شاشتها نرى الحقيقة بعين مخرجٍ، بفكر كاتبٍ و أحاسيس ممثلين. هي سلطة خامسة، سلطة التعبير بجمالية الإبداع و ذكاء الرسائل المبطّنة وحتى المعلنة.

هكذا هي السينما، وهكذا هو الحال مع فيلم مولانا، استنادًا إلى رواية الكاتب الكبير الصحافي إبراهيم عيسى التي تحمل نفس الاسم، تدور أحداث الفيلم حول الشيخ حاتم الذي يعد من أحد الدعاة الاسلاميين النافذين عبر وسائل الاعلام، الذي تربطه علاقات وثيقة برجال السياسة، وتأثير كل ذلك على مصداقيته أمام جمهوره. يتمحور الفيلم حول رحلة صعود تبدو معتادة لشيخ صغير في مسجد حكومي من مجرد قيادة الصلوات إلى أن يصبح داعية تلفزيوني شهير يملك حقًا "للفتوى" التي يتلقاها الملايين بالإعجاب لجرأته ومحاولاته للخروج قليلاً عن مألوف الحديث السائد في مجتمع متأثر بدعاوى التشدد السلفي. هذا بإختصار فحوى الفيلم، لكن في المضمون الإخراجي، السيناريو والتمثيل فإن التفاصيل هي سُكّر هذه القصة. للحديث تفرعاتٌ عديدة، نبدؤها بالمشاهد السريعة التي تروي أحداثاً طويلة بدقائق قليلة جداً، يختصر من خلالها المخرج مجدي أحمد علي، الكثير من المضمون في قليلٍ من المادة. وهذا ليس بالأمر المعتاد في الأفلام العربية التي يشبع فيها المشاهد مماطلة وتمديد للحدث ضمن مشاهد تُصيب بإكتئابٍ وجلطة .

ثانياً، يتضمن النص جرعة زائدة من الثقافة والذكاء، كما من تمرير الرسائل التي إن فهمها كل مشاهد، لكانت الثورات أصبحت كالخبز اليومي وكشمس الصباح. تكفير الصوفيين، تعامل رجال الدين مع أمن الدولة، ظاهرة "النصرنة" أي النسبة المرتفعة من المسلمين الذين يغيّرون إلى المسيحيّة، إستفادة السياسيين وأمن الدولة من معظم عمليات الإرهاب والتفجير، زيف الإعلام عبر تركيب المواضيع وشراء المصفقين وتلقيمهم الاسئلة والمساءلة، تسخير الإعلام لخدمة السياسة المخابراتية للبلد... والكثير من المواضيع التي عرّاها الفيلم بذكاءٍ خارق.

كل هذا، يُضاف إليه النص المكتوب بإبداع الحبر وروعة الورق، وقد تجلّى ذلك عبر حنكة الشيخ حاتم، روح الدعابة الذكية التي يمتلكها، اللعب على الكلام في معظم الحوار بين الشخصيات والأهم هو الخطاب الأخير للشخ حاتم عندما إعتلى منبر الكنيسة وقلب معايير وحسابات رجال الأمن والسياسة.

عمرو سعد، الذي تعوّدنا عليه في أدوار البلطجة والحركة، أبدع بكل معايير الإبداع في هذا الفيلم، ظهر لنا شيخاً متديناً، عصريّ الحياة، عميقاً بمشاعر الأبوّة و زوجًا وجدَ ليعشق. فيلمٌ عربيٌ بالإسم واللهجة والعاملين، لكنه فيلمٌ غربيٌ بصراحته.

لم يتعاط مع مسألة العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين بنفاقِ المضمون وكذبِ الشعارات الموروثة قرفاً. وإنما بمنطق العلم والعقل، الشعور وال لا شعور. هو فيلم واقعيٌ كالأرض وحقيقيٌ كالسماء. فيلمٌ إسلامي يرسم صليباً ليعيش في شرق الأديان لا الطوائف، شرق الإسلام لا الشيعة والسنة، شرق المسيحية وليس عقدة الأقليات والأعداد.... مولانا، فيلمُ العرب وليس حكامهم.